أى فصل للدين عن السياسة؟ - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أى فصل للدين عن السياسة؟

نشر فى : الجمعة 5 مايو 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 5 مايو 2017 - 9:35 م
من أكثر الشعارات طرحا فى أيامنا الحالية شعار فصل الدين عن السياسة، وبالطبع فإن وراء هذا الطرح المتعاظم ما فعله الجنون الجهادى التكفيرى بالمجتمعات العربية والإسلامية من تشابك الدين بالسياسة فى أسوأ وأخطر صورة. لكن طرح هذا الشعار سيحتاج إلى توضيحات وإلى بناء نظرى متماسك مقبول من غالبية الناس، وإلا فإنه سيعالج صراعات سياسية عبثية خطرة بإدخال العرب والمسلمين فى متاهات وصراعات فكرية وثقافية أخطر من تلك التى يعالجها.

***
من البداية دعنا نستذكر بأن علاقة الدين بالسياسة لم تحسم بعد، حتى فى الدول الديمقراطية العريقة، وكتوضيح لذلك لنأخذ الولايات المتحدة الأمريكية مثالا، هنا سنأتى بموقفين متواجهين من قبل شخصيتين أمريكيتين شهيرتين. ففى الستينيات من القرن الماضى رشح جون كيندى نفسه لخوض انتخابات رئاسة الدولة الأمريكية. ولأنه كان كاثوليكيا طرح الكثيرون عليه هذا السؤال بقوة وإصرار: هل ستؤثر قناعاتك الدينية الشخصية بشأن بعض القضايا ــ من مثل موضوعى الإجهاض والزواج المثلى ــ على مواقفك وقراراتك كرئيس للجمهورية؟ فى خطاب طويل شهير أجاب بالنفى التام وبأن القناعات الدينية لكل الناس يجب أن تبقى بعيدة عن المناقشات السياسية العامة.
لكن، بعد نحو خمسين سنة، عندما طرح السؤال نفسه على باراك أوباما، قبل وبعد نجاحه فى الانتخابات، كان الجواب مختلفا. لقد استشعر أوباما التوق الروحى، وبالتالى الدينى، فى أعداد هائلة من المواطنين الأمريكيين، هذا التوق الذى يحتاج إلى أن يعبر عن نفسه كجزء من الصوت السياسى، قال الرئيس أوباما بأنه يشعر بأن صخب الحياة الأمريكية اليومية، بدون قيم أخلاقية روحية وبدون أهداف غير مادية وحسية، تجعل حياة الأمريكى خاوية. ولذا فمن واجب التقدميين ــ الذين يطرح بعضهم حيادية الدولة فى الشئون التى تعارف عليها الناس بأنها قيمية وأخلاقية ــ ألا يتجاهلوا «الخطاب الدينى»، بل عليهم أن يتعاملوا مع هذا الحقل برفق وزمالة.
لم يكن ذلك الطرح شعاريا انتهازيا، بل كان طرحا فكريا سياسيا. ذلك أن طرح موضوع القيم والفضيلة فى الحياة السياسية يؤدى فى الحال إلى طرح موضوع العدالة والصالح العام فى حياة المجتمعات والبشر.
إضافة إلى ذلك فهذا الطرح من قبل أوباما يشكك فى صواب مدرسة «الحيادية الليبرالية» التى تنادى بإعطاء الحرية الكاملة للفرد لكى يختار هو وحده فقط بدون رقيب أو حسيب ما يعتقد أنه صالح له ومفيد لحياته. إنه طرح يرفض أقوال المدرسة الفلسفية النفعية، التى تقول بأن كل ما هو نافع للفرد فهو عادل حتى ولو كان على حساب الآخرين والمجتمعات والبيئة، أى الفردية المطلقة فى أقصى جموحها.

***
الواقع أن الحديث هنا عن القيم والأخلاق الروحية لا يقتصر على السياسة فقط، بل يتعداه إلى حقل الاقتصاد. إنه رد على الفلسفة الرأسمالية النيوليبرالية المنادية بالحرية التامة، غير المنقوصة وغير المنضبطة من قبل تدخلات الدولة، للأسواق.. مثل الفردية المطلقة يجب أن يكون السوق.. كلاهما أحرار فيما يقررانه، باطلا أو حقا أو عادلا.
وبالطبع فإن هكذا سياسة وهكذا اقتصاد سيؤديان إلى حياة الغاب، حيث القوى يأكل الضعيف، وإلى غياب تام لمبدأ الصالح العام. ولذلك تجرى نقاشات طويلة ومعقدة بشأن هذا الموضوع سواء فى اجتماعات الحزبين، الجمهورى والديمقراطى، أو فى الدوائر الأكاديمية. فانعكاسات أخذ وجهة النظر هذه أو تلك ستكون هائلة على حياة الإنسان العادى.
إذا كان مثل هذا الموضوع لايزال فى طور الأخذ والرد فى مجتمع استقر فيه النظام الديمقراطى إلى حد كبير، فكيف بمحاولة الوصول إلى نتائج حاسمة فى مجتمع عربى لايزال يحبو فى انتقاله إلى الديمقراطية؟
نحن نشير إلى ذلك لجلب الانتباه إلى ضرورة درس الموضوع دراسة معمقة، بعيدة عن الغضب العارم الذى يجتاح الوطن العربى من جراء الممارسات الوحشية للجماعات الجهادية التكفيرية، لتحدد معانى الكلمات المطروحة، وتأخذ بعين الاعتبار التاريخ والثقافة والتوق الروحى الإنسانى، وتنقل المجتمعات العربية إلى عوالم المشترك المواطنى والإنسانى التضامنى، وتتعلم من تجارب الآخرين، وتهدف فى النهاية إلى عالم يسود فيه العدل والمساواة، وتتوازن فيه الحقوق والمسئوليات، ويتناغم الربانى مع البشرى.

إنها مهمة صعبة ومعقدة، ولكنها ضرورية ونحتاج إلى حملها ومواجهتها بأمانة وصلابة.

 

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات