رذاذ غضب البورصة أهون - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رذاذ غضب البورصة أهون

نشر فى : الأربعاء 4 يونيو 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 يونيو 2014 - 8:04 ص

بصياغات مختلفة اختارت بعض الصحف خلال الأيام الماضية مانشيتات لصفحاتها تصب فى فكرة واحدة وهى أن قرار الحكومة بفرض ضريبة على أرباح البورصة أفسد على المصريين فرحتهم بالانتخابات الرئاسية. وبغض النظر عن فجاجة الفكرة، وسخافة الطرح الذى تصور أن المصريين منشغلون بالبورصة، وأن الواحد منهم لا يستطيع أن ينام فى الظهيرة قبل أن يطمئن من وكالات الأنباء كيف سارت الأمور بمؤشر (EGX 30) وبعدها ينام قرير العين. إلا أن هذه المانشيتات لفتت النظر إلى حقيقة أن طرفى الصراع وهما الحكومة، وأصحاب المصالح الذين يتكسبون من البورصة، قد نجحا بالفعل فى فرض قضيتهما على الرأى العام. الذى ربما لا يعرف الكثيرون منه عن أمر البورصة شيئا سوى يافطة اعتاد أن يراها كلما ساقته قدماه إلى شارع الشريفين، مرورا بشوارع وسط البلد. ولكن انشغال الناس بالقضية هذه المرة لافت للنظر.

قرار فرض ضرائب على أرباح البورصة مر بسرعة البرق، وكأن الحكومة فى سباق محتوم، وعليها أن تنهيه قبل أن يرحل الرئيس المؤقت عدلى منصور. مما أفسح المجال واسعا للقول بأن الرئيس الجديد القادم إلى الاتحادية، أراد ألا يبدأ عهده بمواجهة. كانت دوما هى الأشرس مع رجال الأعمال، وكبار المستثمرين المتعاملين فى البورصة، وأصحاب شركات الأوراق المالية، وبنوك الاستثمار، والمكاتب الاستشارية، ومديرى صناديق الاستثمار، وعتاة مكاتب المحاسبة. وكان الانتصار فيها من نصيب أصحاب تلك المصالح. وانهزمت الحكومة هزيمة نكراء فى كل مرة اقتربت من هذا الملف. فتعمد الرئيس الجديد الذى أوشك على الجلوس على كرسى الحكم أن يتجنب معركة يبدو فيها تنازع الإرادات حادا. وقد يظل الخاسر فيها يحمل غصة فى حلقة ممن هزمه. وربما تخصم من رصيده، أو حتى يعلق به بعض من رذاذ الغضب. لذلك كان من الأفضل أن ينشر القرار فى الجريدة الرسمية وهو يحمل توقيع المستشار عدلى منصور حتى لو قبل ساعات من تسميته بالرئيس السابق.

•••

ولكن لأنه بدا منذ اللحظة الأولى أن الحكومة عازمة على ألا تتراجع هذه المرة، فكان على الطرف الآخر أن يوافق على مضض، ولكن بشرط خطف أكبر قدر مستطاع من المكاسب فى تلك الجولة، يتفادى به الآثار السلبية للضريبة. وفى نفس الوقت يتجنب مساوئ إجراءات أكثر عنفا أو قسوة قد تضطر إليها الحكومة مستقبلا للحصول على موارد، من أجل صلب عود بعض الفئات الاجتماعية. التى يثق الطرفان أن إجراءات خفض دعم الطاقة، التى ستبدأ الحكومة فى تنفيذها، ستذهب بهذه الفئات إلى حدود من القهر الاجتماعى، قد لا يُحمد عقباها.

وقد كان لكل طرف ما أراده، أو ما يكاد يطمح فى تحقيقه. وهو ما يفسر عدم خروج أى رذاذ من الغضب من الغرف المغلقة التى جمعت بين وزير المالية وممثلى كبار أصحاب المصالح. وإن كان الأمر لم يخل من بعض الغاضبين الذين كانوا خارج تلك الغرف. مثل رئيس اتحاد الغرف التجارية أحمد الوكيل الذى أصدر بيانا ناريا واصفا القرار بأنه مدمر ويؤدى إلى رفع الأسعار، وخفض الصادرات، وزيادة البطالة، وتحويل مصر إلى جزيرة منعزلة. ولم يخجل فى أحاديثه من أن يذكر وزير المالية الحالى بعبقرية أستاذه يوسف بطرس غالى عندما خفض نسبة الضرائب للنصف. دون أن يشرح لنا السيد الوكيل كيف ستتحول مصر إلى جزيرة منعزلة، وعدد لا بأس به من الأسواق الناشئة فرضت ضرائب تفوق ما فرضته الحكومة المصرية مثل المغرب والسعودية وتركيا ورومانيا وبولندا والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها دول كثير. ومع ذلك ما زالت تعيش بيننا، ولم تتحول إلى جزر منعزلة حتى الآن. كما لم يفسر لنا مغزى عبقرية الوزير المختفى، من بعد الثورة، فى لندن، وهو تارك البلاد ونسبة الضرائب التى يدفعها كبار مناصريه فى السوق لا تتعدى 8% من الناتج المحلى، بينما متوسط هذه النسبة فى الدول غير المنعزلة يصل إلى 27%.

•••

وفى المعركة التى يعد الخاسر فيها فائزا. حظى كبار المتعاملين فى السوق بقدر لا بأس به من التنازلات التى تجنبهم كثيرا من عبء تلك الضريبة، بل ويجعل البعض منهم بمنأى عنها تماما. خاصة وأنهم يعرفون كيف السبيل لتجنب تلك الضريبة. وكان للحكومة أيضا بعضا مما أرادت. فسوف تحصل على حوالى 7 مليارات جنيه فى العام الأول. وهى الحصيلة التى قدرها وزير المالية الدكتور هانى قدرى من ضريبة الأرباح الرأسمالية، وتشمل الضرائب على عمليات الاستحواذ، إلى جانب التوزيعات النقدية وهى الكوبونات التى توزع على حاملى الأسهم.

وليست الحصيلة فقط هى ما سوف تجنيه الحكومة من قرارها، ولكنها أيضا ترسل برسالة إلى الذين ينامون بعشاء خفيف لا يكفى ذويهم، مفادها أن النظام الجديد ربما سيأخذ بقدر ما تستطيع خريطة توازنات القوى الحالية أن تعطيه لصالح تعليم وصحة الفئات التى لا تظهر أقدامها على خريطة التوازنات أبدا. وكذلك تعول الحكومة، التى ستستمر مؤقتا مع الرئيس الجديد، تعول على انتصارها فى تلك المواجهة، لكى تمرر فى سلام القرار الأصعب، وهو تخفيض دعم الطاقة بمقدار قارب من 40 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة.

وحاول كبار رجال السوق تفريغ قرار الضريبة على البورصة من مضمونه بقدر ما استطاعوا إليه سبيلا. فكان حصاد جهدهم هو إلغاء ضريبة الدمغة التى كانت مقررة على تعاملات البورصة بيعا وشراء، وذلك قبل فتح باب النقاش فى الضريبة الجديدة. ونجحوا فى رفع حد الإعفاء الضريبى على صافى أرباح المتعاملين إلى حدود 15 ألف جنيه بدلا من 10 آلاف جنيه. بحيث إذا وصل صافى توزيعات الأرباح لأحد المتعاملين إلى 25 ألف جنيه فى نهاية العام، فإنه سيدفع حوالى 83 جنيها ضريبة فى الشهر لا غير، بعد إعفاء الـ15 ألف جنيه الأولى. ومرة أخرى كان لهم ما أرادوا فى انتزاع حق الإعفاء الضريبى للتوزيعات العينية، التى هى سلع توزعها الشركات على حاملى الأسهم، بدلا من الأموال السائلة. وكذلك فازوا بإعفاء الأسهم المجانية التى توزعها الشركات على حاملى الأسهم بدلا من التوزيعات النقدية من الضرائب. بدون حتى الشرط الذى كانت الحكومة قد وضعته للإعفاء، وهو الاحتفاظ بتلك الأسهم الموزعة عليهم لمدة عامين. وكذلك نجحوا فى فرض طريقة احتساب الأرباح بحيث تميل فى صالح المتعامل. حيث سيتم الأخذ بسعر شرائه للسهم الأعلى سعرا، وهو ما يقلل من قيمة احتساب ربحه عند البيع، وبالتالى تنخفض ضرائبه.

وبذلك تجنبوا غضب صغار المتعاملين، عندما يكتشفون أن الكبار يدفعون ضريبة أقل منهم. لأنه طبقا للضريبة الجديدة فإن الشركات الأم أو الشركات القابضة التى تمتلك 25% من أسهم الشركات التابعة عندما تحصل على توزيعات أرباح من شركاتها، فإنها تدفع نصف الضريبة التى يدفعها المتعاملون الآخرون فى السوق (5%) بشرط الإبقاء على الأسهم لمدة سنتين.

•••

أما ما استطاعت الحكومة أن تتشبث به فى القرار، رافضة التنازل عنه هو عدم مساوة المتعاملين فى البورصة بالمودعين فى البنوك. وهو ما حاول الفريق الآخر أن يجر الحكومة إليه. بحيث يتم خصم قيمة الفوائد التى يحصل عليها المودع فى البنك على نفس قيمة الفلوس التى يستثمرها المتعامل فى البورصة. وما زاد عن ذلك يتم حسابه ضريبيا. وهذا الرفض قبله أهل البورصة وعبروا عن قبوله بدفعهم للبورصة مرة أخرى للصعود بعد دقائق من فتح البورصة يوم أمس الاول بعد استجابة الحكومة لطلباتهم. وكانت حصيلة ارتفاع القيمة السوقية للأسهم 7 مليارات جنيه فى تلك الدقائق الأولى.

وإذا كان قد تحقق للحكومة بعض مما أرادته من إرسال إشارات بأنها قد تخطو بشكل حثيث نحو قدر يسير من العدالة الاجتماعية بالبحث عن موارد حقيقة ممن يكسبون بدون عرق أو جهد حقيقى، من أجل مسح عرق من يحققون تلك الأرباح. فإن عليها أن تعرف أن طريق العدالة الاجتماعية مازال طويلا. وعليها ألا تغامر الآن بتوجيه تلك الموارد إلى أى بنود فى الموازنة، تغازل بها نفس الشرائح الاجتماعية التى تعيش من عرق الآخرين. وأن تعرف أن رذاذ غضب البورصة أهون كثيرا من بركان غضب الغارقين فى عرقهم.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات