طبول الفتنة الجديدة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طبول الفتنة الجديدة

نشر فى : الخميس 5 مارس 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : الخميس 5 مارس 2015 - 10:30 ص

يوم السبت ٢٨ فبراير تم فى طهران توقيع اتفاق تسيير خط الطيران بين العاصمتين الإيرانية واليمنية. فى اليوم التالى مباشرة (الأحد أول مارس) وصلت إلى مطار صنعاء طائرة الشركة الإيرانية «ماهان اير»، (نسبة إلى إحدى مدن محافظة كيرمان) حاملة ١٢ طنا من الأدوية ومستهِلَّة تشغيل الخط المتوقف منذ خمسة وعشرين عاما. وكان ذلك تنفيذا للاتفاق الجديد الذى يقضى بتسيير ١٤ رحلة أسبوعيا بين العاصمتين، بمعدل رحلتين يوميا. فى عودتها إلى طهران خلال اليوم ذاته. حملت الطائرة الإيرانية وفدا كبيرا ضم ١٥ شخصا، برئاسة صالح الصماد، الرجل الذى فرضه الحوثيون على الرئيس عبدربه منصور بعد اجتياحهم صنعاء، حيث عمل مستشارا له (أقاله الرئيس اليمنى من منصبه بعد ذلك). ولفت الانتباه ان الوفد ضم عددا من وكلاء وزارات الكهرباء والتخطيط والاستثمار والصناعة والتجارة والمياه والبيئة، إضافة إلى وكيل وزارة النفط. فى طهران وقع الوفد عددا من الاتفاقات بين البلدين التى لم تعلن طبيعتها، ويفرض أنها تدور حول تحقيق التعاون بين البلدين وتقديم المساعدات الإيرانية فى المجالات التى مثلها أعضاء الوفد.

إذا لاحظنا أن الرئيس اليمنى غادر صنعاء ووصل إلى عدن يوم الجمعة ٢٧ فبراير، فلابد أن يثير انتباهنا ذلك التسارع المدهش فى الأحداث، الذى يعطى انطباعا بأن الأمر كله كان مرتبا بين الحوثيين وطهران فى وقت سابق. حيث لا يعقل أن يهرب الرئس عبدربه إلى عدن يوم الجمعة، ثم يوقع اتفاق تشغيل خط الطيران يوم السبت لتصل طائرة شركة «ماهان اير» إلى صنعاء يوم الأحد. لا يعقل ان يتم ذلك كله بهذه السرعة إلا إذا كان مرتبا سلفا. وذلك ليس مفاجئا تماما، لأن شواهد الحضور الإيرانى فى زحف الحوثيين على صنعاء يوم ٢١ سبتمبر الماضى له قرائن عدة، وهو ما أكده الدكتور عبدالكريم الإيربانى مستشار الرئيس اليمنى فى الحوار الذى نشرته له صحيفة «٢٦ سبتمبر» (فى ١١ ديسمبر الماضى). إذ ذكر أنه أثناء المناقشات التى جرت مع الحوثيين فى مؤتمر المصالحة طرحت بعض المقترحات التى كان أحد الوسطاء العمانيين طرفا فيها، وقد أرسلت تلك المقترحات إلى قيادة الحوثيين فى صعدة، ولكنهم فوجئوا بأنها نقلت إلى طهران، وان الوسط العمانى هو من أوصل الرد الإيرانى إلى صنعاء بعد ذلك. إلا أننا ما عدنا بحاجة إلى أدلة بعد التطورات التى حدثت هذا الأسبوع، واستدعت إيران إلى صدارة المشهد اليمنى. وذلك بدوره لم يكن مفاجئا تماما، لأنه منذ أعلن عبدالملك الحوثى من صعدة انهم سيلجأون إلى مصادر أخرى لتوفير احتياجات اليمن فى حالة توقف الدعم السعودى، فقد فهم أن ثمة ترتيبا معدا مع طهران للذهاب إلى أبعد فى مساندة حكم الحوثيين لليمن.

فى ضوء هذه الخلفية، يبدو جليا أن إيران قررت أن تعزز وجودها فى الجزيرة العربية، فى ظهر السعودية وليس بعيدا عن باب المندب. وذلك لا يمثل تحولا استراتيجيا فى خرائط المنطقة فحسب، ولكنه يشكل أيضا عبئا اقتصاديا كبيرا على إيران ذاتها، التى تأثرت مواردها بانخفاض أسعار النفط، خصوصا أن الأزمة الاقتصادية هى أكبر أزمات اليمن، ولا تنس أن طهران تتحمل ذات العبء الثقيل فى مساندتها لنظام الأسد فى سوريا، وحزب الله فى لبنان، (تتحدث التسريبات عن وصول بعض عناصر الحزب إلى اليمن واشتراكهم من وراء ستار فى تنظيم بعض فعاليات الحوثيين).

تتحدث المصادر الإيرانية والأبواق المعبرة عنها عن تمدد النفوذ الإيرانى وانتشاره فى أربع دول عربية هى سوريا والعراق ولبنان واليمن. وهذا صحيح إلى حد كبير، إلا أن ذلك النفوذ له خطورته فى اليمن. لأن الدول الثلاث الأولى تتوفر لها أنظمة وأجهزة وخبرات. وبالتالى فإيران شريكة فى الحكم بدرجة أو أخرى وبصورة مباشرة أو غير مباشرة. أما فى اليمن فالموقف مختلف تماما، إذ رغم وجود الأنظمة والأجهزة، فإن طبقة الحوثيين الحاكمة الجديدة ليست لها علاقة بإدارة الدولة، الأمر الذى يعنى أن دور إيران سيكون أكبر بكثير. وقد يسوغ لنا ذلك ان نقول انها لن تكون شريكة فى الحكم. ولكنها ستكون السلطة الحاكمة. أعنى أن العبء لن يكون اقتصاديا فحسب، وإنما سيكون سياسيا أيضا. وإذا احتملت اليمن ذلك العبء ــ وهو أمر مشكوك فيه ــ فإن المنطقة قد لا تحتمله طويلا، خصوصا ان السعودية لن تسكت عليه لأنه يمس أمنها القومى بصورة مباشرة.

لا تفوتنا فى هذا الصدد ملاحظة ان شهية إيران انفتحت للتمدد فى العالم العربى إلى هذه الدرجة ليس فقط لأن لها تطلعاتها الخاصة، ولكن لأن الفراغ العربى كان جاذبا لذلك التمدد. إذ لم تكن محنة العالم العربى مقصورة معاناته من ذلك الفراغ الناشئ عن انهيار النظام العربى، ولكن تلك المحنة تمثلت أيضا فى انشغال أنظمة العالم العربى بصراعاتها الداخلية وانصرافها حتى عن الدفاع عن أمن الأمة وحياضها.

ما الذى يعنيه كل ذلك؟ لاشك أن إيران مقبلة على حالة من الاستنزاف الاقتصادى الذى لا نعرف مدى قدرتها على احتماله ولأى أجل ــ كما أزعم أن اليمن مقبل على تمزق جديد، قد يكون انفصال الجنوب عن الشمال حده الأدنى. هذا إذا لم يتطور الأمر إلى انتفاض القبائل ضد الحوثيين. وربما تعاظم دور تنظيم القاعدة، بما قد يؤدى إلى نشوب حرب أهلية قد تغرق إيران فى أوحال المستنقع اليمنى.

يعنى ذلك أيضا تأجيج الصراع المذهبى فى العالم العربى بين السنة والشيعة، لأن وجود إيران فى الدول الأربع لن يحقق تمددا استراتيجيا فقط ولكنه سوف يستصحب معه تأجيج المشاعر المعادية للشيعة فى ذات الوقت.

فى مواجهة من ذلك القبيل فإن الاستقطاب سيطل برأسه بين دول المنطقة. إذ ليس مستبعدا أن تقف تركيا مع السعودية (أكثر دولة تستشعر الخطر) على رأس المعسكر السُّنى. فى حين تقف إيران ومعها العراق على رأس المعسكر الشيعى. وهو ما قد يعيدنا إلى زمن الصراع الصفوى العثمانى فى القرن السادس عشر. وفى هذه الحالة فإن إيران ستكون المسئول الأول عن تلك الفتنة الجديدة التى ستشوِّه سجل الثورة الإسلامية.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.