هكذا تكلم البابا فرانسيس - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هكذا تكلم البابا فرانسيس

نشر فى : الجمعة 5 مايو 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 5 مايو 2017 - 9:35 م
منذ أن وقعت التفجيرات أخيرا فى الكنائس الثلاث تكلم كثيرون داخل وخارج مصر، أدانوا ونددوا وشجبوا ما حدث، فمصر لم تكن فى يوم من الأيام بهذا التخبط والتضارب فى التصريحات، ولذلك كانت مصر فى حاجة إلى رأى رجل حكيم عركته الأيام تعدى الثمانين متجردا تماما من أى غرض دنيوى، رجل دين وسياسة مشهود له بالتقوى والبساطة بل والشجاعة رفض أن يعتذر عن موعد مسبق له بزيارة مصر على الرغم من نصائح مخابرات دول عظمى، بل هذه النصائح زادته إصرارا ليقف بجوار عائلات الضحايا والكنيسة ويبر بوعده لشيخ الأزهر ليلقى كلمة فى مؤتمر السلام بمشيخة الأزهر.
وقد قال رأيه السياسى فى لقاء رئاسة الجمهورية ورأيه الدينى فى مؤتمر السلام الذى رأسه شيخ الأزهر ورأيه اللاهوتى فى لقائه مع البابا تواضروس. تعالوا بنا نحلل الخطابات الثلاث، لكن قبل أن نحلل هذه الخطابات دعونا نعُد إلى كلماته عن مصر، حيث قال: «مصر مصدر العديد من البركات حتى اليوم ونشعر أنها أُمنا، فمصر أم الدنيا»، «مصر جريحة فى أرضها، صلوا من أجلى كحاج لأجل السلام فى مصر». فى الجملة الأولى تحدث عن قيمة مصر التاريخية وبُعدها العميق فى الزمن الإنسانى وحضارتها التى تمتد لسبعة آلاف عام وهى بهذا التصوير أم الدنيا فعلا، ففجر الضمير بزغ من أرضها على حد قول هنرى بريستيد، هذه الأم جريحة فى أرضها، لقد سالت دماء المصريين على أرض مصر بسبب أفكار خائبة وتفسيرات أخيب للقرآن الكريم وأحاديث الرسول.
***
من هنا جاءت أهمية أن نعرف تصور البابا فرانسيس فى هذه الحالة المصرية ولنبدأ بحديثه فى مؤتمر السلام برئاسة شيخ الأزهر:
فى بداية الكلمة يقول: «لقد استلهمت كلمتى من تاريخ هذه الأرض التى تجلت عبر التاريخ كأرض حضارة وأرض عهد»، وقد تحدث عن حضارة مصر وتألق نور المعرفة فيها، والذى أنبت تراثا لا يقدر بثمن فى علم الرياضيات والفلك وبأشكال بديعة فى الهندسة والرسم، ولقد كان للمصرى القديم خياران ينبعان من السلام ويهدفان إلى السلام ليبنى بهما الحضارة؛ هما التربية والتعليم لأنه ما من سلام دون تربية مناسبة للأجيال الصاعدة، وما من تربية مناسبة للشباب إذا لم يكن التعليم الذى يوفر لهم ممارسة الطبيعة الإنسانية من خلال الكائن المنفتح على الآخر والقادر على إقامة علاقات مع كل المحيطين به. فالتربية تتحول إلى حكمة حياة فى الواقع حيث يقدم الإنسان أفضل ما عنده فتتكون هويات غير منطوية على ذاتها. كما يقول: «الحكمة تبحث عن الآخر الذى هو جزء لا يتجزأ من الذات وهنا يرفض الإنسان التعدى والعنف ويركز على كرامة الإنسان وعلى أخلاقيات تليق بالإنسان».
ثم قدم ثلاثة توجهات رئيسية تساعد على الحوار الخلاق ونتائجه، وضرورة الهوية؛ أى التأكيد على هوية أطراف الحوار ثم شجاعة الاختلاف وأخيرا صدق النوايا، ذلك لأنه لا يمكن تأسيس حوار حقيقى على أساس من الغموض أو التضحية بما هو صالح أو بالهوية من أجل إرضاء الآخر، وشجاعة الاختلاف تعنى أنه لا يعنى أن أعامل من هو مختلف عنى ثقافيا أو دينيا كعدو بل أقبله كرفيق درب باقتناع حقيقى، فخير الفرد يكمن فى خير الجميع وصدق النوايا يعنى أن الحوار تعبير أصيل للإنسان وليس استراتيجية لتحقيق غايات ثانوية، فهو مسيرة حق تستحق أن نتبناها بصبر، كما أن صدق النوايا فى الحوار يحول المنافسة إلى تعاون، فالحوار الصادق مع الآخر المختلف مع الاعتراف بحقوقه وحرياته خاصة الدينية منها تشكل الطريق الأفضل لبناء المستقبل معا.
هكذا نكون بناة حضارة لأن البديل هو البربرية والكراهية والعنف وأنه يجب عدم خلط الدين بالسياسة لأن ذلك يفسد الاثنين، فى قلب الوصايا العشر لموسى جاءت وصية «لا تقتل» ومنها نتعرف على الله المحب للحياة الذى لا يكف عن حب الإنسان ويحثه على مواجهة طريق العنف كشرط أساسى لأى عهد على الأرض. وعلينا أن ندرك أنه ما من عنف يمكن أن يرتكب باسم الله، بل إن العنف يدنس اسمه فلا موافقة بين العنف والإيمان، وبين الإيمان والكراهية.
***
أما الخطاب السياسى فكان فى لقائه بالرئيس السيسى، وقد بدأ خطابه بالآثار الفرعونية التى تتحدى العصور وكيف ورد اسم مصر فى الكتاب المقدس عدة مرات؛ فعلى أرضها تحدث الله لموسى وأعلن اسمه وأعطاه الوصايا الإلهية، وقد استضافت مصر العائلة المقدسة ومازالت حتى اليوم ترحب باللاجئين من السودان وإريتريا والعراق وسوريا وتحاول أن تدمج اللاجئين بجهد كبير. إن دور مصر السياسى فى الشرق الأوسط هو تفادى العنف الأعمى والتصدى لتجار الأسلحة والتطرف الدينى اللذين يتسببان فى مجازر مريعة، وعليها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية كواقع ملموس على الأرض وذلك إذا توحد الجميع ليحولوا القوانين المكتوبة إلى قوانين مفعلة، وهذا سوف يقوى ويعزز السلام فى المنطقة. إن مصر جريحة على أرضها نتيجة هذا العنف.. تبكى ــ ونحن معها ــ أولادها الذين قدموا أنفسهم لأجل سلامة بلادهم ضحايا الشرطة والجيش والشعب ومجهولون سقطوا نتيجة أعمال عنف مختلفة. أتذكر هنا القتل والتهديد وتهجير المسيحين فى شمال سيناء، أتذكر السلطات المدنية والدينية الذين قدموا لهؤلاء الناس ولضحايا الهجمات ضد الكنائس المعونة وأقدم لأقاربهم التعزية وأصلى لأجل الجرحى.
سيادة الرئيس أشجع جرأتكم فى العديد من المساعى للمشاريع والمبادرات لصالح السلام فى البلاد وخارجها والوصول إلى التنمية والازدهار، إنها خبرات لا يمكن التنازل عنها وتستحق التضحية، ويتطلب منكم هذه المنهجية الثابتة تحقيق حقوق الإنسان وحرية الدين والتعبد دون تمييز والمساواة والاهتمام الدائم بكرامة الإنسان وصحته الجسدية والنفسية.
تتجلى عظمة كل أمة فى الاعتناء بالأكثر ضعفا من المسنين والمرضى والأقليات أمام مشهد عالمى فى غاية الحساسية فلا يمكن بناء الحضارة دون التبرؤ من أيدولوجية الشر والعنف، وكل تفسير متطرف يهدف إلى إفناء الآخر باسم الله القدوس. وأنت يا فخامة الرئيس تكلمتم عن هذا كثيرا. إن من واجبنا جميعا أن نعلم الناس أن الله لا يحتاج إلى حماية من البشر، فالرب هو الذى يحمى البشر والرب لا يرغب مطلقا فى موت أبنائه، بل يرغب فى سعادتهم هو لا يقبل العنف بل يرفضه وينبذه، إن الإله الحقيقى هو إله الحب والرحمة والأخوة بين المؤمنين وغير المؤمنين.
إن التاريخ لا يغفر لمن يتحدث عن العدالة ويمارس الظلم، إن التاريخ لا يغفر لمن يتحدث عن المساواة وينفى الآخر، سيادة الرئيس قد قلت لى منذ قليل: «إن الرب هو رب الحرية» وهذه هى الحقيقة، لا يمكن الجمع بين الإيمان والعنف، بين الله وأفعال الموت. التاريخ يكرم صانعى السلام، طوبى لصانعى السلام. إن مصر التى أنقذت العالم من مجاعة الخبز قديما مطلوب أن تنقذ العالم الحالى من مجاعة المحبة والأخوة، مصر مطلوبة لإزالة كل أشكال العنف والإرهاب والظلم الإنسانى، تبنى السلام بيد وبالأخرى تحارب الإرهاب لتثبت أن الدين لله والوطن للجميع. نحتاج إلى قوة القانون وليس قانون القوة.

***
فى خطابه الثالث فى الكاتدرائية المرقسية قال: فى اليوم الذى حدث فيه الهجوم عشناه معكم وتأثرنا بل تألمنا جدا، أتذكر العلاقات بين القديس بطرس والقديس مرقس وزيارة البابا شنودة للفاتيكان، نحن لدينا إله واحد نعبده جميعا. لا يمكن أن ننظر إلى المستقبل وكل واحد منا فى طريقه لكن يجب أن نوحد طريقنا وأن نكون متعاونين وراء تعليمه على مر العصور التاريخية. إننا نعبد إلها واحدا وحقيقة واحدة. إن مهمتنا تقوم وتعمل على توطيد وتعميق ونمو العلاقة بين الإنسان والرب وهذه نقطة الإنطلاق التى ننطلق منها جميعا.
إن مسيرة حياتنا كمسيرة الرسل الأوائل ليست سهله لكننا لسنا وحدنا فكل يوم ندفع بالشهداء الذين يمثلون صورة حية للتضحيات، إن لقاءنا هذا كلقاء القديسين بطرس ومرقس ومن تعاليمهما وتعليم يسوع المسيح معا، نحن مطالبون أن نقدم إيماننا للعالم لأن تواجد السيد المسيح هو قول وفعل نستمع لكلمات الآباء الأرثوذكس ونشعر بتعاليم السيد المسيح ونستحضر الشعور الرسولى من نحو الكنيسة ووحدتها. إن حياة الكنيسة قامت على الشهداء فى هذه الأرض حيث نرى الإله وقد تجلى على جبل سيناء، إنه نفس الرب الذى رتب لنا هذا اللقاء اليوم فى طريقنا نحو الحرية والسلام وهو الذى صاحب المسيح إلى هذه الأرض وقام بحمايته وهنا نحكى عن الاتحاد بين الإلهى والإنسانى فى تناغم شديد.
شكرا قداسة البابا فرانسيس، كلماتك خريطة طريق لمصر؛ لقد عبَّرت عن المصريين بكل فئاتهم كما لم يعبر أحد من قبل، اهتمامك الشديد والعميق بالحالة المصرية أثلج صدورنا وأبهر عقولنا وخفقت على نغماته قلوبنا.

 

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات