المأزق التركى فى سوريا - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المأزق التركى فى سوريا

نشر فى : الإثنين 5 مارس 2018 - 10:00 م | آخر تحديث : الإثنين 5 مارس 2018 - 10:00 م

تتواصل العملية العسكرية التركية والتى بدأت فى العشرين من شهر يناير الماضى، والمسماة بـ«غصن الزيتون»، فى منطقة عفرين بشمال غرب سوريا، ودون أن يبدو فى الأفق نهاية قريبة لها. وكانت تركيا قد أعلنت فى بدايتها أنها ستكون سريعة وناجزة، وبهدف القضاء على ما أسمته بالعناصر الإرهابية، أى قوات حماية الشعب (الكردية). إلا أن هذه العملية أخذت منحى متصاعدا مع استقدام القوات التركية لبعض العناصر السورية المسلحة الموالية لها لمواجهة الأكراد، فى ذات الوقت الذى بدأ فيه النظام السورى فى دفع بعض قوات الميليشيا التابعة له للدفاع عن الأراضى السورية ضد القوات التركية، وبما يهدد بتوسع دائرة القتال. هذا، وتطرح هذه العملية وما يصاحبها من تطورات بعض علامات الاستفهام حول مستقبل التدخل العسكرى التركى فى سوريا، ومدى قدرة أنقرة على تحقيق هدفها من منع قيام كيان كردى فى شمال غرب سوريا؟

للإجابة على هذين السؤالين، علينا أولا أن نعود قليلا إلى فترة العلاقات بين هذين البلدين فى الثمانينيات من القرن الماضى من أجل المقارنة وفهم ما يحدث حاليا. وكما هو معروف، فقد كانت العلاقات متوترة على خلفية النزاع الذى كان قائما حينئذ حول توزيع حصص المياه لكل دولة منهما من نهر الفرات. الأمر الذى دفع الرئيس السورى السابق حافظ الأسد إلى السماح لحزب العمال الكردستانى (التركى) وقائده عبدالله أوجلان، بالتواجد داخل الأراضى السورية وعلى الحدود مع تركيا كإحدى أدوات الضغط السورية على أنقرة. دفع ذلك القيادة التركية إلى حشد قواتها على الحدود مع سوريا فى أكتوبر من عام ١٩٩٨ بغرض توجيه ضربة عسكرية قاصمة لها. وتمكنت الوساطة المصرية التى قام بها الرئيس الأسبق حسنى مبارك بين البلدين من نزع فتيل الأزمة بعد موافقة حافظ الأسد على إنهاء تواجد حزب العمال الكردستانى داخل الأراضى السورية، وترحيل زعيمه عبدالله اوجلان إلى كينيا. كان ذلك حلا عمليا للطرفين نتج عنه أيضا الاتفاق على حصة سوريا من مياه نهر الفرات، وزال فى حينه التهديد الكردى على تركيا.

هكذا وكما رأينا، فإن تواجد عناصر كردية مسلحة داخل الأراضى السورية والمتاخمة للحدود مع تركيا يمثل خطا أحمر للقيادات التركية، سواء كان ذلك مع سليمان ديميريل رئيس الجمهورية آنذاك، أو رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية الحالى. ولكن الجديد هذه المرة، هو طبيعة التهديد الكردى الحالى والذى يختلف فى مكوناته وعناصره عن التهديد السابق. فالتهديد الكردى السابق كان مكونا من عناصر كردية/ تركية خرجت من بلادها فى جنوب شرق تركيا إلى دولة مجاورة هى سوريا وبموافقة حكومتها، وكانت هذه العناصر فى النهاية تخضع لإرادة الدولة المضيفة، أى سوريا، وجزء من لعبة التوازنات والمساومات التى كانت تجرى آنذاك بين دمشق وأنقرة. وحين ارتأت الدولة المضيفة (أى سوريا) عدم وجود مصلحة لها فى بقاء هذه العناصر (حزب العمال الكردستانى/ التركى)، كان قرار الإبعاد والترحيل.

هذا كان عن التهديد الكردى السابق لتركيا من سوريا، أما التهديد الحالى، فإنه يختلف فى كونه يأتى هذه المرة من داخل أكراد سوريا ذاتهم، وليس من عناصر وافدة من تركيا يسهل طردهم. فأكراد سوريا بدأوا يتطلعون بدورهم لإقامة كيانهم المستقل ــ على غرار أكراد العراق ــ مع اندلاع الحرب الأهلية فى سوريا، والتى كانت تركيا إحدى الدول الرئيسية التى ساعدت على تأجيجها، اعتقادا منها بأنها تستطيع تغيير النظام الموجود بنظام إسلامى موال لها. إلا أن الرياح لم تأت كما تشتهى السفن، وأسفرت الحرب الأهلية عن قيام كيان كردى جديد باسم الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا من ثلاث مناطق، من بينها عفرين، فى عام ٢٠١٢ بعد فقدان الحكومة المركزية فى دمشق لسيطرتها على هذه المناطق فى شمال البلاد. وكان طبيعيا أن تهاجم أنقرة هذا الكيان الكردى وتتخوف من تأثير التلاصق الجغرافى بين مناطق الأكراد فى شمال وشمال غرب سوريا، مع أقرانهم فى جنوب شرق تركيا. هذا بالإضافة إلى قيام أنقرة باتهام حزب الاتحاد الديمقراطى السورى (الذى يمثل أكراد سوريا) بأنه يمثل امتدادا لحزب العمال الكردستانى، وهو ما لم تفعله أنقرة مع الأحزاب الكردية العراقية (الحزب الديمقراطى الكردستانى أو الاتحاد الوطنى الكردستانى). وقد حاولت أنقرة ضرب وحدات حماية الشعب الكردية أثناء عملية «درع الفرات» التى قامت بها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (أغسطس ٢٠١٦ ــ مارس ٢٠١٧ )، إلا أنها لم تستطع تحقيق هدفها. إلا أن الإعلان الأمريكى فى شهر يناير الماضى بالعمل مع أكراد سوريا على تشكيل ما سمى بقوة حرس حدود من ٣٠ ألف مقاتل، اعتبره أردوغان تجاوزا لكل الخطوط الحمراء، متوعدا ومهددا بالقضاء على هذه القوة قبل أن تنشأ. وهو الأمر الذى تفجرت معه أزمة عميقة بين الجانبين الأمريكى والتركى، عملت معه واشنطن على احتوائها من خلال زيارة ريكس تليرسون لأنقرة بعد ذلك، حيث تم التوصل إلى تفاهم ما بشأن التدخل التركى فى عفرين، وعلى أن لا يمتد إلى منطقة منبج الكردية فى الشرق كما سبق وأن هدد أردوغان.

هذا، وقد زاد الموقف تعقيدا قيام القوات الحكومية السورية مدعومة بغارات مكثفة من الطيران الروسى بمهاجمة مواقع المعارضة السورية المسلحة وبعضها موال لتركيا فى منطقة الغوطة الشرقية، وكأن دمشق ــ ومن ورائها روسيا ــ قد انتهزت فرصة الانشغال بما يجرى فى عفرين لتحقيق مكاسب جديدة واستعادة سيطرتها على هذه المنطقة.

المتابع للشأن التركى عامة، والشأن الداخلى منه خاصة، يعرف إلى أى حد يمثل الملف الكردى أولوية متقدمة للغاية لدى صانع القرار فى أنقرة، تتوارى معه وتتراجع بجانبه العديد من الملفات والقضايا الأخرى. ولذلك فإن تركيا فى مأزق اليوم ما كانت تتخيله أو تتحسب له عندما بدأت الحرب الأهلية فى سوريا، عندما راهن أردوغان على القوى المعارضة للنظام ودون أن يدرك أن ذلك قد فتح الباب أيضا لأكراد سوريا، وهو مضطر اليوم إلى التضحية بالفصائل التى يدعمها على الساحة السورية، مثلما فعل فى السابق فى حلب، من إجل السماح له بفرض منطقة عازلة فى عفرين لقطع التواصل الجغرافى بين أكراد سوريا مع أكراد تركيا، وفصل بعضهما عن بعض. إلا أن هذه المنطقة العازلة التى يسعى أردوغان لإنشائها بالقوة فى عفرين ستكون على الأرجح مستنقعا للقوات التركية وليست منطقة هادئة خالية من ما يسمى بالعناصر الإرهابية الكردية.

التعليقات