التفحش الفيسبوكى - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التفحش الفيسبوكى

نشر فى : السبت 5 أبريل 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : السبت 5 أبريل 2014 - 8:15 ص

هناك أدواء خطيرة دخلت إلى عقل وقلب شباب بعض الحركات الإسلامية المصرية فى الفترة الأخيرة.. ومنها التفحش فى ردهم على الذين يخالفونهم فكريا أو سياسيا وقدحهم بأسوأ الأوصاف وأحط الكلمات ورميهم بما ليس فيهم واستحلال ذلك وتبدأ موسوعة الشتائم بالتخوين وتنتهى بأحط الشتائم.

فلم أتخيل يوما أن تحتوى بعض صفحات الشباب الإسلامى على الفيس بوك على كلمات كانت حكرا فى زماننا على عتاة الإجرام الجنائى وعلى البلطجية والحرامية وأطفال الشوارع.

وكم كنت أتمنى أن أسرد بعض هذه الكلمات لولا احترامى لدينى ونفسى وهذه الصحيفة العريقة.

لقد ذهلت من التردى الأخلاقى فى الردود على المخالفين لهم فى الموقف السياسى أو فى أى مسألة بسيطة تحتمل الخلاف فى الرأى.

كما أدهشنى أن معظم الردود هى شتائم قبيحة لأناس أفاضل دون نقاش علمى موضوعى أو محاورة فقهية أو فكرية تتناول الفكرة وليس الشخص الذى يقوم هؤلاء بتسفيهه وتحطيمه «بوصلات ردح لا نهائية».

وكلما تناقشت مع بعض هؤلاء «أخرجوا لك الحجة القديمة الجديدة التافهة أن أبا بكر قال لمشرك أساء لرسول الله، «امصص بظر اللات».. فى تعميم بغيض لقصة خاصة فى موضع خاص.. غافلين عن أن قول وعمل الصحابى نفسه «ليس بحجة» كما ورد فى الأصول.. خصوصا إذا اصطدم بسيل جارف من الآيات والأحاديث النبوية مثل «وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنا» و«خالق الناس بخلق حسن» وكلاهما دقق فى كلمة «الناس».. كل الناس مسلمهم وكافرهم.. من وافقك الفكر ومن خالفك.. من كان فى خندقك السياسى أو ضدك.. من معك فى الجماعة ومن ليس معك.

ونسى هذا الشباب أيضا أن رسول الله صاحب الرسالة الأصلى ظل طوال حياته قبل البعثة وبعدها «لم ينطق بكلمة فحش قط» كما ورد فى الصحيحين.. رغم الإساءات التى تعرض لها طوال حياته ورغم أنه قيل له «ساحر ومجنون وشاعر وكذاب».. وأنه ضرب وأهين و... إلا أنه احتفظ بعفة لسانه ولم ينزلق إلى ما ينزلق إليه خصومه لأنه ليس مثلهم ولأنه يختلف عنهم.

ثم كيف يغفل الشباب المسلم عن الأحاديث الصحيحة الرائعة التى وردت فى الصحيحين أن رسول الله «ما كان فاحشا ولا متفحشا».. ثم إن واقعة أبى بكر كانت شيئا خاصا به كرد استثنائى لمن أهان الرسول بطريقة فجة.. ولا تمثل هذه الواقعة الأصل فى الدين والإسلام ولكنها تمثل استثناء فيه لا يجوز تعميمه.

ومن أكبر أخطاء البعض أنهم يقومون بالفعل ثم يبحثون عن دليله.. ويفعلون الشىء ثم يبحثون عن تبريره الشرعى.. بدلا من أن يعرف أحدهم الدين ثم يضبط لسانه وجوارحه ومشاعره وكلماته وتصرفاته طبقا له وإن لم يصب هذا الشرع فى مصلحته أو يردع خصومه كما يظن.

فالبعض يفجر ويغتال خصومه من المسلمين أو يكفرهم ثم يبحث عن دليل بين زوايا كلمات الفقهاء.. والبعض يشتم ويخون ويسب ويلعن ثم يبحث عن دليل يبيح ذلك حتى إذا عثر على شاردة أو واردة هلل لها ونشرها لأنها تبيح «الشتم والردح» خاصة للمسلمين والدعاة والصالحين الذين يخالفونه الرأى السياسى أو الإدارى أو..أو.. مما لا نص فيه.. وليس من ثوابت الدين.

لقد تحولت «امصص بظر اللات» إلى أيقونة رائعة يبرر بها كل مسىء إساءته وتفحشه وكل من قل علمه وفقهه ليتطاول على قامات معروفة فى الدين والفقه والفكر.

ماذا سيكون حال صفحاتنا الإسلامية إذا نضحت بالتسفل والتفحش والبذاءة وغاب عنها الفقه والفكر المدقق العميق ومقارعة الحجة بالحجة والرأى بالرأى؟

وهل نحن دعاة حقا يحببون الناس فى الدين ويرغبونهم فيه أم أننا ننفر الناس ونشوه الإسلام ونحول بينهم وبين الله؟

وهل نأخذ بأيدى الناس إلى الله أم نقطع الطريق إلى الله عليهم دون أن نشعر؟

إن الذى ينظر فى صفحات الفيس بوك التى يكتبها الشباب المسلم سيجد أجيالا غير التى عرفناها وعاشرناها.. أجيالا لا تعرف المعنى العظيم لهتاف النبى الخلوق عبر الآفاق «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ولا تدرى المغزى الرائع لـ«وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».. فلن نكون دعاة حقا إلا إذا كان نصيبنا وافرا من خلق النبى.. وأعتقد أن أعظم صفة تحبب الناس فى الدين هى الأخلاق الكريمة.

وكم عاشت أجيال الصالحين مع المعنى العظيم «إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم الذى لا يفطر والقائم الذى لا يفتر».

التعليقات