من مشاهد الساعات الماضية.. الرداءة تحاصرنا - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من مشاهد الساعات الماضية.. الرداءة تحاصرنا

نشر فى : الجمعة 5 يونيو 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 يونيو 2015 - 9:30 ص

مشهد أول ــ تتواتر أنباء اختفاء بعض المواطنات والمواطنين الشباب المعروف عنهم رفض انتهاكات حقوق الإنسان والحريات ومعارضة السلطوية الحاكمة، وتدريجيا يتضح توقيفهم واحتجازهم من قبل الأجهزة الأمنية دون أسباب معلومة.

مشهد ثان ــ تمنع الأجهزة الأمنية فى مطار القاهرة مواطنا مصريا من المدافعين عن الديمقراطية من السفر إلى العاصمة الألمانية برلين، وتحول بذلك بينه وبين المشاركة فى حلقة نقاشية علنية بالبرلمان الألمانى بشأن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر.

مشهد ثالث ــ بين أماكن تجمع مؤيدى السلطوية الحاكمة فى شوارع العاصمة الألمانية، وأماكن تظاهرات مؤيدى جماعة الإخوان المسلمين، وأماكن وقفات الأعداد المحدودة من المصريات والمصريين الذين يرفضون انتهاكات الحقوق والحريات ويطلبون ديمقراطية تخلص المواطن والمجتمع والدولة من شرور السلطوية ومن كارثة الخلط بين الحكم والدين ويشارك فى وقفاتهم رمزيا بعض الألمان؛ بين هذه الأماكن تدور كاميرات القنوات التليفزيونية الألمانية وتسجل هيستيريا الهتاف والغناء بين مؤيدى السلطوية الحاكمة وهيستيريا الصراخ بين مؤيدى جماعة الإخوان، وتوثق لعجز الطرفين عن التواصل العقلانى مع الآخر ولابتعادهم عن قيم ومبادئ الإنسانية المعاصرة التى تدين جميع ممارسات الظلم والقمع والتمييز، وتوثق على الهامش أيضا لحضور لغة تخاطب موضوعية وهادئة وراقية بين معارضى السلطوية ورافضى الحكم الدينى ــ على الهامش ﻷن أعداد هؤلاء المحدودة دفعت بالكاميرات بعيدا عنهم، مع أنهم يجسدون أجمل ما فى المصريات والمصريين من أمل فى الديمقراطية والعدل والمساواة والحرية وفى الالتحاق بالإنسانية المعاصرة.

مشهد رابع ــ فى المؤتمر الصحفى المشترك بين الضيف المصرى وصاحبة البيت الألمانية، يقاطع إعلاميو وصحفيو السلطوية الحاكمة ــ الذين تم اصطحابهم كمؤيدين للسلطوية وليس كباحثين عن المعلومة والحقيقة ومصادر بشرية لتغطية الأحداث موضوعيا وتوعية الرأى العام ــ كلمة الرئيس المصرى بوصلة تصفيق حاد تكسر قواعد البروتوكول الرسمى الألمانى التى تقضى بعدم تردى المؤتمرات الصحفية للمسئولين إلى احتفاليات تأييد، وتعصف بالجوهر الديمقراطى للعلاقة بين المسئولين وبين الإعلاميين والصحفيين والمتمثل فى التزام المسئول بالشرح العلنى لأفعاله وممارساته وسياساته وبمخاطبة الرأى العام موظفا الإعلام والصحافة وفى التزام الإعلاميين والصحفيين بالانتصار لحق الناس فى المعرفة بتوجيه الأسئلة الموضوعية والدقيقة للمسئولين والبحث عن معلومات بشأن القضايا التى تشغل الرأى العام وإلقاء الضوء على ما يحال رسميا إلى خانات المسكوت عنه، وجميع ذلك يستدعى استقلالية الإعلاميين والصحفيين وليس استتباعهم كمؤيدين للمسئولين ومزيفين لوعى الناس.

مشهد خامس ــ فى المؤتمر الصحفى المشترك أيضا، تخرج سيدة عن القواعد البروتوكولية حين لا يسمح لها بالحديث وتصرخ مهاجمة لفظيا الرئيس المصرى على خلفية انتهاكات الحقوق والحريات وقبل أن يقتادها الأمن الألمانى بعيدا عن المكان يهب إعلاميو وصحفيو التأييد للصراخ الجماعى فى وجه السيدة الوحيدة ولتهديدها بلغة جسد عنيفة ومتوعدة وكأنهم من رجال الأمن أو من عناصر الحرس الرئاسى الشخصى، تسجل الكاميرات لحظات المواجهة وتنشرها القنوات التليفزيونية ووكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية مدللة على الجروح الغائرة التى ألحقتها وتلحقها المظالم والانتهاكات بمصر مواطنا ومجتمعا ودولة وعلى بؤس مؤيدى السلطوية الحاكمة الذين تفقدهم هيستيريا التبرير المستمر للظلم وللقمع القدرة على التزام لغة تخاطب هادئة وعلى تفضيل الحوار العقلانى أيضا فى وجه الاستفزازات وتختزلهم الرغبة فى التماهى مع الحاكم الفرد إلى كتلة جماعية صارخة تضيع هوياتها الفردية وتتعطل قيمها الأخلاقية والإنسانية.

ثقوا أن هذه المشاهد الرديئة التى تحاصرنا لن تصنع أبدا مشاهد النهاية الحزينة لحلمنا المشروع بمصر العادلة والديمقراطية والمتقدمة والملتحقة بالإنسانية المعاصرة، وأن الرداءة حتما ستنزوى ومآلها النهائى هو الرحيل مع جميع رموزها ومؤيديها، شأنها هنا شأن طيور ظلام السلطوية ومبررى ضجيجها الفاسد وشأن مروجى الحكم الدينى والمتغافلين عن مظالمه وانتهاكاته وتمييزه.

غدًا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات