١٤ شهرًا فى الجيش المصرى - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

١٤ شهرًا فى الجيش المصرى

نشر فى : الأحد 4 ديسمبر 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الأحد 4 ديسمبر 2016 - 10:50 م
فى أواخر ديسمبر 1986 ذهبت إلى منطقة تجنيد أسيوط للكشف الطبى، وبعدها بأيام التحقت بالجيش جنديا وخرجت منه بعد ١٤ شهرا حاصلا على شهادة الخدمة العسكرية بتقدير «قدوة حسنة».

أكثر من ٩٩٪ من زملائى خريجى كلية الإعلام وأقسام الصحافة بالجامعات الأخرى دفعة ١٩٨٦ التحقوا بسلاح الشئون المعنوية، فى حين تم إلحاقى أنا ومجموعة صغيرة جدا بسلاح المشاة.

مازلت أذكر اليوم الأول فى منطقة الحلمية، كان يوم سبت، واشتريت جريدة أخبار اليوم التى كانت تعرض حلقة من كتاب «زيارة جديدة للتاريخ» للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن الشخصيات الكبرى التى حاورها، وصادف يومها أنه كان يكتب عن الزعيم السوفييتى يورى أندروبوف.

كنا جميعا عساكر وضباطا وصف ضباط نستيقظ فى الخامسة فجرا وربما قبلها بقليل. نجرى التمرينات الرياضية «بالشورت وتى شيرت» فى عز البرد ثم نتناول الإفطار وبعدها طابور الصباح وتحية العلم، ثم التدريبات المختلفة، وفى السابعة مساء، نذهب إلى النوم العميق جدا.

فى مركز التدريب كان معى غالبية أبناء دفعتى ومنهم الأصدقاء والزملاء ياسر رزق وعادل السنهورى وخيرى رمضان ومجدى الجلاد وأحمد عبدالرازق نجم البى بى سى الحالى ومجدى شندى الذى لازمنى من أول تجنيد أسيوط حتى نهاية خدمتنا، وشريف جاب الله المحرر المتميز بالأهرام رحمه الله، وجمال عبدالرجيم وجمال حسين.

كنا نصلى معا، نأكل جميعا طعاما واحدا لا فرق بين جندى وضابط. بعد ٤٥ يوما من التدريب الجاد، ذهبت إلى الفرقة التاسعة مدرعة فى دهشور كجندى مشاة مهمتى «فرد آر بى جى»، وشاء حظى أن أعود لنفس المكان صحفيا فى مايو ٢٠١٣ فى تفتيش الحرب الشهير الذى دعا إليه وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى صحفيين وسياسيين وفنانين وشخصيات عامة قبل ثورة يونية بأسابيع قليلة.

خلال فترة خدمتى كانت هناك أيام غاية فى الجمال وأخرى صعبة، جربت كل أنواع الخدمات من «الشينجى والكنجى والبرينجى».

فى هذه الوحدة تصادقنا نحن العساكر العاديين سواء كنا مؤهلات عليا أو متوسطة أو «عادة» أو ضباط وصف ضباط. أكلنا معا، ولعبنا كرة قدم مسلمين ومسيحيين بصورة شبه يومية، وظلت علاقتى الإنسانية مستمرة ببعض الجنود والضباط لسنوات طويلة.

فى منتصف خدمتى فى صيف 1987 شاركت مع وحدتى فى مناورة النجم الساطع فى غرب البلاد. وبعد أن كان دورى المساهمة فى حماية المنصة، نزلت للمشاركة فى المناورة، وأطلقت الآر بى جى على أحد الأهداف فى الميدان.

الخدمة العسكرية ليست نزهة أو فسحة، سواء كانت فى مصر أو موزمبيق أو أمريكا أو أى مكان، هى فترة صعبة وشديدة، لأنها تقيد بعض رغباتنا وحرياتنا.

لكن لم أدرك قيمة هذه الخدمة إلا بعد نهايتها. شىء ما يتغير فى حياتك بعدها. تكتسب صلابة حقيقية، وتشعر بالفخر أنك خدمت فى جيش بلادك. أذكر أننى ذهبت لأحد الضباط وسألته عن الحكمة فى عمل الحفر البرميلية ثم ردمها فورا، فقال لى كى تتعلم طاعة الأوامر، لأنه عندما تقع الحرب مثلا لا ينفع الجدل بل تنفيذ الأمر.

وطبقا لما أسمعه من كثيرين فإن ظروف المجندين الآن، صارت أفضل كثيرا مقارنة بأيامنا، أو الأيام الصعبة التى قضاها من شاء حظهم أن يلتحقوا بالجيش قبل النكسة مباشرة عام 1967، وظلوا فى الخدمة حتى عام ١٩٧٥ بعد انتهاء حرب أكتوبر بعامين.

ذات يوم عرف قائد سريتى أننى أجريت حوارا مع الراحل الكبير الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية الأسبق، الذى أعاد بناء الجيش بعد النكسة. القائد تشكك فى روايتى، وأخبر قائد الكتيبة الذى استدعانى وحكيت له تفاصيل اللقاء، وأعطيته نسخة من جريدة «صوت العرب» الناصرية التى كنت أعمل بها. القائد نظر إلى بفخر، لأنه لم يتخيل أن خريجا حديثا مثلى يمكن أن يقابل ويحاور قائدا كانت سمعته وهيبته تهز الجميع.

أنهيت خدمتى فى آخر فبراير ١٩٨٨، لكن كل ما حدث فى الـ14 شهرا انحفر كذكريات طيبة نتذكرها كلما التقينا نحن جنود مركز تدريب الفرقة الثانية مشاة أو التاسعة مدرعة.

تحية عطرة إلى كل جنود وعساكر وضباط صف وضباط الجيش المصرى.

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي