«حمير» توفيق الحكيم! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«حمير» توفيق الحكيم!

نشر فى : الجمعة 5 مايو 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 5 مايو 2017 - 9:40 م
مازلتُ على قناعتى بأننا ــ دائمًا ــ فى حاجة متجددة إلى النظر فى أعمال روادنا الكبار (طه حسين، عباس العقاد، المازنى، توفيق الحكيم، محمد حسين هيكل، أحمد أمين، أمين الخولى،.. وآخرين) ليس فقط من باب المعاودة لذاتها بل من باب القراءة المنتجة والمتجددة لأعمالهم؛ أدبا وفكرا وفنا وثقافة، هذا من جانب. ومن جانب آخر، لضرورة التنبيه إلى هذه الأعمال وإتاحتها فى طبعات جديدة عصرية، كل فترة زمنية (أقدرها بين خمس وعشر سنوات)؛ لأن جيلا بل أجيالا جديدة من حقها أن توضع هذه الأعمال بين أيديها، وأن تكون تحت أنظارهم وفى دائرة قراءاتهم القريبة.
ولهذا، فدائما ما أتحمس لدى صدور طبعة جديدة تحمل توقيع واحد من هؤلاء الرواد، وبخاصة إذا كان عملا فريدا أو يحمل قيمة من نوع خاص (فنية، تاريخية، سياسية..). تجدد هذا الشعور وأنا أمسك بنسخة من كتاب الحكيم الشهير المثير للجدل «الحمير» الذى أعادت دار الشروق إصدار طبعة جديدة منه، ضمن خطتها الشاملة لإعادة طبع وإصدار كنوزها الفكرية والثقافية والأدبية لكبار الكتاب والمؤلفين؛ فى مصر والعالم العربى، وفى مقدمتهم توفيق الحكيم.
وليس جديدا أن توفيق الحكيم (1898ــ1987) هو رائد فن المسرح فى الأدب العربى الحديث بلا جدال، وأحد رواد الثقافة العربية فى القرن العشرين، كتب الرواية والمسرحية والقصة القصيرة والمقالة والتأملات الفلسفية، وترجمت أعماله إلى لغات عديدة. هجر دراسة القانون التى سافر من أجلها إلى باريس ليرجع أستاذًا جامعيًّا، واستبدل بدرجة الدكتوراه عشق الفن والتفرغ الكامل لتذوقه ودراسة نماذجه. كما انصرف عن حياة «وكيل النيابة» المعتادة ليرى ما تحت السطح من حياة الريف المصرى.
ترك ما يزيد على السبعين كتابًا، وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1961، من أشهر أعماله «عودة الروح»، و«يوميات نائب فى الأرياف»، و«عصفور من الشرق»، و«الرباط المقدس».. وفى المسرح «أهل الكهف»، و«السلطان الحائر»، و«شهر زاد»، و«بجماليون».. سجل سيرته الذاتية وذكرياته الفنية فى أكثر من كتاب، أشهرها «سجن العمر» و«زهرة العمر». ظل يشغل الحياة الثقافية العربية باجتهاداته وطروحاته المتنوعة فى الفكر والفن والأدب والحياة إلى أن توفى فى يوليو عام 1987.
حين كتب توفيق الحكيم هذه المسرحيات الأربع القصيرة، ودفع بها للنشر فى الصحف آنذاك (سبعينيات القرن الماضى)، رأى رئيس تحرير الصحيفة حرجًا شديدًا فى نشرها وحبسها لديه فى الأدراج! خصوصا المسرحيتين الأوليين «الحمار يفكر» و«الحمار يؤلف» حبسهما رئيس التحرير المسئول فى مكتبه حبسا طويلا دون أن يرى أنه من الممكن نشرهما أبدا!
ثم ظهرت المسرحيات الأربع القصيرة فى كتاب واحد بعنوان «الحمير»، يجمعها سياق واحد يدور حول الرمز، الذى برع الحكيم فى توظيفه بصورة فنية بديعة ورائعة، كما هى عادته فى روائعه المسرحية جميعا، يقول وكأنه لم يقل شيئًا على الإطلاق! على طريقة المثل الشعبى اللمّاح «الحدق يفهم»، يمرر الحكيم رسائله الإنسانية وتأملاته فى النظم الاجتماعية والسياسية بصورة بارعة، ذكية، تثير الخيال وتمتع الوجدان وتطرب النفس.
عبر هذه النصوص المدهشة، يقول الحكيم إن جوهر شعبنا على الدوام سليم لم يمس، وأن معدنه نفيس، والجوهر الخالد والمعدن النفيس ضد الزيف، وكما أنه لا يمكن الدفاع عن الصحة بالتستر على المرض، كذلك يجب الدفاع عن سلامة المستقبل بالكشف عن كل ما قبله.. ولا قيمة لحياة بغير وعى، هذا هو الدرس الأهم لهذه النصوص التى تستحق قراءة واعية من خلال هذه الطبعة الجديدة من «الحمير»!
لم يكن توفيق الحكيم يخفى إعجابه الكبير بالحمير وبعالم الحمير؛ وكان يتعامل معها باعتبارها «المعادل الرمزى» الأمثل للهروب من سماجات الرقابة وفظاظة الرقيب. كان «الحمار» هو القناع الذى يهرب به من القيود والسدود والموانع! يطرح أفكاره وتأملاته فى تجارب الحياة والأنظمة السياسية والاجتماعية ببساطة ويسر ويدير عبر تأليفه المسرحى الفذ حوارات خالدة لا تنسى، تطرح السؤال وتفترض الفروض وتبحث عن إجابات وتفتح الأفق لأقصى احتمال فى التفسير والتأويل.
ولا أمل من التذكير والإشارة إلى ضرورة إحياء وبعث نصوصنا الفكرية والثقافية؛ المحرضة على التفكير والسؤال والنقد؛ لن ينصلح الحال ولن نصل إلى أول الطريق إلا إذا اتخذنا طريق العقل، وكل ما نحن فيه الآن ونتخبط فى ظلماته ــ وعلى ما يبدو لفترة غير قصيرة ــ بسبب غياب أو تغييب هذا العقل، عمدا، وتعطيله عن ممارسة أدواره التى خلقه الله من أجلها؛ ولن أكف عن ترديد صرخة يوسف إدريس الموجوعة «أهمية أن نتثقف يا ناس!».