دافوس بين التفاؤل والتشاؤم - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دافوس بين التفاؤل والتشاؤم

نشر فى : الإثنين 5 فبراير 2018 - 9:55 م | آخر تحديث : الإثنين 5 فبراير 2018 - 9:55 م

استحوذ الشأن الداخلى على اهتمام الإعلام المصرى فى الفترة الأخيرة، ولذلك لم يهتم باجتماعات المنتدى الاقتصادى الدولى فى دافوس هذا العام، رغم أهمية الحدث وما ينطوى عنه من نتائج، وكما نعرف، فإن هذا المنتدى السنوى الذى يعقد فى شهر يناير يعد أهم محفل اقتصادى على مستوى العالم، ويعكس ما يدور فيه من اجتماعات ومناقشات أهم اتجاهات الاقتصاد العالمى فى المرحلة القادمة وما يواجهه من تحديات. لذلك، فمن المهم رصد الأجواء العامة لهذه المناقشات، ومعرفة مدى حالة التفاؤل أو التشاؤم التى كانت سائدة، ولماذا؟ والملاحظ هذا العام، أن حالة من القلق كانت تنتاب العديد من المشاركين، رغم أن مؤشرات تعافى الاقتصاد العالمى كانت ظاهرة للجميع، والتى من المفترض أن تصاحبها حالة من التفاؤل والثقة فى المستقبل، فلماذا كان هذا القلق وعدم الثقة فى استمرار هذا التعافى؟

بداية، يجب أن نشير إلى طبيعة هذا المنتدى وأهدافه، حتى نفهم ما يصدر عنه من آراء وتوجهات، فقد بدأ هذا المنتدى فى عام ١٩٧١، واستطاع أن يكتسب مصداقية عالية بفضل شخصية مؤسسه ورئيسه (كارل شواب) وما يناقشه من موضوعات والشخصيات التى تتحدث فيه. وإذا أضفنا لما سبق أن القائمين على هذا المنتدى من أشد أنصار دعم العلاقات التجارية الدولية، باعتبارها المحرك الرئيسى لنمو الاقتصاد العالمى، عرفنا لماذا يحرص زعماء العالم ورؤساء كبرى الشركات الدولية على المشاركة فيه، وكيف أصبح هذا التجمع السنوى مؤشرًا على اتجاهات الاقتصاد العالمى، ومقياسا لمدى التقدم أو التراجع نحو ما بات يعرف دوليا باسم ظاهرة «العولمة».

جاء مؤتمر هذا العام وسط تقارير دولية كثيرة تؤكد على بدء تعافى الاقتصاد العالمى والخروج من الأزمة المالية الدولية التى عصفت به عام ٢٠٠٨، فقد كان معدل نمو حركة التجارة الدولية قبل أزمة ٢٠٠٨ هو ضعف معدل نمو الاقتصاد العالمى، فى حين تراجعت هذه النسبة بعد الأزمة المالية للتساوى مع معدل النمو الاقتصادى. وبمعنى أوضح، فإنه إذا كان معدل نمو الاقتصاد العالمى نحو ٢٪ فى المتوسط سنويا طوال العقود الثلاثة الماضية، فإن معدل نمو حركة التجارة الدولية كان ٤٪ فى العقدين السابقين على أزمة ٢٠٠٨، لينخفض بعدها إلى ٢٪ فقط، وهو ما يعادل متوسط نمو الاقتصاد العالمى، إلا أن مؤشرات العام السابق وهذا العام تشير جميعًا إلى ارتفاع معدلات النمو العالمى، وهو ما كان أيضًا أحد أسباب ارتفاع أسعار البترول على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يعنى أيضا عودة حركة التجارة العالمية إلى النمو من جديد، فقد توقع صندوق النقد الدولى فى تقريره آفاق الاقتصاد العالمى الصادر فى يوليو الماضى أن يرتفع معدل نمو الاقتصاد العالمى من ٣.٥ إلى ٣.٦٪ خلال عامى ٢٠١٧ و٢٠١٨ على التوالى، مقارنة بـ٣.٢٪ لعام ٢٠١٦، من ناحية أخرى، فقد حسن البنك الدولى من توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمى هذا العام من ٣٪ إلى ٣.١٪، مشيرًا بصفة خاصة إلى ما يسمى بالاقتصاديات الناشئة والتى رفع من توقعاته بشأنها من ٤.٣٪ فى العام الماضى إلى ٤.٥٪ هذا العام.

