نحو هيكلة «فكرية» حقيقية - عصام شيحة - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو هيكلة «فكرية» حقيقية

نشر فى : الخميس 5 مايو 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الخميس 5 مايو 2016 - 9:55 م
لا شك أن قلقا مشروعا ينتاب البعض جراء ما يزخر به المشهد الداخلى من تفاعلات مجتمعية ملتهبة، تشير بقوة إلى قسوة المرحلة الانتقالية التى يمر بها الوطن من عمر عملية التحول الديمقراطى، وهى مرحلة وسيطة بين إزالة نظام فاشى، وترسيخ نظام ديمقراطى.

ذلك أن الدولة المصرية تمر حاليا بمرحلة انتقالية وسيطة، من شأنها أن تدفع بحالة من عدم اليقين إلى الصدور، ما بين مُشكك فى مدى ما قطعته الثورة من خطوات جادة إلى الأمام نحو أهدافها، وبين آخر لديه من المبررات والأسانيد ما يؤكد من خلالها أن عودة إلى الوراء تتم بالفعل.

والواقع أن الأمر على هذا النحو يحمل دلالات قاطعة تؤكد أن استباقا للأمر حدث بالفعل، إذ كان البعض قد رأى، عن غير حق، أن صفحة طويت راحت معها آلام ما قبل الثورة المصرية، بينما الحال أن معاناة الثورات الشعبية إنما تكمن بالأساس فى المرحلة الانتقالية، وليس فى المرحلة الأولى المنوط بها إزالة النظام الفاسد، رغم ما تحمله الأخيرة من أحداث عنف وتوتر إزاء ما يسود المشهد من ضبابية وغموض.

ففى المرحلة الانتقالية الراهنة، يشهد المجتمع صراعا قاسيا بين قيم ورموز وسياسات النظام البائد، وبين القيم والرموز الثورية، ورغبتها فى فرض سياسات جديدة تعبر عن قيم ومبادئ وأهداف الثورة. وتظل الفرص متاحة تتأرجح بين الجانبين، تارة تعلى من شأن الثورة، وتارة ترتد بالطموحات إلى حدودها الدنيا جراء ممارسات من الماضى تعود.

على خلفية ما سبق، وبوضوح شديد ودون مواربة، يمكن رصد ما يدور من صراع محتدم بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، وهو نسخة مكررة، ربما أكثر وضوحا، من اصطدام وزارة الداخلية بنقابة الأطباء منذ فترة قريبة، إلى جانب العديد من الأحداث التى وضعت جهاز الشرطة فى مواجهات صعبة مع الرأى العام، حتى تدخل الرئيس السيسى، طالبا وضع تشريعات جديدة تضبط الأداء الشرطى.

وصراحة لا تنقصنا، إن كنا جادين فى وضع حلول ناجزة، نؤكد بها أن العديد من مؤسسات الدولة باتت فى حاجة مُلحة إلى إعادة هيكلة حقيقية، بيد أننى أزعم أن هيكلة وظيفية لا تفيد، وتحديث إنشائى لا يكفى أبدا؛ ومن ثم فإقصاء عدد من رجال الشرطة ليس هو المقصود، وجلسات مصالحة أيضا لا تشى بأن مأخذا جادا ننتويه، وإنما «هيكلة فكرية» أعنيها ولا بديل عنها، بها نعيد صياغة العقيدة المهنية لكثير من مؤسسات الدولة، بما يتفق وقيم الثورة المصرية.

وليس من شك أن إرادة سياسية جادة، لا يمكن فى غيابها تحقيق الهيكلة الفكرية المنشودة. فليس بعيدا عن مراجعات حقيقية يمكن أن نخطو خطوات واسعة باتجاه ترسيخ نظام سياسى جديد منوط به تجسيد قيم ومبادئ وأهداف الثورة.

وإلى أن تتحقق تلك الرؤية، ليس للبعض منا أن يدفع بالعربة إلى مناطق أكثر خطورة، سواء من باب المزايدة والاتجار بالموقف، أو على سبيل تسوية الحسابات. من ذلك، على سبيل المثال، أن الترويج لأن مؤامرات يتعرض لها الرئيس السيسى شخصيا من جانب بعض مؤسسات الدولة، هو درب قديم لطالما سعينا من خلاله إلى الالتفاف حول الحقائق، خشية الخوض فى مواجهات صريحة. فواقع الأمر أن الرئيس السيسى هو رأس السلطة التنفيذية، وهو رئيس لكل المصريين، وتخليص الحقوق من عنده فى كل مرة يلغى تماما فكرة مؤسسية الدولة؛ ومن ثم فدور واضح ينبغى أن تنهض به السلطة التشريعية، تنتهج فيه ما تُمليه عليها مسئوليتها الوطنية. وقوى سياسية، لطالما ملأت الدنيا صراخا، ليتها تصحو على أجراس الخطر تدق أبواب ثورتنا، فتقدم من الرؤى الوطنية ما تُعلى به من موقعها داخل الرأى العام، وتفرض على الكل قبولها كشريك فاعل وحقيقى فى إدارة شئون الدولة؛ ذلك إذا ما نجحت فى إنتاج أطروحات وطنية تحمل إبداعا سياسيا حقيقيا.

وعليه فإن الأمر لا يتعلق بأطرافه، إلا على سبيل الرمز، فنقابة الصحفيين ما هى إلا الرمز الأصيل للحريات الثورية المكتسبة دستوريا، ومن هنا كان تهافت الكثير من النقابات لدعم موقف الصحفيين. كما أن وزارة الداخلية لطالما حلت ممثلا للدولة فى كثير من المواقف الصعبة أمام الرأى العام، فدفعت الكثير ثمنا لالتزامها حماية النظام، لا حماية الشعب، فيما جسده بامتياز جهاز شرطة حبيب العادلى. أما الآن، ولدينا رئيس منتخب بشعبية كبيرة، ولا تشكيك أبدا فى شرعيته، فإن الأمر جد مختلف، ومن ثم لا مجال إلى إعادة نهج قديم، إلا إذا بررنا ذلك بوقوعنا فى قلب المرحلة الانتقالية الفارقة بين مرحلة إزالة نظام، ومرحلة ترسيخ نظام جديد، بما تحمله من شيوع لحالة عدم اليقين التى تدفع بنا فى اتجاهات شتى، نهرول بغير انضباط بين الماضى والمستقبل.

والواقع أن تفسيرا لما أقصده بالثورة فى مقالى، يمكن أن يشير إلى جوهر القضية. إذ الثورة ما هى إلا ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، وموجتها التصحيحية الهادرة فى الثلاثين من يونيو؛ ومن ثم فكل من يعتبر أن الثلاثين من يونيو قد أتت على حساب ثورة يناير الأم، فهو صوت من الماضى، يستبيح الحريات، ويجابه الطموحات الثورية المشروعة. وبالمثل، كل من يزعم أن الثلاثين من يونيو كانت انقلابا، إنما ينتمى إلى الماضى ذاته، يوم كانت الدولة ممزقة بين نظام مبارك العتيق، وقد أرهق الوطن كثيرا، وجماعة الإخوان المعادية لفكرة الوطن.

لتكن الهيكلة الفكرية هدفا كبيرا أمام الجميع، به نعيد صياغة العقيدة المهنية لكثير من مؤسسات الدولة، على هدى من قيم ومبادئ وأهداف ثورتنا الأم فى الخامس والعشرين من يناير، وموجتها التصحيحية فى الثلاثين من يونيو. وبالتالى نُعلى من شأن سيادة القانون، وننخرط طوعا فى منظومة القيم الإنسانية العالمية. وهى مسئولية جسيمة مشتركة، لا تجد للأسف حرصا كافيا من كثير من أطراف المشهد الوطنى. وعليه ففى حالتنا الأخيرة، ما كان للداخلية أن تهدر الوجه السياسى للأمر، خاصة أن المتربصين كُثر من حولنا، كما أن نقابة الصحفيين ما كان لها أن تتراخى فى تقديم أبنائها ليد العدالة طوعا. من هنا فإن «الهيكلة الفكرية» باتت مطلبا ينبغى أن ينال من الجميع دون استثناء.
التعليقات