الكتاب المفتوح - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكتاب المفتوح

نشر فى : السبت 4 أغسطس 2018 - 9:45 م | آخر تحديث : السبت 4 أغسطس 2018 - 9:45 م

يجب أن نعترف أن وضع الامتحانات علم وفن، علم لأن هناك آليات تتبع لوضع امتحانات تقيس فعلا مدى استيعاب الطالب، ولكن وضع الامتحانات فن أيضا، لماذا؟.. هذا هو حديثنا اليوم.. عن الامتحانات.

دائما ما نجد مقالات عن كيفية التحضير للامتحانات من وجهة نظر الطالب وأقصد هنا مقالات ونصائح من نوعية: كيف تذاكر؟ ماذا تفعل ليلة الامتحان؟ وهكذا ولكن نادرا ما نجد مقالات شبيهة من وجهة نظر واضع الامتحان.. مقالنا اليوم محاولة صغيرة لسد هذا النقص والحديث عن عملية وضع الامتحان، سنجعل حديثنا عاما ولن نتقيد بمرحلة سنية معينة إلا إذا احتاج الأمر ذلك في سياق نقطة معينة.

هناك سؤال غاية في الأهمية يجب أن نجيب عليه: لماذا يجب أن نمتحن الطلاب؟ قد تظن أن الإجابة سهلة والإجابة واضحة ولكن في الحقيقة هناك عدة أسباب.

السبب الأول هو تهيئة مناخ واحد لكل الطلاب كي نقيس مستواهم ومدى استيعابهم للمادة العلمية، "مناخ واحد" معناه أن جميع الطلبة يجلسون في نفس القاعة ولهم نفس الوقت المحدد لحل الإمتحان وهذا أقرب للإنصاف، تخيل أن يأتي إليك طالب ويقول لك أنه حل جميع المسائل في الكتاب المقرر ويريك حلوله ثم يطلب منك أن تعطيه درجة إمتياز في المادة، فهل تظن أن هذا من الإنصاف حتى وإن كان هو الطالب الوحيد الذي حل جميع المسائل وكل حلوله صحيحة؟ الإجابة هي لا لأنه لم يتم إختباره في نفس درجة الضغط العصبي الذي سيوضع فيه باقي الطلاب ولم يقع تحت ضغط الوقت كما يحدث في الإمتحانات محددة الوقت كما أنه بحله مسائل الكتاب يكون قد إختار إمتحانه بنفسه ولم يُختبر بمسائل مختلفة، إذا تهيئة مناخ واحد وظروف واحدة لقياس درجة استيعاب الطلاب للمادة العلمية هو أقرب للإنصاف وهو ما نسميه "الامتحان"، قد يتسائل البعض: ولم هذا الضغط العصبي؟ لماذا لا نجعل جميع الطلاب تحل جميع مسائل الكتاب مثل هذا الطالب ثم يحصلون على درجات تكافئ صحة حلولهم، هنا يجب أن نقول أن الضغط النفسي في الإمتحان يهيئ الطلاب للحياة العملية، عندما تعمل في وظيفة ما ستكون تحت ضغط الوقت لتسليم مشروع ما أو مهمة أُسندت إليك وستواجه مسائل جديدة لم ترها من قبل.. هذا هو الامتحان! هناك نوعية من الامتحانات تعطيها للطالب ليحلها في بيته ويسلمها بعد وقت محد ولكن هذه النوعية تكون مكونة من أسئلة بحثية وتصلح في الأغلب للدراسات العليا.

السبب الثاني نفسي في المقام الأول وهو دفع الطلبة للاستذكار، يجب أن نعترف أن أغلب الطلاب في جميع المراحل السنية تذاكر (أو تذاكر أكثر) عندما تكون هناك امتحانات، هذا مؤسف ولكنه الواقع!

السبب الثالث هو استخدام الامتحان كوسيلة أخرى من وسائل التعليم، وهنا يكمن الفن في وضع الامتحانات، عندما تضع مسائل تدفع الطالب للتفكير في المادة العلمية بطريقة مختلفة أو في تركيب عدة معلومات مع بعضها للتوصل إلى حل ما فأنت بذلك تعلم الطالب معلومة أو مهارة جديدة، وعندما تعيد للطالب الامتحان بعد تصحيحه وتضع بعض الملاحظات التي تساعده فأنت أيضا تعلم الطالب، فالامتحان قد يكون وسيلة للتعليم بالإضافة إلى كونه وسيلة للاختبار.

السبب الرابع لوجود الامتحانات هو التعرف على مواطن الضعف عند الطلاب ومواطن الضعف في تدريسك، فعندما تجد معظم الطلاب قد أخطأوا في نفس نوعية المسائل فهذا معناه أنهم لم يستوعبوا المادة العلمية الخاصة بهذه النوعية من المسائل بطريقة صحيحة وعليك في هذه الحالة أن تعيد شرح تلك المادة العلمية بطريقة أخرى تناسب الطلاب.

بقيت نقطة مهمة في موضوع الإمتحانات: هل من الأفضل أن يكون الإمتحان من نوعية "الكتاب المفتوح" أي يسمح للطالب دخول الإمتحان بالكتاب أو بملازم أم لا؟ أنا مع إمتحان الكتاب المفتوح قلباً وقالباً، نحن في عصر إنتفت فيه الحاجة للحفظ نظرا لوجود الإنترنت وأصبحت مهارة البحث عن المعلومة وربطها بمعلومات أخرى أهم بكثير من استرجاع معلومة من الذاكرة، هنا يجب أن نعرف أن هذه النوعية من الإمتحانات لن تكون سهلة سواء في وضعها أوفي حلها وسيكون هناك ضغط مجتمعي ضدها في البداية لأن الطلاب وأُسر الطلاب سيظنون أن الإمتحانات في مستوى الطالب الممتاز وسيشعرون بغضب لأن الدرجات لن تكون عالية ما يؤثر على فرص الأبناء في الحصول على تقدير عال أو على فرصهم في الإلتحاق بكليات يريدونها لأننا مازلنا بلد شهادات يهمنا المجموع والشهادة أكثر من العلم.. فيجب تهيئة المجتمع لهذه النوعية من الامتحانات وهي بداية جيدة جداً لبناء مجتمع علمي، وأحب أن أوجه كلمة للشركات الكبرى في سوق العمل: لا تنظروا إلى التقديرات ولكن ابحثوا عن طلاب يمتلكون مهارات تريدونها، لا تضعوا إعلان وظائف يطلب طلاباً من هندسة كهربائية مثلاً بتقدير لا يقل عن جيد جدا ولكن ضعوا إعلان يطلب مهندس يمتلك مهارة معينة واختبروا الطالب المتقدم للوظيفة في هذه المهارة بغض النظر عن المجموع.

طبعا أن نأخذ في الاعتبار أن هناك بعض المواد لا تصلح لها هذه الطريقة نظراً لطبيعة المادة مثل سرد النصوص الشعرية في امتحانات اللغات أو النصوص الدينية.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات