لماذا يصدمنا الموهوبون؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يصدمنا الموهوبون؟

نشر فى : الأحد 5 أبريل 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأحد 5 أبريل 2015 - 9:30 ص

فى كل مرة يظهر موهوب تُسلط عليه الأضواء، يتم تنجيمه وتلميعه، بعد فترة قصيرة يصبح مثلا أعلى وقدوة، ثم يتحول إلى أسطورة حية يتم تداولها بين الجماهير والمريدين. يقرر الموهوب النجم أحياننا أن يحتك بالجماهير أو أن يخوض فى قضية عامة سياسة أو اجتماعية فيصدمك بآرائه وأدائه فتضرب كفًا على كف معتقدا أن لعنة ما قد أصابته أو أن مال ما قد اشتراه أو أنك ربما كنت ساذجا أكثر من اللازم!

الحق يقال، إنها مشكلتك أنت لا هو، أنت لم تفهم أن أسطورة «المثل الأعلى» أو «القدوة» أو «نجم النجوم» ما هى إلا أساليب تعبئة وسيطرة على البشر لجعلهم أتباعا لأساطير مقدسة بعضها فارغ من المضمون وبعضها بنصف مضمون وفى كل الأحوال فالصورة أكبر حجما كثيرا من هذا المضمون مهما بلغ. أنت لم تفهم أن النجم أو النجمة هم فى النهاية بشر، لهم صورة تسويقية لها ثمن، طالما قررت شراءها فلا تلُم من باعك إياها.

•••

قصص الصدمة فى الموهبين من النجوم والمشاهير من أهل الثقافة والفن والدين أصبحت تتكرر بشكل شبه يومى فى حياتنا. هناك موهوبون كثيرون حطموا آمالنا المعلقة عليهم، صدموا توقعاتنا العالية نحوهم ونحو مواقفهم، فهل حقا باع هؤلاء جميعا؟ هل قرروا جميعا نفاق السلطة؟ وهل أصبحت الموهبة قرينة بذلك النفاق؟ فى الواقع هذه مشكلة فى لب السياسة وتعرض لها كثيرون من علماء السياسة والاجتماع لأنها تتعلق بعلاقات القوى داخل المجتمعات وأدوات السيطرة والتعبئة.

أولا: تخشى السلطة السياسية، بمعناها الواسع فى نظم الحكم والاقتصاد والدين والثقافة، من الموهبة وتفضل الاعتماد على الموظفين المتقنين المقلدين غير المبدعين، فالموهبة رغم أنها قد تفيد السلطة لكنها أيضا قد تتمرد عليها وتنازعها. فالموهوب بطبعه لديه عقلية نقدية، لا يقبل الأوامر بسهولة إلا بعد أن يراجعها وينظر فيما وراءها. هو عادة مطلع، ذو خبرة، يقارن ويقارب ويحلل ويفند. سيكون مقبولا بقدر تغاضيه عما يعرف وتظاهره بأنه لا يعرف، ويا حبذا لو قرر استخدام الموهبة للدفاع عن هذه السلطة، لو فعل فقد فاز برضا الأخيرة ومباركتها وأمن لنفسه مكاننا متميزا ومحميا فى هيراركية المجتمع.

ثانيا: الموهوبون كثيرون على الأرض، لكن عوامل كثيرة ثقافية وقدرية ومجتمعية وسلطوية هى من تظهر مواهب البعض بينما تبقى مواهب آخرين مدفونة. من تظهر موهبته فلا يمكن للسلطة، أى سلطة، أن تتركه مستقلا، لأنها لو فعلت فلن تأمن جانبه. ومن هنا فاستقطابه يصبح هدفا عن طريق الشهرة، المال، موقع بجانب السلطة، كلها مغريات لإنهاء استقلالية الموهبة وتنجيمها وتحويلها هى ذاتها إلى سلطة جديدة فرعية تدور فى فلك السلطة الأم.

ثالثا: صاحب الموهبة أيضا لا يدور فى فراغ، فلديه حساباته واحتياجاته وظروفه الاجتماعية. تخيل أن أحدهم قادم من طبقات أكثر عوزا وفجأة وجد حياته تدور فى فنادق الخمسة نجوم، وفى مكاتب المؤسسات المحصنة وأمام كاميرات الإعلام وفلاشات المصورين. وجد نفسه وقد أصبح مشهورا ومحبوبا وصديقا لأناس كانت كل علاقاتهم به هى مشاهداتهم فى التلفاز أو عبر صفحات الجرائد والمجلات. هذا تحول ليس سهلا، يفرض صدمات وضغوطات وتقاليد تطلب من صاحب الموهبة أن يغير حياته، ويدخل فى شبكات جديدة بقواعد لعب مختلفة عن ذى قبل. ومن هنا يحدث التحول والتغير، فلحظة واحدة لمقارنة حياته قبل التحول وبعدها تجعله حتما لا يفكر سوى فى مزيد من الانخراط فى المحيط الجديد بكل شروطه وقيوده وحساباته المعقدة.

