ممن نأخذ ديننـا؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ممن نأخذ ديننـا؟

نشر فى : السبت 4 سبتمبر 2010 - 10:18 ص | آخر تحديث : السبت 4 سبتمبر 2010 - 10:18 ص

 السؤال ليس بسيطا كما يبدو، ولا هو بدهى لا يحتاج إلى إجابة بل يحتاج إلى إجابة واضحة غير مقتضبة والقدر البدهى الواضح أن الدين قد أنزله الله (عز وجل) عن طريق الوحى إلى رسوله (ص) وأمر رسوله بإبلاغ الوحى أولا، ثم بيانه فعلا وقولا «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى القَوْمَ الكَافِرِينَ» (67) (المائدة)

هذا هو الأمر البدهى الواضح الذى تؤمن به القلوب، وتطمئن له النفوس، وتثق به العقول وقد بلغت رحمة الله الواسعة بعباده مبلغا عظيما إذ تكفل سبحانه وتعالى بحفظ الوحى «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (9) (الحجر)، وألهم الأمة ووفقها لحفظ البيان النبوى وتوثيقه. فماذا يفعل الناس بعد أجل النبوة وأجل الصحابة والتابعين؟ هل يتولى أمر البلاغ حاكم ذو سلطة؟ هل يمكن أن يتولاها فرد له رؤية أحادية التصور؟ هل يمكن أن يتولاها حزب سياسى مكلف بإدارة العمل العام؟ وإذا لم يكن هذا ولا ذاك فمن هو الجدير بتولى شئون الدعوة؟
نقرر أولا: أنه لا يوجد فى دنيا الناس كائن من كان يقدر أن يحمل أعباء الدعوة ولا جزءا منها لسبب واضح هو أن شئون الدعوة فوق طاقة الإنسان الفرد لأن وظائف الدعوة وأدوارها المختلفة لا يمكن أن تئول لفرد وإلا كان اختزالا خاطئا للنبوة. كما لا يمكن أن يتطوع لهذا التكليف العام جماعة من الناس ينتدبون أنفسهم ليقوموا بين الناس مقام النبوة تعليما وتوجيها، فشئون الدعوة جهاد وأى جهاد يحتاج إلى تخطيط وإعداد ثم تجنيد وإمداد ثم بلاغ وامتداد ثم تعليم وتدريب للاستعداد وبعد ذلك فنحن أمام أنشطة إما إعلام وإما إفتاء وإما إدارة للشعائر والمساجد فهذه الشئون وفروعها لا يمكن أن تتصدى جماعة وتتطوع للقيام بها كلها أو بعضها.

أما عدم إمكانية تحملها كلها فواضحة وضوح الشمس أنه لا يمكن أن تتحمل جماعة هذه الأعباء، وإذا حملتها فلن تحظى بالثقة المطلوبة وذلك نظرا لإعجاب كل جماعة بمذهبها ورؤيتها وطريقتها... فحمل جميع الناس على رؤية أحادية فيه من العنت فضلا عما يحدثه من الإعراض والرفض ما يؤيد قولنا بعدم إمكانية اضطلاع جماعة متطوعة بهذا الشأن.

وقد يسأل سائل نحن نرى جماعات ذاعت شهرتها فى بعض ميادين الدعوة وإن كانت كل جماعة تحمل بعض شئون الدعوة وليس كلها، وهذه قولة حق، لكن الواقع أيضا يؤكد أنه رغم ضخامة عمل هذه الجماعات والجمعيات، وأهميته، فإنه لا شك يسد ثغرات كثيرة، فإن الرأى العام الدينى مشتت منقسم متحزب يعتصم كل مسلم بجماعته والمسلمون جميعا بين متوقف أو رافض وربما محارب للجماعات الأخرى.. والسبب فى ذلك واضح أن الناس تلقت مبادئ التفكير من خلال مدارس ومذاهب وحركات تجزيئية نشأت كحلول لمشكلات وظروف زمنية ومكانية معينة وليست أصولا استراتيجية ولا رؤية كلية للدين أولا ثم لوسائل وأساليب البلاغ من بعد، فالدعوة لا يمكن أن تتولاها حكومة.. ولا جماعة متطوعة، وبالتالى يعجز عن تحملها الأفراد، فمن ذا الذى يستطيع حمل الدعوة أولا ثم يتمتع بمصداقية الناس ثانية، ثم يبلغ الدعوة ويشرف على التزام الناس بها تقويما وتقييما؟

إن الفكر الإنسانى قد اهتدى فى مجال الإدارة العامة إلى نوعين من وظائف المجتمع وضروراته انطلاقا من تصور معقول لحقوق الإنسان يوائم بين حقوق الإنسان (المواطن) وبين صلاحيات إدارة المجتمع، وهذان النوعان من الوظائف هما وظائف الدولة ووظائف الحكومة وهما يمثلان جميع شئون المجتمع من وظائف دولة ووظائف عليا متخصصة يتولى كل وظيفة منها مؤسسة متخصصة علميا ومختصة وظيفيا.. وهذه هى مؤسسات التخطيط، والتشريع، والقضاء، والرقابة، والدعوة، والدفاع، والشرطة..

وهذه المؤسسات السبع لا يشاركها فى وظائفها أى كيانات أخرى... أما ما عدا ذلك من خدمات المجتمع وإدارة نشاطه فهى وظائف الحكومة (الحقائب الوزارية) فيتولاها الحزب الحاصل على الأغلبية النيابية على أن يتحدد عدد الحقائب الوزارية ومسئولية كل منها بواسطة مجلس رياسة الدولة برياسة رئيس الجمهورية المنتخب وعضوية رؤساء مؤسسات الدولة السبعة الشاغلين لمناصبهم طبقا للوائح الديمقراطية لمؤسساتهم. وعلى هذا فالدعوة الدينية مسئولية مؤسسة دولة وليست عملا حكوميا ولا حزبيا ولا فرديا... فما هى خصائص مؤسسة الدعوة وما هى أدوارها فى المجتمع؟ وكيف تؤدى عملها?

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات