باتفاق الكوريتين هل نهاية العالم تقترب أم تبتعد؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

باتفاق الكوريتين هل نهاية العالم تقترب أم تبتعد؟

نشر فى : الجمعة 4 مايو 2018 - 9:45 م | آخر تحديث : الجمعة 4 مايو 2018 - 9:45 م

من أدبيات الأديان على مختلف أزمانها وأوطانها أنه لابد من نهاية للعالم الشرير الذى نعيشه وأن هذه النهاية ستكون مأساوية بحرب طاحنة يقتتل فيها البشر، وتتدخل الطبيعة فتحدث زلازل وبراكين وكسوف فى الشمس والقمر وينهار كل شىء وتحدث دينونة للعالمين حيث ينقسم البشر إلى أخيار وأشرار ويساق الأخيار إلى الراحة الأبدية حيث النعيم ويساق الأشرار إلى الجحيم حيث العذاب الأبدى. وتسابق البشر المهتمون بهذا الأمر فى رصد علامات قرب النهاية من زيادة معدل الشر والأشرار والحروب والعنف ومن أهم علامات نهاية العالم فى الدين اليهودى ظهور المسيا وفى عام 1630 وفى 31 مايو برز المسيا إلى الوجود وأعلن عن ذاته فى غزة وكان يدعى شابيتاى زيفى (1626 – 1676) لكن العقل المفكر له كان اسمه إبراهام ناثان بن اليشع وعرف بناثان غزة

(1643 – 1680) وفى عام 1648 وبسبب المذابح الجماعية لليهود أعلن زيفى بالاتفاق مع ناثان أنه المسيا المنتظر وفى نهاية عام 1665 بدأ يهود العالم يتجاوبون مع نداء ناثان وانضم لهم بعض المسيحيين والذين حددوا موعد نهاية العالم فى عام 1666 معتمدين على النص الوارد فى سفر الرؤيا من الكتاب المقدس الذى يتحدث عن الوحش رقم 666 وهكذا باع البشر الذين يؤمنون بذلك أملاكهم وفى ليلة رأس السنة ركعوا على أقدامهم فى الثلج لانتظار النهاية ولم يحدث وما زال كثيرون من الأصوليين اليهود والمسيحيين والمسلمين يرصدون علامات عودة المسيح، كل ديانة بحسب مفهومها.

***

فى مواجهة ذلك الفكر الأصولى توجد حركة أخرى لها توجه مختلف وأيضا من جميع الأديان يتحدثون عن أن نهاية العالم لن تكون مأساوية من قتل وإحراق وحروب ويترصدون علامات السلام والمصالحة بين شعوب العالم على أنها بداية نهاية العالم المؤلم والانتقال إلى حياة رفاهية وشبع وسعادة لكل البشر حيث تنتهى الحروب والمجاعات والجهل والأمراض ويعيش الإنسان بفضل اختراعاته واكتشافاته كسيد على هذه الأرض ويستطيع أن يأتى اليوم الذى فيه يهزم الموت. هذه النوعية من البشر ينظرون إلى الاتفاق الذى فى طريقه الآن للاكتمال بين كوريا الشمالية والجنوبية على أنه أحد العلامات الفارقة فى فقه ولاهوت السعادة والرفاهية للإنسان ومن أبرز ما يرصده هؤلاء تاريخيا تأسيس الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية فى نهاية الأربعينيات نتيجة مصرع الملايين فى الحربين الأولى والثانية ليعلنوا أن الحرب العالمية الثانية هى آخر الحروب العالمية وأن كل المنازعات يجب أن تحل من خلال المفاوضات وقد سخر كثيرون من هذا التفاؤل المفرط لكن معتنقى هذا الفكر أكدوا فكرهم ببعض الأحداث التاريخية مثل انتهاء أزمة خليج الخنازير عام1962 حيث قام الاتحاد السوفيتى بنشر صواريخ تهدد الولايات المتحدة فى كوبا وهددت أمريكا بحرب عالمية وكانت النتيجة سحب الاتحاد السوفيتى الصواريخ لأجل سلام العالم، وفى عام 1989 سقط سور برلين الذى كان يقسم ألمانيا إلى غربية وشرقية وهتف أصحاب هذا الاتجاه أن النهاية السعيدة قادمة بالسلام لكل العالم خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991. وقد وصف المفكر الأمريكى فرنسيس فوكوياما ذلك بأنه نهاية التاريخ، وبعد لقاء زعيمى كوريا الجنوبية والشمالية وصف الشماليون ذلك بأنه بداية التاريخ.

***

هنا نقول ماذا حدث بعد الشد والجذب بين كوريا الشمالية وترامب؟ قام كيم جونج رئيس كوريا الشمالية مع زوجته بزيارة سرية إلى الصين ولم يعلن عن هذه الزيارة إلا بعد عودته.

ترى ماذا قال رئيس الصين لكيم جونج؟: «يا عزيزى كيم أنت تصر على العيش فى عالم جدك المبجل كيم إيل سونج بينما عالم جدك قد انتهى. ثم أشار إلى رأس كيم قائلا: أنت تصفف شعرك على طريقة ماو تسى تونج، وعالم ماو قد انتهى. وأنت تعتقد أننا نفرح بأنك تزعج الغرب وعلى رأسه أمريكا. وهذا أيضا انتهى يا عزيزى. لا شك عزيزى القارئ أنك تتذكر كيف كان رئيس كوريا الشمالية كيم جونج يلتقط كل يوم «سيلفى» مع صاروخ جديد ويهدد بقنبلة نووية ويضع قواته فى حالة تأهب قصوى. وإذ به يتحول من أسلوب القذافى وصدام إلى رجل دولة حقيقى ويلتقى عدوه الأول بابتسامة عريضة كزعيم سياسى مخضرم. لقد نجح كيم فيما لم ينجح فيه زعماؤنا بداية من عبدالناصر ونهاية بالقذافى مرورا بصدام وياسر عرفات وهنا علينا أن نرفع القبعة لأنور السادات الذى استشرف المستقبل بعيون مفتوحة واختار السلام مع أشرس دولة فى العالم وأحرجها وأرغمها على معاهدة سلام فى نهاية السبعينيات وكيف أن كل زعماء العرب بلا استثناء اتهموه بالخيانة وبعد ذلك حاولوا جميعا أن يقلدوه والذين لم يقلدوه كان مصيرهم الدهس تحت أقدام شعوبهم، ولو كان مبارك له رؤية السادات واستكمل مسيرته لكانت مصر اليوم مختلفة تماما. لقد أضاع الوقت بلا رؤية حقيقية للمستقبل. ونحن نعود بعد كل هذه السنوات إلى النقطة التى بدأها السادات. ونقف مع كيم جونج الذى رشحته مؤسسة «كورال» للنشر مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للفوز بجائزة نوبل للسلام لعام 2018 ولقد كان على القمة فى الترشح قبل الأحداث الأخيرة البابا فرنسيس والمفوضية السامية للأمم المتحدة وغيرهما من المرشحين. وفى حال نجاح مباحثات السلام بين الرئيسين واللذين بدءا خطوة وقف العالم لها احتراما رغم رمزيتها البديعة عندما التقيا عند الحدود بين البلدين التى لم يجتازها أحد منذ سبعين عاما وانتقل رئيس كوريا الشمالية سيرا على الأقدام عابرا الحدود إلى كوريا الجنوبية حيث التقاه رئيسها مرحبا ثم انتقلا معا بأيدى متشابكة عابرين الحدود لكوريا الشمالية كرمز للتوافق وبداية المفاوضات، وإذا استمرت المباحثات بفاعلية ونجاح وحل السلام فى شبه الجزيرة الكورية فسيثبت الرئيسان أنهما بالفعل يستحقان أن ينالا جائزة نوبل للسلام. إن السؤال الذى يردده العالم كيف يتحول الأشرار إلى أخيار؟ والسيئون إلى صالحين؟ والإجابة الوحيدة التى يمكن أن تقنع العالم هى أن عصر تمجيد البطل الشرير قد انتهى بغير رجعة وأن الأجيال الجديدة فى العالم لم تعد تقنع وتسعد برعاة البقر الأمريكيين ولا بحذاء خروشوف ولا بوقاحة القذافى... إلخ.

***
نحن أمام أجيال مختلفة تماما ترفض العنف حتى لو كان مصدره مقدسا أو دفاعا عن مقدسات، جيل واقعى يتطلع إلى المستقبل الذى يمتلئ بالرخاء والحب والسلام إنهم أبناء السلام حيث إن بلادهم

(اليابان وألمانيا) غفرت للولايات المتحدة قصفها الكاسح سواء قنبلتها النووية الأولى على اليابان أو تدمير ألمانيا نهائيا، وهذا الغفران تبعه مشروع مارشال لإعادة البناء لأوروبا وتبعه أجيال ولدت فى ظل السلام والحب والرخاء بينما تخلف عن الركب الشرق الأوسط ومعه النظام الكورى الشمالى الذى كان نموذجا لزعمائنا الأشاوس واستمر فى معاداة الولايات المتحدة حتى اليوم. وبالطبع لن يتغير الزعيم بين يوم وليلة ولن يتغير ترامب لكن هنا مراهنة أمام عيون العالم لكى يتمما السلام الشامل ويغيرا من تعبيراتهما الفجة، وإذا لم يستكملا مسيرة السلام فيكفيهما ازدراء الناس لهما وأعتقد أنهما لن يقامرا بذلك. لقد سحبا البساط من المونديال الكروى لكأس العالم وأحرزا أكثر من هدف من أهمها أن الشرير تحول فى نهاية الفيلم إلى طيب وأن القبيح بدا جميلًا وأن العالم حبس أنفاسه مع خطوات الرئيسين على الحدود كما حبس أنفاسه مع نزول أنور السادات من طائرته فى نهاية السبعينيات فى تل أبيب ونزول أول إنسان على سطح القمر فى الستينيات.

فى نهاية البيان أشار الزعيمان إلى اتفاق على مواصلة المحادثات بهدف إعلان نهاية الحرب الكورية والتوصل إلى سلام «دائم»

و«راسخ» والعمل من أجل «نزع السلاح النووى» بالكامل من «شبه الجزيرة الكورية»، ترى كيف يفكر روحانى إيران اليوم، لقد بقى وحيدًا مع سلاحه النووى»؟ ترى ما الذى أحسه وهو يرى الرئيس جونج ينتقل فاتحا ذراعيه مجتازًا الحدود مع كوريا الجنوبية؟ أعتقد أنه قال فى نفسه متى نصير دولة طبيعية تتعامل مع لغة العصر ومتى أصبح فى شهرة جونج وميسى ورونالدو ومو صلاح هل يمكن أن أصبح «صانع ألعاب»؟!!.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات