تغيير فى الصورة أو فى السياسة؟ - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تغيير فى الصورة أو فى السياسة؟

نشر فى : الأربعاء 5 مايو 2010 - 10:43 ص | آخر تحديث : الأربعاء 5 مايو 2010 - 10:43 ص

 صدر حكم القضاء فى قضية «خلية حزب الله» فى مصر. وقال الذين أيدوا الحكم إنه جاء حكما رادعا، بينما قال الذين عارضوه إنه جاء حكما قاسيا، وهذان تعبيران يحملان معنى واحدا.

ليست هذه نهاية المطاف... إنها فقط نهاية المطاف للجانب القانونى أو القضائى، ويبقى الجانب السياسى.
ولست أعنى بالجانب السياسى ما يتعلق بالأحكام إنما بما بعد الأحكام. أعنى ــ تحديدا ــ دور رئيس الجمهورية فى هذه القضية التى لا مجال فيها للاستئناف أو النقض، لأنها نظرت وفقا لأحكام قانون الطوارئ لعام 1981. إنها تترك للرئيس أن يقرر فيها ما يراه لمصلحة مصر.. سواء بتخفيف الأحكام أو حتى بالعفو.

ولاشك أن السيناريو الأفضل لما بعد الأحكام هو العفو الرئاسى، ليس فقط لأن مصلحة مصر تقضى بعلاقات أفضل مع المقاومة العربية، ولا حاجة للتأكيد بأن الشعب المصرى يؤيد المقاومة حتى وإن كان تأييدها يشكل نوعا من الخطر علينا.

نحن نؤيد المقاومة ونريد لها أن تنتصر لا أن تنكسر بصرف النظر إذا كانت قريبة منا أو بعيدة عنا. لقد وقف الشعب
المصرى بعقله ووجدانه مع المقاومة العربية والأفريقية والآسيوية... وبعيدا جدا عنا أيد المقاومة الفيتنامية ضد الحرب الأمريكية وبقى على هذا الموقف طوال السنوات التى استغرقتها. ولم تكن هناك مصلحة مباشرة لمصر فى انتصار المقاومة الفيتنامية على أمريكا بل الأحرى أن طلب ود أمريكا كان يفرض اتخاذ موقف محايد على الأقل منها.

الوضع مختلف كثيرا بالنسبة للمقاومة العربية ــ الفلسطينية واللبنانية ــ فهناك احتلال إسرائيل لأراض فلسطينية وأراض لبنانية بالإضافة إلى الجولان السورية، وهناك دائما التهديد بحرب مدمرة من جانب إسرائيل بما ينطوى عليه ذلك من أذى وأضرار. ولا يمكن أن نكون قد نسينا حرب إسرائيل على لبنان فى صيف عام 2006 ولا حرب إسرائيل على غزة فى شتاء عام 2008 ــ 2009.

ومن المؤكد أن مصر لا تستطيع ــ حتى إن هى أرادت ــ أن تترك لإيران مركز ودور الدولة الإقليمية الأكبر المؤيدة للمقاومة العربية ضد إسرائيل مهما كانت ضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل بهذا الاتجاه. ولا شك أن السعى الرامى فى الأيام الأخيرة إلى الجمع بين مصر وسوريا والسعودية مرة أخرى فى ائتلاف استراتيجى وسياسى له وزن كبير يرمى إلى إيجاد بديل عربى عن إيران لتأييد المقاومة، وليس يرمى ــ كما تريد الولايات المتحدة ــ إلى تجريد المقاومة من تأييد عربى وتوجيه الائتلاف العربى باتجاه معاداة إيران بالدرجة الأولى.

إن من مصلحة مصر المباشرة ــ وليس فقط من مصلحة المقاومة ــ أن تكون على علاقة جيدة بل أكثر من جيدة مع حزب الله ومع سوريا وحتى مع حماس، التى يبعدها عن مصر بقدر غير قليل شعور لدى السلطات المصرية يتعلق بانتماء «إخوانى» لحماس من حيث النشأة، الأمر الذى يسبب حساسية خاصة لدى السلطات المصرية.

بل إن الأمر الذى لاشك فيه أن مصر تفضل علاقات مباشرة مع حزب الله لا تمر عبر وساطات عربية أو غير عربية.
والأحرى أيضا أن مصر ــ الرسمية والشعبية على السواء وفى ظروف أفضل ــ تفضل علاقات سوية وأفضل من مجرد سوية مع إيران نفسها.

وقد حرصت الحكومة المصرية فى الأيام الأخيرة على إعطاء مؤشرات إيجابية من شأنها التخفيف من وقع الأحكام المشددة التى صدرت بحق أعضاء «خلية حزب الله». من هذه المؤشرات زيارة وزير الخارجية المصرى أحمد أبوالغيط للبنان قبل يوم واحد من صدور هذه الأحكام. ولم تمر هذه الزيارة دون أن يطلق أبوالغيط فيها تصريحه الذى أحدث أثرا إيجابيا قويا للغاية حين أجاب عن سؤال صحفى فى بيروت حول ما إذا كان يحمل رسالة تحذير من إسرائيل للبنان بسبب ترسانة أسلحة حزب الله قائلا إنه لا يمكن أن يحمل رسائل من عدو إلى دولة شقيقة.

وفضلا عن ذلك كان نفى وزير الخارجية المصرى قاطعا لإدعاءات إسرائيل، التى نقلت عنها الولايات المتحدة، بأن سوريا أمدت حزب الله بصواريخ متقدمة من طراز «سكود».

وجاء مؤشر لا يقل عن هذه المؤشرات قوة حين أبلغ أبوالغيط رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى بأن مصر ستقف إلى جانب لبنان فى حال شنت إسرائيل هجوما عليه.

وفى هذا الإطار فإن مصادر أمريكية سربت ما يفيد أن الرئيس مبارك تعهد ــ فى اتصال مع السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ــ بتخفيف الأحكام على عضوى حزب الله اللبنانيين اللذين تلقيا حكما بالسجن المؤبد، كما تعهد بإطلاق سراح هذين العضوين. ولم يلبث ما سربته المصادر الأمريكية (إلى مؤسسة ستراتفور المخابراتية الخاصة) أن أصبح معلومات رائجة.

وتعنى هذه المؤشرات ــ دون أى تجاوز ــ رسالة غير مباشرة إلى حزب الله بأن باستطاعته أن يلجأ إلى مصر طلبا لتأييدها فى مواجهة تهديدات إسرائيل. وتعنى ــ وهذا أهم ــ أن السلطات المصرية تدرك أهمية استعادة صورة مصر الأصلية كدولة لها دورها القيادى فى المنطقة.

وبطبيعة الحال فإن هذه المؤشرات ــ والدلالات التى يمكن استنتاجها منها ــ تعنى أن الحكومة المصرية تخرج عن مسار قطعت فيه شوطا بل أشواطا بعيدة نأت بها عن تأييد المقاومة العربية، وبالتالى أعطت فرصة لإيران لتبدو فى الصورة المؤيد الأكبر للمقاومة العربية فى غياب مصر.

وبطبيعة الحال فإن سعى السلطات المصرية إلى تغيير «صورة» السياسة المصرية شىء وتغيير السياسة المصرية نفسها شىء آخر... ولكن مصر وضعت نفسها موضع الاختبار مجددا لمعرفة حقيقة ما تنوى. وليس من المتصور أن يغير النظام المصرى مساره دون أن يكون وراء ذلك تحديدا لأهداف مختلفة عن أهدافه فى السنوات الأخيرة.
هل يمكن أن يكون لذلك علاقة بأحكام قضية «خلية حزب الله»؟
الأحرى أن يكون السؤال: هل يمكن ألا يكون لهذا علاقة بتلك الأحكام؟
إن الأيام والأسابيع القادمة كفيلة بأن تجيب عن هذا السؤال.

وقد يكون هناك من يعتقد أن الحكومة المصرية تعدل من سلوكها فى عدد من المجالات نظرا لاقتراب مواعيد انتخابات مجلسى الشورى والشعب فى هذا العام... وبعدهما انتخابات الرئاسة فى العام المقبل. ولهذا يمكن وضع مؤشرات التغيير الجديدة لسياسات الحكم فى إطار يشمل أيضا التحرك المصرى القوى لإثارة مشكلة التواطؤ الغربى (الأمريكى بالدرجة الأولى) مع القوة النووية الإسرائيلية فى الوقت الذى يشدد فيه النكير على برنامج إيران النووى الذى لا يعدو أن يكون حتى الآن برنامجا.

إن عودة مصر إلى إثارة موضوع الملف النووى الإسرائيلى فى إطار اقتراح بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، إنما يعطى مؤشرا قويا إلى رغبة مصر فى العودة إلى أداء دورها التقليدى فى مواجهة إسرائيل... وإن كان ذلك هو نفسه ما تطالب به إيران.

بل إنه من الممكن وضع هذه الملامح الجديدة فى إطار نجاح الحراك السياسى الجديد ومحاولة الحكم التنصل من تجاوزات بعض أعضاء حزبه الوطنى: نعنى الموقف الذى يتخذه الحكم بعد تأخر لم يدم طويلا ضد دعوة هؤلاء الأعضاء داخل مجلس الشعب إلى إطلاق الرصاص على المحتجين فى مظاهرات الشوارع. حتى ليبدو أن قيادات الحزب الحاكم تدعو إلى إجراءات تأديبية ضد هؤلاء الأعضاء.

على أن ربط هذه المتغيرات فى مواقف الحكم بقوة تأثير الحراك السياسى الداخلى بقرب مواعيد الانتخابات وحتى باتجاهات الحراك السياسى الضاغطة فى الظروف الراهنة لا يصمد للفحص طويلا.. بل لا يكاد يصمد للسؤال: هل يستطيع الحكم أن يعود إلى سياساته السابقة قبل هذه المؤشرات على التغيير حينما ينفض «مولد» الانتخابات؟
سيبقى الحكم ومؤسساته التى تدير السياسة الداخلية والخارجية ــ خاصة الحزب الوطنى ــ تحت الملاحظة لفترة طويلة، على الأقل الوقت بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ولن يكون الحكم وحده تحت الملاحظة، إنما ستكون أيضا القوى السياسية التى تطرح نفسها كبدائل له من خلال مطالب الإصلاح الدستورى وإلغاء قانون الطوارئ.

أما مصير أولئك الذين صدرت ضدهم الأحكام فى قضية خلية حزب الله فإنه سيبقى معلقا بالصراع الإقليمى المتعدد الأطراف، الذى يشمل مصر وإسرائيل وسوريا وإيران ولبنان وحزب الله والمقاومة الفلسطينية... والولايات المتحدة بطبيعة الحال.
لكنه معلق بالدرجة الأولى باختيار الحكم المصرى للموقع الذى تفضله مصر لنفسها فى هذا الصراع الإقليمى.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات