جيلنا - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جيلنا

نشر فى : الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

جيل جاء للحياة ومصر تنتقل من حاكم إلى حاكم وتبدأ عصرا جديدا من الانفتاح الاقتصادى الذى زاد الفقراء فقرا وجلب إلينا دينا جديدا لم تعرفه مصر قبل ذلك، دينا جعلوا الشكليات والمظاهر هى دليل التدين فيه دون مضمون وارتقاء حقيقى بالإنسان وسلوكه.

جيل شوهوا له مناهج التعليم وزرعوا بداخله تشوهات انسانية وعقلية بلا حدود، ولكنه تخطى التشوه ونزعه عن عقله وقلبه وبحث عما يداوى به نفسه من هذا التشوه.

جيل حدثوه عن بطولات زائفة واكتشف أن ما أوهموه إنه انتصار هو هزائم وكوارث أصابت جسد هذا الوطن، جيل كتبوا له تاريخا اكتشف أنه لا يمتّ للواقع بصلة وأن ما كتبوه إفك لتلميع الطغاة وإرضائهم.

جيل لم يجد من يعلمه فعلّم نفسه بنفسه، جيل خذلته أجيال سبقته وصنعت حاضره المرير لكنه لم يبغضها بل ظل يعمل من أجل أن يغير لها ظروف الحياة رغم ما يلقاه من بعضها الآن من جلد وعنت وتخوين وتقليل من جهده وبذله.

جيل تسعده أبسط الأشياء ويفرح بها، لكن هذه الأشياء على بساطتها لا تبقى معه ولا تستمر ولا تطول لحظات سعادته لأن أمواج الأحزان سرعان ما تخطفها من بين يديه وتصفعه بلا رحمة.

جيل ألقوا به فى عرض البحر وقيدوا ذراعيه وقالو له أنقذ نفسك فاختنقت أنفاسه وتألمت روحه لكنه صارع الأمواج وحطم القيود وتنفس بقوة رافعا رأسه ليبدأ من جديد.

•••

جيل نشأ فى دولة الخوف لكنه لم يألفه، جيل قالوا له لا تحلم فالأحلام لا تتحقق لكنه ظل يتنفس الاحلام ويعمل لتحقيقها، جيل قالوا له إن الحرية منحة يهب الحاكم منها ما يشاء لشعبه فقال لهم إن الحرية حق لكل انسان وليست منحة من أحد.

جيل يبنى فيجد من حوله يهدمون ما بناه ويعاقبونه على أنه سار فى درب البناء، فلا يرتفع له بناء ولا يكتمل له حلم وكأن كل ما حوله يتربص به ويعمل ضده.

جيل أدمنت أنفه رائحة قنابل الغاز وعرفت يداه ملمس وحرارة الدماء من كثرة من حملهم من رفاقه المرتقين إلى السماء، جيل قضى من العمر ثلاثة عقود ولكن كل واحد فيه له عشرات وعشرات من صحبه الذين يتذكر وجوههم وقد فارقوا للآخرة.

جيل لا يساوم على المبادئ ولا يربطها بأشخاص، يدور مع الحق أينما دار مهما كان ثمن ثباته على مبادئه قاسيا ومؤلما، لا يستطيع أن يبارى الآخرين فى سوق النخاسة ولا يرتضى العبودية أيا كان نوعها.

جيل لم يبحث عن نفسه وإنما ظل يعيش من أجل الناس، لم يهرب ولم يبحث عن المال وعاش راضيا بالقليل، جيل سعادته فى مسح دموع الفقراء ورسم البسمة على شفاههم، جيل تكسره صرخة المظلوم ولا تكسره طلقات الرصاص.

جيل يحسد من ماتوا على رحيلهم ويتمنى اللحاق بهم لكنه لا يجد حتى فرصة للموت الذى يريده، جيل تتكالب عليه كل الصعاب وأسواط اليأس والإحباط ولكنه يأبى أن ينهزم ويتحدى كل ما يلقى.

•••

جيل يدمن الوفاء ولا ينسى من كان لهم فضل عليه يوما ما، ودائما يذكرهم بالخير ولا يتغير تجاههم مهما تنكب بعضهم الطريق وانحرف عن الغاية.

جيل يسخر من نفسه لدرجة البكاء على نفسه، جيل يخوض المعارك ويدفع الثمن ثم يأتى من يسطون على انجازه ويغيرون مساره إلى وجهة تخالف ما حارب من أجل تحقيقه فيضطر أن يبدأ من جديد.

جيل اعتاد تضميد الجراح وتجاوز الآلام، ليس لديه وقت ليبكى ولا يأسى فهو يخرج من أسى إلى أسى ومن جرح إلى جرح، قلبه لا يعرف رفاهية الراحة والتوقف، تلاطمه كثرة الأحداث وتصفعه كل يوم لكنه لا يفقد توازنه ولا يسقط. فملايين العيون والقلوب تتطلع إليه وتراهن عليه.

جيل لا يخشى أن يقول لمن طغى وبغى ودانت له الدنيا وجيش له المنافقون الأتباع والعباد والبلاد: إنى أرى الملك عاريا، فينزعون عنه مشاعر التأله والتجبر وادعاء الكمال ويوقظون الناس من سكرة الانقياد والخضوع.

جيل يأخذ المبادرة وسط قعود الكثيرين وتخاذلهم ولومهم ثم يدركون بعد ذلك أنه كان على صواب، فلا يشكرونه ولا يقدرون فعله بل يقولون له ولماذا لم تكمل فعلك بكذا وكذا؟ ولماذا لم تصنعه على هذا الوجه؟ فيبتسم ويحتسب ويكمل خطواته.

جيل يبحث عن الكبار فلا يجدهم ويكتشف أنه هو الكبار الذين يجب أن يضموا الآخرين ويمنحوهم الشعور بالسكينة والاطمئنان، يعطى ولا يأخذ، يمنح ولا ينتظر، يواسى ولا يجد من يواسيه.

•••

أيها الجيل المتفرد فى تاريخ مصر اثبت فالوطن يراهن على ثباتك، أكمل الطريق ولا تلتفت فكثرة الالتفات تجلب السقوط، أنت على الحق مهما شككوا فيك، وغدا رغما عنهم أو بإرادتهم سيتبعونك.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات