«هندسة الفضاءات» - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«هندسة الفضاءات»

نشر فى : الثلاثاء 4 أغسطس 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 4 أغسطس 2015 - 8:05 ص

أثار موضوع النزل «الإسلامية» أو «الحلال» جدلا واسعا فى صفوف التونسيين، وتباينت المواقف بخصوص هذا الموضوع بين مؤيد لهذا الاختيار الذى يسمح للعائلات المحافظة بالاستمتاع بالعطلة الصيفية بعيدا عن مواقع الاختلاط وما تحدثه من «إزعاج وحرج واعتداء على مكارم الأخلاق»، ومندد بهذا «الاعتداء» على مدنية الدولة والمشروع الحداثى ونمط عيش دافع عنه حزب النداء. ولئن اعتبر الجدل حول تشكيل الفضاء العمومى فى هذا السياق التاريخى منتظرا لاسيما بعد التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية إلا أن طريقة إدارة هذا الجدل تبدو مثيرة للانتباه.

يتفرع المدافعون عن فكرة إنشاء مثل هذه الفضاءات الخاصة بشرائح من التونسيين دون سواهم إلى مجموعات: فمنهم المحافظون الذين برروا ذلك الخيار بالاستناد إلى حجج أخلاقية تعكس ربط الفضاء العمومى بمنظومة قيمية دينية وعلى هذا الأساس فإن من حق المحافظين أن يرفضوا معاينة العرى والخلاعة والمجون و.. كما أن من بين هؤلاء من تذرع بالخطاب الحقوقى فرأى أن إنشاء مثل هذه المقاهى أو الفنادق أو قاعات الحلاقة النسائية أو غيرها يندرج تحت باب الحريات وحق الاختلاف. أما الشق الثانى من المدافعين عن «خصوصية الأمكنة» فإنه ينطلق من فكرة مفادها عزل هؤلاء الذين لا يشبهوننا ويضجروننا بهوسهم بأسلمة الفضاءات، فمن باب أولى أن نمكنهم من إدارة حياتهم على النحو الذى يريدونه ومن ثمة فلهم نمط حياتهم ولنا نمط حياتنا. ويضاف إلى هذين الفريقين مجموعة تعتبر أن الفضاء العمومى ليس حكرا على أحد فمن حق الجميع أن يتصرفوا فى هندسته على النحو الذى يتماشى مع قناعاتهم شريطة أن يتم ذلك فى إطار الالتزام بالقانون وما تقوم عليه قيم الموطنة من أسس تعزز مبدأ العيش معا واحترام التعددية والغيرية.

***

وإذا نظرنا فى خطاب المنددين بظهور الفنادق «الحلال» و«المنتوج الحلال » والاقتصاد الإسلامى والتعليم الإسلامى والسياحة الإسلامية.. فإنهم يرفضون أن تفرض أقلية أسلمة بعض الفضاءات بعد أن عجزت عن أسلمة البلاد، ويرون أن هندسة الفضاء العمومى على أساس حلال وحرام من شأنه أن يعمق الاستقطاب ويمنع التناغم بين مختلف التونسيين واشتراكهم فى بناء الغد، كما أن هؤلاء الرافضين للفنادق الإسلامية يذهبون إلى أن هذه الأماكن المخصصة للمحافظين والإسلاميين تخالف القانون ومبادئ الديمقراطية.

إن ما يسترعى الانتباه فى هذا الجدل القائم شدة التوتر التى تسم الخطابات والعنف اللفظى والرمزى المتبادل وهو أمر مخبر عن الانقسام الذى، وإن كان موجودا من قبل الثورة إلا أنه ترسخ أكثر فأكثر داخل المجتمع التونسى وبات أكثر مرئية فى السنوات الأخيرة يظهر ذلك فى الكره المتبادل والتراشق بالتهم والسخرية من الآخر ونبذه وإقصائه وتشكيل صورته على نحو يبرز أسوأ ما فيه ويجرده من كل الفضائل. ونلمس وراء هذا الكره المتبادل مدى حرص كل طرف على فرض وجهة نظره بالقوة وتموقعه فى إطار الدفاع عن الأفضل والأكثر ملاءمة لمشروع بناء تونس الغد، والأكثر تعبيرا عن المشروع المجتمعى المتصور.

بيد أن المتأمل فى طريقة صياغة الخطاب يدرك علاقة هذا الجدل بمفهوم السلطة إذ إن رغبة كل فئة فى الهيمنة على الفضاء العام تعبر فى الغالب، عن حرص على وصم الأمكنة وترك علامة دالة على أصحابها وميل إلى بعث رسالة مضمونها «إننا هنا ونحن أيضا نتصرف فى بناء صورة تونس» ونملك سلطة تجعلنا نغير ملامح الفضاء العام، وعلى هذا الأساس ما عاد بإمكان أى فريق أن يحتكر هندسة الفضاء وأن يوظفه حتى يكون معبرا عن السياسات المتبعة أيديولوجيا.

إن مشاريع نحت ملامح الفضاء العام قد تعبر فى بعض الحالات عن حاجة إلى الاعتراف، وقد تكون فى حالات أخرى حجة دالة على فرض الأمر بالقوة. ومهما اختلف التونسيون حول هندسة الأمكنة فإن ممارسة الحوار والتفاوض والتنازل... تبقى أفضل وسيلة للتدرب على قبول الاختلاف...

 

التعليقات