رابعا: الموهبة تعنى موقفا، ليس بالضرورة ضد أو مع، ولكنه انحياز لقيم ومواقف وأفكار، وهذه معضلة جديدة. الموهبة المدفونة اختياراتها سهلة، أما الموهبة المنجمة المشهورة التى أصبحت بذاتها سلطة كما تم الإشارة مسبقا، فعليها أن تبقى مساحات كثيرة للحركة مستقبلا، عليها أن تبقى الأبواب مواربة، عليها تمييع الحركة والموقف لتبقى على علاقة جيدة بكل النخب والجماهير والاتباع على السواء، وإن كان ذلك غير ممكن بعد فترة من الزمن. فلا بديل إذًا سوى اتخاذ المواقف المهادنة للسلطة المسيطرة، فإن كانت الأخيرة ثورة، فعلينا أن نقوم بالتنظير والغناء لها، فهذا ما يستسيغه الجماهير، إذا كانت فصيلا دينيا فلا بأس من أن نلبس مواهبنا لحية وزبيبة لتساير الأوضاع السلطوية الجديدة. أما إذا ما تبدل كل هذا وأصبح الجيش فى السلطة، فلا بأس من تغيير كل ذلك ثالثة وإلباس مواهبنا الزى العسكرى للدفاع عن الوطنية والقومية والوحدة. ربما أول مرة تحول تكون ثقيلة على النفس ومقلقة للضمير، لكننا نعتاد ذلك لاحقا ولدينا من الحيل النفسية ما يكفى كى نقنع أنفسنا أننا على حق.

خامسا: الموهبة المشهورة التى تحولت إلى سلطة لا تستطيع أبدا الانفكاك عن جماهيرها سبب شهرتها ومصدر صيتها أيضا. فإن كانت المحافظة هى سمة الجماهير فلا مانع أبدا من ارتداء ثوب المحافظة الرافض للتغير المتشكك فى الحداثة بسبب وبدون، أما إذا كانت الجماهير ممن يطربهم حديث المدنية والحداثة والتقدم، فلا مانع أبدا من تغير الثوب القديم وارتداء ثوب جديد حداثى تقدمى ليبرالى. الذكاء هنا هو أن تعرف طبيعة جمهورك وتتمكن من إرضائه ولا تنس فى كل ذلك أن هناك خطوطا حمراء وضعتها السلطة الأم فإياك أن تتخطاها. باختصار سر على جميع الحبال، المهم ألا تقع لأنه ليس هناك شبكة لتتلقفك إذا ما اختل توازنك مرة.

سادسا: لست وحدك موهوبا ومشهورا، فهناك عشرات غيرك ينافسونك بموهبتهم على احتلال مكانتك عند السلطة، وهنا قيد جديد. فالمطلوب منك أن تكون أكثر إخلاصا لقواعد اللعب حتى تحافظ على موهبتك وتمنع المنافسين المحتملين من احتلال مساحتك، بعد فترة لا يكون الإخلاص لقواعد اللعب كافيا، فهناك مخلصون آخرون. عليك إذا أن تطور قدراتك فى استخدام الموهبة للدفاع عن أفعال السلطة ومواقفها وكلما كنت مبدعا فى تطويع موهبتك للدفاع عن السلطة الأم، كلما زاد قربك منها وربما رفعتك فى هيراركيتها، والعكس قطعا صحيح.

سابعا: فى بلادنا وبفعل تراكمات بنيوية أثرت على مستويات التعليم والثقافة والمهارات الشخصية والعقليات النقدية، فعدد الموهوبين بحق أقل بكثير من نفس العدد فى دول وقارات أخرى. أنت فى مصر وفى مجالك تنافس ١٠ أو ٢٠ أو ٣٠ على أقصى تقدير، بينما فى بلدان أخرى تجد المنافسة بالآلاف. ضعف المنافسة فى مصر تدفع المواهب الحقة للظهور بسرعة، فجأة تجد الأضواء مسلطة عليك والسلطة تخطب ودك دون مجهود حقيقى يذكر، ومن هنا فاستسلامك لقواعد اللعب الجديدة يكون أسرع فأنت تشعر بذاتك سريعا وتقبلك لأن تكون سلطة قائمة بذاتها يكون أسهل أيضا!

ثامنا: صاحب الموهبة بشر، تستطيع أن تصطاده من نقاط ضعف شديدة وكثيرة، قد تصطاده من ضعفه تجاه الجنس الآخر، فقد يكون تزوج صغيرا متواضعا من إحدى قريباته أو جيرانه أو معارفه، مع العالم الجديد تجده يقابل سيدات وفتيات مجتمع من طبقات مختلفة فيسيل لعابه بسهولة ويقع فى المحظور. قد يكون ضعيفا تجاه المال، تجاه السلطة، تجاه الشهرة...إلخ. تستطيع أن ترغبه وترهبه بطرق مختلفة بالضغط على نقاط ضعفه البشرى المختلفة. ولأن قواعد اللعب الجديدة قد جعلت منه بطلا أو نجما أو قديسا، فيسعى دؤوبا للحفاظ على صورته المثالية أمام أتباعه ومن هنا فمقايضته بنقاط ضعفه البشرى المسجلة عليه تكون سهلة ولن يستطيع مقاومتها مهما فعل.

•••

هل هناك حل إذًا؟ أليس هناك استثناءات؟ قطعا هناك استثناءات، وكذلك هناك حلول، ولكنها جميعا فى يد الجمهور لا فى يد النجوم المشاهير أصحاب الموهبة السلطوية. على الجمهور أن يفكك أسطورة المثل العليا والقدوة. قد تكون هناك نماذج تعجب بها، هذا طبيعى ومن حقك، لكن انزع القدسية عن البشر مهما بلغ افتتانك بهم. أدرك أنهم بشر وأنك كذلك. تفهم تلك العلاقة المعقدة بين الموهبة والسلطة وفككها. دع إعجابك يذهب إلى المحتوى لا إلى صاحبه. عصر الأنبياء والرسل والقديسين انتهى، فعش بشرا وتعامل مع الآخرين على أنهم كذلك.

هل أعجبتك تلك السطور السابقة؟ ان كان الأمر كذلك فخذ منها المحتوى ودع صاحبها وشأنه فهو مجرد بشر قابل أن يتعرض لكل ما سبق.

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.