أمريكا والإصلاح فى مصر.. قصة لها تاريخ - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا والإصلاح فى مصر.. قصة لها تاريخ

نشر فى : الأحد 5 أبريل 2009 - 10:20 م | آخر تحديث : الأحد 5 أبريل 2009 - 10:20 م

 لا أدرى السبب فى غياب المشروع الأمريكى للإصلاح السياسى فى مصر بعد الحرب العالمية الثانية عن الجدل الدائر منذ سنوات حول ما يسمى بالضغوط الأمريكية على النظام المصرى الحالى، من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

هل أصبحت ذاكرتنا الوطنية بهذا الضعف؟، أم أن الأمر لا يستحق؟، أم أننا لا نتعامل بجدية حول هذا الموضوع، ونعتبره مجرد عارض سوف يزول بمرور الوقت، أو أنه زال بالفعل مع زوال إدارة الرئيس جورج بوش الابن؟.

فى الإمكان، بل ومن المفيد، أن نرى أوجه شبه كثيرة من التدخل الأمريكى الأول للإصلاح السياسى فى مصر منذ أكثر من ستين عاما وبين التدخل الثانى فى أيامنا هذه، وفى الإمكان أيضا، ومن المهم، أن نعرف لماذا فشلت المحاولة الأولى، غير أن الأهم أن نعرف ما أدى إليه هذا الفشل من نتائج.

بعد الحرب العالمية الثانية، كان النظام السياسى المصرى قد تجمد بفعل تبدد الزخم الوطنى الشعبى وراءه، ذلك الزخم الذى انبثق من ثورة 1919، حتى توقيع معاهدة 1936، وبفعل استقطاب الملك لأحزاب الأقلية لضرب حزب الوفد وإضعافه بوصفه حزب الأغلبية الشعبية والوطنية، وكانت أعراض ذلك الجمود تتمثل فى يقين منفصل عن الواقع فى أن الأمور سوف تظل سائرة كالمعتاد، بحيث يعود الوفد لامتصاص القدر المهدد بالثورة والفوضى من السخط الشعبى، ثم لا يلبث أن يطرد من الحكم، وذلك فى وقت ظهرت فيه مطالب جديدة للحركة الوطنية، أهمها إلغاء معاهدة 1936، والجلاء التام، وفى وقت ظهرت فيه قوى سياسية جديدة تعبر عن هذه المطالب، وقوى جديدة كلية تعبر عن مطالب اجتماعية ملحة وعادلة، فظهر الإخوان المسلمون كقوة تجمع بين مطالب الاستقلال الوطنى والنهوض الاجتماعى والاقتصادى فى سياق إسلامى، وظهر الشيوعيون وغيرهم من القوى اليسارية، مطالبين بالاستقلال الوطنى وبالعدالة الاجتماعية، فى حين برز إلى الساحة أيضا أصحاب اتجاهات فاشية واضحة تركز على الوطنية أحيانا، وعلى «الإسلامية» أحيانا ثانية، وعلى العدل الاجتماعى أحيانا ثالثة، أو تجمع بين هذه الاتجاهات كلها فى حركة واحدة مثل مصر الفتاة.

لقد أبدى النظام السياسى، خاصة القصر الملكى وكبار الملاك عدم حساسية منقطع النظير فى مواجهة هذه المتغيرات، لكن الذى أقلق الولايات المتحدة الأمريكية القائد الجديد للمعسكر الغربى الديمقراطى، كان هو بالقطع احتمالات سقوط مصر فى فخ الشيوعية الدولية، بما سيؤدى إليه من خطر على الشرق الأوسط، والعالم الإسلامى، والمصالح والمبادئ الغربية فى المنطقتين، وكانت الوصفة، أو الاستراتيجية الوقائية هى أن يقود النظام السياسى نفسه عملية إصلاح واسعة تستجيب للمطالب الأساسية للحركة الوطنية والاحتجاجات الاجتماعية، وتعزل القوى المتطرفة من إسلاميين وشيوعيين، وفاشيين، وارتأت تلك الاستراتيجية أن الملك شخصيا هو الأقدر على قيادة هذه العملية الطموح، بالتحالف مع حزب السعديين لما لهم من شرعية منبثقة عن خروجهم من عباءة ثورة 1919 وقائدها التاريخى سعد زغلول، ونظرا لأن الملك يرفض من حيث المبدأ وضع يده فى يد زعيم الوفد مصطفى النحاس باشا، ولعبت صحيفة أخبار اليوم الناشئة وقتها رأس الحربة فى تسويق هذه الاستراتيجية للرأى العام، واشتهرت وقتها تعبيرات مثل «الملك صديق الفلاح»، و«الملك الصالح»، وفتوى ثبوت النسب النبوى لجلالة الملك من طريق والدته.

لكن الاستراتيجية انتهت ــ كما هو معلوم ــ إلى فشل ذريع جاء بالضباط الأحرار إلى السلطة، على حساب كل هذه القوى، وكانت أسباب الفشل، هى عجز السعديين والقصر الملكى عن الحلول محل الوفد فى قيادة الأغلبية، وتردد الملك نفسه فى قطع الشوط إلى نهايته، وتفضيله إدارة هذه الأزمة التاريخية بأسلوب المناورات الصغيرة، فمرة يضرب الوفد بالإخوان، وثانية يضرب الإخوان بالسعديين، وثالثة يضرب الجميع بالحرس الحديدى.. إلخ، كذلك عجزت النخبة عن تمرير قانون الإصلاح الزراعى أكثر من ثلاث مرات، وعجز الجميع عن التقدم خطوة واحدة فى قضية جلاء الاحتلال البريطانى، وبالطبع تجمدت عمليات التنمية الاقتصادية التى كانت قد بدأت فى أعقاب ثورة 1919 بقيادة بنك مصر.

وعندما وصلت الأزمة إلى عقدة مستعصية جاءوا بالوفد مرة أخرى إلى السلطة فى انتخابات عام 1950، لكن الملك أيضا عجز عن الاستمرار فى الشوط إلى نهايته وتآمر كما هو معروف مع البريطانيين لإسقاط الحكومة الوفدية التى كانت قد ألغت معاهدة 1936، وبدأت تقود زخما وطنيا وشعبيا جديدا.. وعادت الأمور سيرتها الأولى، ولكن لمدة ستة أشهر فقط انتهت باستيلاء الجيش على السلطة.

قلنا إن هناك أوجه شعبه بين ذلك السياق لقضية الإصلاح السياسى فى مصر، والدور الأمريكى فيها بعد الحرب العالمية الثانية وبين السياق الحالى الذى طرحت فيه السياسة الأمريكية قضية إصلاح الحياة السياسية المصرية بدءا من عام 2005، ولكن ما الذى يخشاه الأمريكيون على مستقبل أو من المستقبل فى مصر هذه المرة؟.

الإجابة هى شيئان لا ثالث لهما.. الأول؛ هو سقوط مصر فى أيدى إسلاميين متطرفين على غرار الثورة الإسلامية فى إيران، والثانى؛ أن يؤدى هذا التطور إذا حدث إلى نسف مسيرة السلام المصرية الإسرائيلية، ومن ثم إعادة الصراع العربى ــ الإسرائيلى إلى المربع رقم 1، علما بأنه سيكون فى هذه الحالة صراعا عربيا إسلاميا / إسرائيليا، لأنه من المرجح فى حالة استيلاء الإسلاميين على مصر أن يتحالفوا مع إسلامىى إيران وحزب الله وحماس، فتقف المنطقة برمتها على شفا جهنم، لا تستبعد منها احتمالات استخدام أسلحة الدمار الشامل، ولا تستبعد منها احتمالات تدمير المصالح الأمريكية والغربية فى جميع أنحاء الإقليم بما يصيب الاقتصاد والاستقرار العالميين عموما بنكبة.. قد لا تقل عواقبها الوخيمة كارثية عن الآثار المدمرة للحرب العالمية الثانية.

من أوجه الشبه أيضا بين أوضاع مصر بعد الحرب العالمية الثانية، وبين الأوضاع الحالية أن النظام السياسى لا يبدى أى حساسية للاستجابة للمتغيرات الجديدة فى المجتمع والحياة السياسية المصرية، ويعتقد فريق متنفذ فى هذا النظام أن كل شىء يمكن أن يعود مثلما كان، وأن المناورات اليومية، والأسبوعية، والشهرية كفيلة بإدارة الأزمة حتى يزول العارض المؤقت الذى ظهر مع إدارة بوش الأمريكية السابقة.

من تلك المتغيرات أن قوة جماعة الإخوان تتزايد، ولم يعد ممكنا إعادتها إلى القمقم الذى وضعتها فيه ثورة يوليو ليس بالقمع وحده، وإنما كذلك بمشروعها الوطنى بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والقومية، ومن هذه المتغيرات أيضا اتساع الطبقة الوسطى، وزيادة أعداد ساكنى المدن، وأما الأحدث والأهم فهو الأجيال الشابة المنتمية لعصر العولمة والثورة الإلكترونية، هؤلاء الذين نجحوا فى 6 أبريل الماضى فى خلق نواة للتجديد الوطنى غير مؤطرة تنظيميا وإيديولوجيا بعدُ، ولكنها ترفع شعار التغيير.. ولمن يستهين بقدرة هؤلاء الشباب على تغيير المسار، أن يعود إلى ثورات أوروبا الشرقية ضد الحكم الشيوعى، فقد كان الشباب هم واضعى البذور الأولى، ولم يكن سقوط حائط برلين المدوى، وهو الحدث الذى غير عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ــ إلا نهاية شوط بدأ «بمظاهرة الاثنين».. حيث قرر جماعة من الطلاب والعمال المحتجين تنظيم مظاهرة سلمية صبيحة يوم الاثنين من كل أسبوع، بوصفه أول أيام العمل بعد الإجازة الأسبوعية، وبدأت المظاهرات بعدد محدود جدا لا يزيد على بضع عشرات إلى أن تحولت إلى مليونية.. عصفت ليس بالنظام الحاكم وحده، وإنما بنظام القطبية الثنائية العالمى كله كما سبق القول.

إن الدلالة الأهم لظاهرة شباب 6 أبريل المصريين فى نظرنا هى أنها أكدت وجود تناقض جوهرى بين النظام السياسى وبين المجتمع، وهو تناقض يستحيل تجاهله، أو الالتفاف عليه، مثلما كان يحدث وكان يمكن مع القوى السياسية التقليدية كالإخوان، أو الليبراليين القدامى والجدد، أو غيرهم إذا كان من السهل اتهامهم بأنهم مجرد مجموعات عالية الصوت، ولا تعبر عن غالبية المجتمع، وأنهم أصحاب أجندات معروفة سلفا لا تصلح لقيادة طبقة وسطى وطنية وغير متعصبة، ولكن ما الذى يمكن أن يقال عن شباب أبريل، سوى إنهم مهمومون بمستقبلهم فى بلادهم، وأنهم غير راضين، وأن الأمر لا يمكن أن يستمر على هذا النحو؟

من رد الفعل الرسمى والأمنى على الظاهرة يتأكد أن النظام لا يرى ما نراه، وما يراه كثيرون فى الداخل والخارج، وهذا أيضا وجه شبه بين موقف النظام الملكى فى التجربة الأولى، وبين الوضع الحالى.. لكننا عرفنا النهاية فى الماضى، فمن يعرف ماذا سيحدث فى المستقبل؟.

أخيرا.. ولكل من يهمه الأمر.. إذا تجاهلنا المتغيرات الداخلية، وهذا ما لا نتمناه، وما لا ينبغى.. فإن الاهتمام الخارجى بمصر، وباحتمالات مستقبلها لن يتوقف، وكدليل توثيقى على ذلك.
فقد أُثر عن الأدميرال ستانسفيلد تيرنر مدير المخابرات المركزية الأمريكية.. القول فى عهد الرئيس الأسبق جيمى كارتر.. «لقد ضاعت مصر من أمريكا لمدة 20 عاما عانينا فيها الكثير.. ولن نسمح أن تضيع منا مصر مرة أخرى».

عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.