يسرية المغربية - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يسرية المغربية

نشر فى : السبت 5 أبريل 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : السبت 5 أبريل 2014 - 8:40 ص

وقعت فى غرامها، فنيا، منذ اللحظة الأولى: سيدة متقدمة فى السن، بدينة، راسخة البنيان. جلبابها الواسع، القديم، يوحى بأنه لم يفارق جسمها طوال أعوام. تعصب رأسها بمنديل، فوقه طرحة. ملابسها كلها سوداء.. إنها جدة هيام ـ ياسمين رئيس ـ فى «فتاة المصنع». لا تظهر إلا فى عدة مشاهد لا تتجاوز عدد أصابع الكف الواحدة. لكن، حضورها الطاغى جعلها من أقوى عناصر الفيلم ألَقًا، بل منحه قدرا غير قليل من مذاق الحقيقة.. الجدة، ممثلة مجهولة تماما، لم نشهدها على شاشة السينما من قبل، وبالتالى، من المنطقى أن يطرح السؤال عن عوامل نجاحها.

شطر كبير من الإجابة نجده عند المخرج السينمائى الروسى الشهير، ميخائيل روم، فيما يسميه «سر الشاشة»، حيث يروى، بأسلوبه الممتع، عن ذلك الكومبارس، الضخم الجثة، المزعج، الذى لا يستوعب ما يقال له. كان على الرجل أن يقف، مع آخرين، فوق تل، ومع صوت الانفجار، يتساقط الجميع قتلى.

انزعج «روم» حين فوجئ بصاحبنا يتلفت حوله، عقب الانفجار، ثم يتهاوى أرضا، بتراخٍ، كما لو أنه يخشى اتساخ بزته العسكرية. بعد تأنيب الكومبارس، أعيد تنفيذ المشهد، فما كان من المزعج، إلا الوقوع أرضا، فورا، إثر دوى الانفجار.. أعاد المخرج تصوير الموقف مرة ثالثة.. جاءت النتيجة غير مرضية.. فى المساء، شاهد «روم»، مع طاقم الفنيين، وآخرين، ما تم إنجازه. فوجئ «روم» ومن معه بسطوع الرجل الذى بدا، فى المشاهد المتكررة، آية فى قوة الإقناع والتأثير. عندئذ أدرك «روم» ما أطلق عليه «سر الشاشة» ، فالكاميرا، ليست آلة تصوير سلبية، لكن تحس على نحو ما، تحب وتكره، والواضح أنها هامت بذلك الكومبارس الذى أصبح قاسما مشتركا فى أعمال «روم» اللاحقة.

أحسب أن شيئا من هذا القبيل حدث مع السيدة المذكورة أعلاه. الكاميرا أحبتها، تشبثت بها رغم محاولة المصور أن يبعدهما عن بعضهما.. فى مشهدها الأول، تجلس على حجر بجوار فرن مزدحم. علامات الضيق واضحة على وجهها. حفيدتها تأتى بكمية كبيرة من العيش. تضع نصيب الجدة فى السلة. الجدة الغاضبة تعيد للبنت الأرغفة المجعدة. الحفيدة «هيام» تستسلم لمطالب العجوز القوية الشكيمة، ذات الثقل النفسى الذى يجثم على المشهد مستكملا الأجواء الرمادية للحارة المنسية.

كاتبة السيناريو الماهرة، وسام سليمان، رسمت شخصية العجوز بريشة فنان من المدرسة الوحشية، مظهرا ومخبرا، فهى على درجة عالية من الشراسة، تشعرنا بأنها موغلة فى الأنانية، لئيمة، قلبها كجلمود صخر.. فى المشهد التالى لها، بعد استدراج صديقاتها ـ على شاكلتها ـ لحفيدتها، تطالعنا ككتلة سوداء بلا ملامح. تنقض على «هيام»، المطروحة أرضا، تضع قدمها على خدها. تجز شعر البنت بلا رحمة أو تردد. لقطة أصابع القدم، بأظافرها الأقرب لمخالب الطيور الجارحة، فوق وجه «ياسمين رئيس»، المفعم بالألم، غدت من أيقونات صور الفيلم.

«الجدة»، تخاف الموت. تتعلق بأهداب الحياة.. أرملة ابنها، سلوى خطاب، تدرك هذه الحقيقة. تثأر لابنتها حين تخطرها بأن ابنها زارها فى المنام وسأل عنها طالبا رؤيتها.. هنا، الموقف يستلزم الاهتمام بوقع الكلمات على المستمعة. لكن صناع الفيلم بخلوا على السيدة العجوز أن تكون فى صدارة المشهد، فأفردوه لسلوى خطاب واكتفوا بتصوير الجدة من ظهرها، مع صوتها المشروخ بالخوف: هو اللى هاييجى ولا أنا اللى هاروح له.

«الجدة»، فى الفيلم، بلا اسم.. طبعا، اسم الممثلة لم يأت فى بيانات العمل الجميل.. لم تذهب مع فنانيه إلى زيارات الفضائيات. سألت محمد خان عنها.. بعد فترة صمت، على التليفون، طلب منى الانتظار دقيقة ليتأكد من اسمها.. قال لى إنها مصرية، اسمها «يسرية المغربية».

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات