الإسلام كما أدين به
 -44- خير أمة أ- لماذا؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 -44- خير أمة أ- لماذا؟

نشر فى : الخميس 5 يناير 2017 - 10:00 ص | آخر تحديث : الخميس 5 يناير 2017 - 10:20 م
ــ1ــ

نعم أوضح القرآن أن أمة المسلمين تستطيع أن تكون خير أمة، إذا أرادت وسلكت الطريق الصحيح بضوابطه وشروطه الواردة فى الآية الكريمة نفسها/ فتعال نقرأ الآية قراءة تدبر ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُم مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)).

فهذه إرادة الله واضحة ناطقة بأن وصول أمة المسلمين إلى مرتبة خير أمة مشروط بثلاثة شروط مرتبة ترتيبا إلهيا فتحقيق الخيرية مشروط بـ 1ــ الأمر بالمعروف 2ــ النهى عن المنكر 3ــ الإيمان بالله.. هكذا قرن الله تحقق الخير بتوافر هذه الأركان الثلاثة أولها «المعروف» وآخرها «الإيمان».. نعم فالحد الأدنى والخطوة الأولى فى تحقيق التعارف والتقارب الذى وجه الله له: ((..وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..)) هو «المعروف» أى العرف الأخلاقى الشائع فى «المناخ العام» دون النظر إلى ما يؤمنون به وما يعتقدونه.. نعم فإذا تقارب الناس وتوافقوا على «المعروف» فتلك خطوة رئيسة ومدخل كبير للإيمان.. نعم فإن أشهر «المعروف» السلام ونبذ الحرب بألوائها باردة أو ساخنة، اقتصادية أو سياسية.. نعم فكل العقلاء والمسلم بينهم يقرون أن السلم خير من الحرب، وأن اللين خير من العنف، وأن إخراج الناس من تحت ضغط آلة الحرب وأسبابها نجاح كبير يقرب الناس من الإيمان خطوة.

ومن المعروف أيضا الحرص على الحياة والأحياء، ومن المعروف أيضا حفظ الأموال من السفه والإسراف والتبذير وتطهرها من الشح والسحت والبخل حتى يصبح المال «حلالا طيبا» فإذا أردنا أن نختصر قائمة المعروف فإننا نستطيع أن نختزلها فى ثلاثة أركان هى السلام/ الإعمار/ الإصلاح، فكل ما يحقق المعروف بأركانه المذكورة هو خطوة كبرى نحو شيوع الإيمان.

ــ2ــ

والشرط الثانى فى الآية هو: ((..تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..))، والنهى لا يزيد عن الأمر بترك المنكرات أى توجيه للنصح، ثم تجنب الانزلاق إلى المنكر، ثم تجنب الاستدراج، ثم بذل الجهد فى إيجاد البديل الصالح بدلا من المنكر المطلوب تغييره... ولا شك أن عقلاء الدنيا ومعهم المسلمون يتفقون على قائمة لأولويات المنكرات التى لو تلاشت لخطا العالم كله خطوات ضخمة نحو النور، وأبرز تلك المنكرات: الإهمال والغفلة/ الظلم والاستبداد/ الفساد والإفساد إلخ. نعم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتبر الظلم والاستبداد والفساد من علامات فناء الدنيا وقيام الساعة حيث قال: «إِذَا ضُيِعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَاعَةَ»، فقَالَ السائل: «كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَهِ؟» فقَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَاعَةَ». هكذا جاء «ضياع الأمانة» علامة كبرى من علامات الساعة، نعم فالنهى عن المنكر واجتناب المسلمين للمنكرات، ويقظتهم ألا يستدرجوا إلى منكر ولا يسقطون فى مأزق أخلاقى... لو قام المسلمون بواجبهم الشرعى بداية من إطعام أنفسهم والتصدق على الآخرين لأصبح المسلم مثالا يحتذى ولأصبح على قائمة «خير أمة»... هكذا رتبت الآية الكريمة شيوع المعروف وتلاشى المنكر مقدمات كبرى لحلول الإيمان بالله جل جلاله.

ــ3ــ

بعد أن لاحظنا هذا الترتيب الإلهى يجب أن نعطى الاصطلاح الشرعى حقه فنعى الآية الكريمة جاء مصطلح الأمر «تأمرون» ومصطلح النهى «وتنهون» وجمهور من يعتد بهم فى الفقه واللغة يقرون أن الأمر: جهد وعظى فإذا شاع يمكن أن يتحول إلى عرف وسلوك ثم إلى قوانين ولوائح بما يعنى أن الأمر بالمعروف شرعا لا يعنى ضغوطا ولا عنفا ولا قهرا. كما أن النهى عن المنكر هو نهى إعلامى ووعظى وتعليمى وتدريبى، وربما استعملنا المكافأة والجائزة لمن يترفع عن المنكرات حتى تتلاشى ويصبح المناخ السائد كله: «معروف بلا منكرات». فإذا تحقق ذلك تكون الدعوة قد أنجزت ثلثى المستهدف الإلهى من الناس وتكون الأمة قد اقتربت من تحقق الإيمان تحققا شفافا.

ــ4ــ

ولا زلنا مع مصطلح «الأمر بالمعروف» و«النهى عن المنكر» ولابد من ذكر الضوابط التى قررها الفقهاء وخبراء الدعوة حيث تعلموا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». فرتبوا ضوابط وقواعد فقهية تقول: أ/ الضرر ممنوع بكل صوره أى مرفوض. ب/ الضرر يزال ج/ الضرر لا يزال بالضرر د/ يرتكب الضرر الأقل لهجر الضرر الأكبر هـ/ اختيار أهون الشرين أو أخف الضررين و/ إذا تعارضت مفسدتان ارتكبنا الأخف لإزالة الأعظم ز/ يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ح/ درء المفاسد أولى من جلب المنافع.. فانظر يرحمك الله كيف يبنى الإسلام خير أمة وانظر كيف حرفوا الإسلام وتناسوا القرآن وهجروا البيان النبوى محبذين عقولهم القاصرة أو شهواتهم أو منافعهم ولو تأخر سريان النور الإلهى إلى الأمم الأخرى.
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات