إنت.. بتشتم الملك - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنت.. بتشتم الملك

نشر فى : السبت 4 أكتوبر 2014 - 9:45 ص | آخر تحديث : السبت 4 أكتوبر 2014 - 9:45 ص

صاحب القامة العالية، عباس محمود العقاد، قضى تسعة أشهر فى «قره ميدان»، سجينا، بسبب تسع كلمات صادقة، شجاعة، نطق بها تحت قبة البرلمان، لا يتعدى معناها عن «الأمة مستعدة لأن تسحق أكبر رأس لا يحترم الأمة».. جملة عامة، ليس بها ما يدينه.. لكن، فى اليوم التالى، وما بعده، اندفعت الثعالب الصغيرة، الماكرة، الفاسدة الطباع، يزمجر وتوعوى، متهمة المفكر الكبير بأنه يقصد الملك فؤاد.

الأمر الذى جعلهم ــ يا ولداه ــ فى حالة هم وغم وحزن وغضب، ذلك أن الملك المحبوب ــ عندهم ــ رمز البلاد، صاحب الأيدى البيضاء على العباد، لا يليق نقده أو تهديده أو التعرض لذاته المقدسة، وبالضرورة، لابد من تأديب كل شرير يمسه بسوء، تصريحا أو تلميحا، وبالتالى، فإن ما صرح به العقاد، يدخله فى دائرة الاتهام، برغم أنه لم يذكر اسم الملك.

ربما قبل هذه الواقعة، وبالتأكيد، بعدها، بدت الاتهامات بإهانة أو شتيمة أو العيب فى الذات الملية، من الأمور التى يجرمها القانون.

انتهى النظام الملكى، مشيعا بالشتائم واللعنات، وجاء العصر الجمهورى، مبشرا بعهد جديد، وأصبحت جملة «إنت.. بتشتم الملك» مجالا للتندر والسخرية، تُقال تعليقا على كل مرائى ووصولى ومختال، يرغب فى التعلق بأهداب السلطة، عن طريق الادعاء أنه الأعمق والأشد إخلاصا.. وعلى طريقة الثعالب التى كانت سببا فى سجن العقاد، ظهرت سلالة الضوارى اللئيمة، تكاثرت وامتدت، وأشاعت ــ على سبيل المثال ــ أن المقصود بالطاغية «عتريس»، رئيس عصابة قرية «الدهاشنة»، فى «شىء من الخوف» هو جمال عبدالناصر، شخصيا.. لاحقا، تطورت، أو قل تدهورت الأمور، إن شئت الدقة، إلى درجة ان شاهدنا، بعيوننا، أستاذا جامعيا فى الاقتصاد، يقول علنا، بلا خجل: «من يرشح نفسه فى الانتخابات ضد الرئيس ــ حسنى مبارك ــ قليل الأدب».

انتهى نظام مبارك، ونظام من جاء بعده، وبينما بدأت الأمور تستقر، نسبيا، ظهرت الثعالب من جديد، وسيلتها، هذه المرة، ليست الصحف والبلاغات السرية، ووسائل الاتصالات الحديث فحسب، بل جهاز التلفاز، الأقوى تأثيرا، والأوسع انتشارا.. لكن، لعدة أسباب، لم تفلح لعبة «إنت.. بتشتم الملك» هذه المرة، ذلك أن المناخ العام تغير من ناحية، والتنطع فى أداء الثعالب من ناحية ثانية.

أصل الحكاية أن الكوميديان، باسم يوسف، المحبوب من فئة، المكروه من فئة أخرى، دخل فى مشادة كلامية مع مذيع محدث، تحولت إلى تلاسن، أقرب للمهاترة، يُقال إن صاحب برنامج «البرنامج»، كعادته، تلفظ بكلمات لا تليق، ضد الإعلاميين، والشعب، والجيش، والأخطر، الرئيس، عبدالفتاح السيسى.

هذا عن الفصل الزول، حسب الرواة.. فى الفصل الثانى، تكرار لما حدث، مع تغيير المكان، من صالة المغادرة فى مطار نيويورك، إلى صالة الاستقبال فى مطار القاهرة، مع ملاحظة إنها ــ ما شاء الله ــ صالة كبار الزوار.

أما الفصل الثالث، المترهل، المسرف الطول، والهبل، فإنه لا يزال ينهمر علينا، من الشاشات الصغيرة، حيث يختفى أحد قطبى الصراع، صوتا وصورة، باسم يوسف، ولا ينفرد بالمشاهدين، سوى موجهى الاتهام الأبدى «إنت.. بتشتم الملك».

دأب أستاذنا الكبير، زكى طلمبات، على تحذيرنا من داء «التنطع»، والمقصود به المغالاة، التصنع، وضع الانفعالات فى غير موضعها، تضخيم الأمور أو تصغيرها، التلكؤ أو التسرع فى إصدار التقييمات والأحكام. محاكاة شخصيات وسلوكيات لا يقتضيها الموقف.. وهذه كلها، تبدو، بدمامتها، واضحة.. أحد المذيعين، وكأنه سيدة تطل علينا من نافذة صغيرة، فى زقاق متدن، تنطلق كلمات من فمه، على طريقة الروح، موجها سخائمه إلى اللهو الخفى: يا لص، يا حرامى، يا عجلة!

مذيع ثان، تنتابه حالة حمى وطنية مفتعلة، متورمة، يجأر بالصراخ، متهما الطرف الغائب بالعمالة، والخيانة، والصهيونية، والبردعية ــ نسبة إلى محمد البرادعى ــ ويؤكد، بيقين مزيف، أن الكوميديان، حاقد على السيسى، لأن الشعب يحبه.

مذيع ثالث، يدخل هادئا، متظاهرا بالحكمة، ليعلن، بدرجة ما من الخجل أن «باسم يوسف، تحرش بنا».

هنا، لا مجال للحديث عن المهنية، والدور المنوط بالإعلامى أو المذيع، فالمسألة تجاوزت هذا الكلام، حيث أصبحت سلالة من طالبوا بسجن العقاد، منذ ما يزيد من الثلاثة أرباع قرن، يطالبون الآن بمنع خصمهم ــ شاتم الرئيس ــ بمنعه من السفر، وسحب الجنسية المصرية منه.. فهل تصدق؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات