كتبت عليكم الكتابة وهى كره لكم...! - هانى هنداوى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كتبت عليكم الكتابة وهى كره لكم...!

نشر فى : الخميس 5 مايو 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 5 مايو 2016 - 10:00 م
كان يعرف أن كتاباته ستضعه محل انتقاد، فلن يسمع كلمات الإطراء التى يحبها، ولن تطارده نظرات الإعجاب الخجولة، بل على العكس سيصلى نارا ذات لهب من الاتهامات التى ربما ينحصر أغلبها فى جملة يتيمة وهى: «إيه الكآبة دى»!

هم يريدون كتابات مبهجة وليست سوداء، هم يريدون نفحات أمل ولو زائفة، هم يريدونك أن تصنع لهم من هذا الواقع البائس جنة من أعناب وزيتون، فقد ضجروا الشقاء، وكرهوا الألم، هم يريدون الكثير شريطة ألا تذكرهم بمعاناتهم اليومية، بل ذكرهم دوما بأن المستقبل مشرق وفاتح ذراعيه.. فهل هم محقون فيما يريدون؟

«القارئ كزبون المحل، دايما على حق».. عبارة يتم تسليمها لك كعهدة إذا ما قررت احتراف مهنة الكتابة، وهذا معناه أن عليك إرضاء القارئ، أن تستمع بإنصات لنصائحه، وإذا ما هاجمك يوما، فلا تقل أف ولا تنهره، بل التزم الهدوء وحدود الأدب، واعلم أنك بلا قارئ، كالغريق الذى يسبح وحيدا فى المحيط.

ولكن لأى قارئ أكتب؟ هل مطلوبا منى أن أرضى الجميع باختلاف أمزجتهم وثقافاتهم؟ لعل أحدهم سيرضى عنى والآخر سيلعننى، فماذا سأفعل وقتها؟ هكذا حدث نفسه قبل أن يحسم أمره بألا يهمل القارئ، وفى الوقت نفسه لن يدعه يستولى على رأسه، «فلن تكون أيها القارئ سيفا مصلتا على عنقى».

لو كتب فى السياسة، سيتهمونه بالانحياز إلى فريق ضد آخر، فإن عارض النظام مثلا، سيصنفونه بأنه من أصحاب الأقلام الهدامة، مأجور، يتصيد الأخطاء، ومدفوع من جهات خارجية، وإن أيد النظام، طواعية وليس مجبورا، سيتهمونه بأنه باع القضية لمصالح ضيقة، اختار السلطة وليس الحقيقة، وقف إلى جوار الباطل، وإن الباطل كان زهوقا.

للسياسة رب يحميها، فليدعها لأصحابها، وليكن اختياره هذه المرة فى الكتابة عن الغد، المستقبل، ولنبدأ بهذه الجملة الافتتاحية: «أبشروا فالمستقبل يحمل لكم الكثير من السعادة، حيث الحريات بلا حدود، والرخاء يعم الأرجاء، و.........»!

قاطعته أفكاره قائلة: «هل تسخر منى، اشطب هذا الهراء فورا، واكتب ما يمليه عليك ضميرك، فقد لعن الله قوما ضاع الحق بينهم، امسك القلم مجددا وسأمليك أنا: الغد مخيف، والقادم أسوأ، ولا أحد يعلم متى تنتهى دولة الظلم، إلى متى سيظل الطغيان مستفحلا، والاستبداد منهجا، لمصلحة من تدهس الحريات، وتكمم أفواه الحقيقة».

مرة أخرى يعود إلى نقطة الصفر، مرة أخرى يرتدى نفس النظارة السوداء التى يكرهها القارئ، مرة أخرى ينزلق إلى منحدر السياسة الذى آثر البعد عنه، فما العمل لعقل لا يريد أن يخضع لهذا القارئ الذى يرغب فى كل ما هو مسل وطريف.

خوفه أن يلقبوه بسيد الكتابات السوداء كان ماثلا أمام عينيه، وخوفه من أن يفقد آخر ما تبقى له من احترامه لذاته كان أيضا هاجسا يؤرق قلبه وعقله، وخوفه من فقدان كل القراء هو بالنسبة له بمثابة نهاية حزينة لمستقبله ككاتب، فما العمل؟ ماذا سيختار؟ كيف سيهرب من هذا المأزق؟

سيدى القارئ، لا تؤاخذنى إن اعترفت لك ــ نيابة عنه ــ بأنه لم يحسم أمره بعد، فأنت صاحب ذوق رفيع، لكنه متنوع، مختلف من قارئ لآخر، وبالتالى إرضاؤك صعب، والفوز بك يتطلب جهدا كبيرا، هو يؤمن حقا أن الكتابة إليك واجب مقدس، ولا يهم إن كانت الكلمات سوداء أو مبهجة، فى السياسة أو الأدب أو الفن، الأهم أن تكون صادقة وغير ملتوية.
القارئ يجب ألا يكون عبئا على الكاتب، بل صديقا له، حليفا وليس عدوا، ولهذا شروط، أولها أن تؤمن بحقه فى المعرفة، فى النقد، فى التوجيه، وإن عزف عنك، راجع نفسك مرارا، ولا تنس أن تخلع نعليك قبل الكتابة، فأنت فى حضرة القارئ...!
التعليقات