السلفيون فى إسرائيل - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السلفيون فى إسرائيل

نشر فى : الخميس 5 يناير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الخميس 5 يناير 2012 - 9:10 ص

خرجت الطفلة نوعاما مرجولس ابنة الأعوام الثمانية من بيتها متجهة إلى المدرسة، لكن أحدهم وجد أن ثيابها غير محتشمة بما فيه الكفاية، فاعترض طريقها وأنَّبها ثم شتمها وبصق فى وجهها، فعادت البنت إلى بيتها باكية ورفضت الذهاب إلى المدرسة. وقبل ذلك كانت فتاة متدينة اسمها تانيا روزنبلوط قد صعدت فى أحد الباصات وجلست فى المقاعد الأمامية، فتصدى لها أحدهم وطلب منها ان تنتقل إلى المقاعد الخلفية المخصصة للنساء، لكنها رفضت. واشتبكت مع الرجل الذى أصر على مغادرتها مقعدها، الأمر الذى عرضها للعنف من جانبه، ووصلت القصتان إلى الصحافة، التى فتحت ملف جماعات «الحرديم» الأمر الذى أثار عاصفة من النقد والاحتجاجات، التى صارت خبزا يوميا للصحف وبرامج التليفزيون ومختلف الأحزاب السياسية.

 

حدث ذلك فى إسرائيل المشغولة منذ أسابيع بالحرديم وممارساتهم. والمصطلح يطلق على المجموعات السلفية هناك. والكلمة معناها فى اللغة العبرية «الاتقياء»، وهم يتركزون فى مدينة القدس حتى أصبحوا يشكلون ثلث سكانها. ولا يعترفون بأية قوانين تصدرها الدولة، فى حين يعتبرون أن تعاليم التوراة بنصوصها الحرفية هى المرجعية الوحيدة التى يعترفون بها، يشجعهم على ذلك أغلب الحاخامات الذين يغذونهم بالأفكار والفتاوى التى يسترشدون بها.

 

ما حدث للطفلة نوعاما والفتاة تانيا كان جزءا من الحياة اليومية لبلدة بيت شيمش القريبة من القدس، التى يسيطر عليها الحرديم، فيمنعون حركة المواصلات واستخدام التيار الكهربائى يوم السبت، ويفرضون على النساء الخروج بثياب أقرب إلى النقاب، وقد خصصوا لهن المقاعد الخلفية من الباصات، كما يعتبرون أصوات النساء عورة ليس للغريب أن يطلع عليها.

 

شاهدت على اليوتيوب برنامجا تليفزيونيا بمناسبة ما جرى للطفلة التى توقفت عن الذهاب إلى المدرسة. وقد تم تصوير البرنامج فى بلدة شيمش التى تسكن فيها. وفيه ظهر عناصر الحرديم فى الشوارع وعلى النواصى، وقد ارتدوا قبعاتهم وثيابهم السوداء، فى حين اطلقوا لحاهم وتدلت الشعرات المجدولة من سوالفهم. وسجل لهم البرنامج ممارساتهم فى الشوارع واشتباكاتهم مع معارضيهم.

 

يوم 9/11 نشرت صحيفة «هاآرتس» تقريرا عن نفوذ الحرديم المتنامى، ذكر أن عشرات المصانع فى مستوطنة أخرى (منة شعاريم) جرى فيها الفصل بين الرجال والنساء. وطلب إلى العمال العلمانيين (من غير الحرديم) ان يعتمروا القبعات الدينية، وتحولت مدرسة بلماح فى كرمئيل إلى مدرسة دينية. من ناحية أخرى، حذر عسكريون سابقون من أخطار انتشار التظرف الدينى على الجيش، الذى يعد «بقرة مقدسة» فى إسرائيل. وانصب تحذيرهم على احتمال اتساع ظاهرة رفض الأوامر العسكرية بحجج دينية مختلفة. خصوصا أنه سبق لبعض الجنود أن رفضوا إخلاء بؤر استيطانية عشوائية استنادا إلى دوافع دينية توراتية. وكانت قد اتسعت فى الشهور الأخيرة ظاهرة مقاطعة جنود متدينين لاحتفالات عسكرية، بسبب مشاركة مجندات فى الغناء.

 

هاآرتس نشرت فى 11/12 مقالة لجدعون ليفى قال فيها إنه منذ الخريف نشبت فى إسرائيل حرب ثقافية، تشتعل على جبهات أوسع وأعمق كثيرا مما يبدو للناظر، مضيفا أن «مناهج حياتنا توشك أن تتغير من الولادة إلى الموت. ولذلك فقد تصبح هذه المعركة الأكثر مصيرية فى تاريخ إسرائيل منذ إعلان الدولة».

 

من الملاحظات المهمة التى ذكرها أنهم كانوا يدركون أن الهدوء إذا ساد إسرائيل لعدة سنوات فإنه ذلك قد يؤدى إلى تفكك المجتمع الإسرائيلى (الملىء بالمتناقضات). لكن أحدا لم يتنبأ أن فرق إسرائيل فى طوفان الشياطين على النحو الحاصل الآن. ذلك أن الهجوم على النظام القائم حاصل على جميع الجبهات. وهو فى رأيه «تسونامى سياسى وطوفان ثقافى وزلزال اجتماعى ودينى، نحن فى أوله فقط.. حيث يكون لنا فى النهاية بلد مختلف. «ليس الديمقراطية الغربية المستنيرة التى يدعيها لأنها تستبدل الآن بسرعة مخيفة بدولة دينية جاهلة، وأصولية عنصرية وقومية وظلامية».

 

منذ ثلاثة عقود والأحزاب السياسية فى إسرائيل تستعين بالجماعات الدينية المتطرفة لكى تتمكن من تحقيق الأغلبية التى تسمح لها بتشكيل الحكومة. وهو ما أدى إلى تزايد نفوذ تلك الجماعات، التى أرادت لإسرائيل أن تكون دولة يهودية، وكانت النتيجة أن انقلب السحر على الساحر، وتحولت يهودية الدولة إلى شبح يخيف الإسرائيليين ويهدد بتقويض الاستثناء الذى ما برحوا يدَّعونه لأنفسهم.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.