طبعا هناك أسباب عديدة لأسباب تعافى الاقتصاد العالمى لا يتسع المجال هنا للخوض فيها، ولكن نذكر أنه يأتى على رأسها أولا ثبات الاقتصاد الصينى رغم بعض الأزمات التى مر بها، واستمرار معدلات نموه المرتفعة وإن كانت بشكل أقل عما سبق. ثانيا، عودة الاقتصاد الأوروبى للنمو مرة أخرى بعد أن بدأت سياسة التسيير الكمى التى انتهجها البنك المركزى الأوروبى فى أن تأتى بالثمار المرجوة منها. ثالثا، نجاح الرئيس الأمريكى دولاند ترامب فى إقرار أكبر برنامج لتخفيض الضرائب فى التاريخ الأمريكى وبما يقدر بنحو ١.٥ ترليون دولار تستفيد منه أساسا الشركات الكبيرة والمتعددة الجنسيات، ولذلك كان الاستقبال الحافل لترامب فى منتدى هذا العام من قبل ممثلى ورؤساء هذه الشركات.

ومع كل ما سبق، والحفاوة التى تم بها استقبال ترامب ــ كما شرحنا ــ فإن جوًا من عدم الثقة والقلق ساد إجابات بعض من رؤساء هذه الشركات فى الحوارات الإعلامية التى تمت معهم على هامش هذا المنتدى، وقد عزا معظمهم ذلك إلى المخاطر التى تكتنف الاقتصاد العالمى نتيجة لزيادة التوتر والمخاطر الجيوسياسية سواء فى منطقة الشرق الأوسط أو شبه الجزيرة الكورية، وتصاعد احتمالات الحرب فى هاتين المنطقتين، وبما يؤثر على مناخ الاستقرار الذى يجب أن يتوافر من أجل استمرار نمو الاقتصاد والتجارة الدولية، كانت هذه هى الإجابات الظاهرة، ولكنها فى حقيقة الأمر تمثل بعض الحقيقة، وليس كل الحقيقة، فلماذا؟

من المعروف أن الاقتصاد الأمريكى يمثل أكبر اقتصاد فى العالم، (١٨ ترليون دولار تمثل ٢٤.٣٪ من الاقتصاد العالمى)، ولذلك فإن أى نمو أو تباطؤ لهذا الاقتصاد ينعكس بالضرورة على الاقتصاد العالمى وحركة التجارة الدولية. وبالتالى، فإن خطوة ترامب الأخيرة بشأن تخفيض الضرائب لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى بلاده، ورغم ما ستعود به من مزايا على الاقتصاد الأمريكى، ستؤدى إلى مضاعفة معدل النمو الاقتصادى وإنقاذ الصناعة الأمريكية من المنافسة الأجنبية كما يدعى ترامب، إلا أن الوجه الآخر للعملة هو عمله على تقليص الواردات الأجنبية بمزيد من الإجراءات الحمائية وفرض المزيد من الرسوم الجمركية عليها. هذه الإجراءات الأخيرة تنسجم تماما مع خطاب ترامب الشعبوى ضد الدول الأخرى تطبيقا لشعاره الانتخابى «أمريكا أولا»، وترجمة أمينة لنهجه الاقتصادى فيما يطلق عليه «القومية الاقتصادية». وفى هذه الحالة وطبقا لرؤية ترامب ذاته، يصبح نمو الاقتصاد الأمريكى موجه ضد الدول الناشئة والمتقدمة على السواء. هذه الدول التى تعتمد على انفتاح السوق الأمريكية لتصدير منتجاتها إليها، والتى باتت محل شك مع بدء تطبيق سياسة حمائية ظهرت بوادرها فى فرض رسوم حمائية على أجهزة الغسيل والطاقة الشمسية المستوردة.

وعليه، يمكن القول إن ترامب الذى يدعو إلى تشييد سور على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك لمنع ما يراه من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى بلاده، قد بدأ أيضا فى تشييد سور حمائى حول الاقتصاد الأمريكى بهدف منع وصول المنتجات والسلع الأجنبية للسوق الأمريكية، وهو ما يعد بمثابة إطلاق الطلقة الأولى لبدء حرب تجارية مع الدول الأخرى، يعزز من هذا التقدير ما سبق أن قام به ترامب من الانسحاب من مفاوضات اتفاق التجارة الحرة فى آسيا مع الدول المطلة على المحيط الهادى، هذا فضلا عن تهديده الدائم بالانسحاب من اتفاق «نافتا» مع كندا والمكسيك. لذلك كان القلق هذا العام فى دافوس، وخاصة مع انتظار بقية الإجراءات التى يزمع ترامب اتخاذها، وما يمكن أن تسفر عنه من ردود فعل دولية قد تدخل العالم فى حروب تجارية تهدد ما يشهده العالم حاليا من مظاهر تعافى وانتعاش.

التعليقات