انسحاب أمريكا أم صعود الصين؟ - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انسحاب أمريكا أم صعود الصين؟

نشر فى : الإثنين 5 يونيو 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الإثنين 5 يونيو 2017 - 9:40 م

شهدت الساحة الدولية فى الأسبوع الماضى حدثين مهمين، الحدث الأول كان ما جاء على لسان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من ضرورة اعتماد أوروبا على نفسها وعدم اعتمادها على الآخرين. والحدث الثانى كان إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ. وتأتى أهمية هذين الحدثين لما لهما من تداعيات منتظرة على مجمل العلاقات الدولية بصفة عامة، وعلى مثلث العلاقات الأوروبية/ الأمريكية/ الصينية بصفة خاصة.
وقد جاءت هذه التطورات فى أعقاب لقاء ترامب بقادة حلف شمال الأطلنطى المعروف باسم الناتو فى بروكسل، ثم بزعماء مجموعة الدول الصناعية السبع بجزيرة صقلية بإيطاليا. وكان واضحا من البداية التوجه الجديد للسياسة الأمريكية الخارجية من ضرورة تحمل الحلفاء لنصيبهم الكامل فى تكاليف الدفاع عن القارة الأوروبية، وهو ما سبق أن اتخذ الحلف قرارا بشأنه فى عام ٢٠١٤ من اعتماد كل دولة ٢٪ من إجمالى دخلها القومى بحلول عام ٢٠٢٤ لميزانية وزارة الدفاع لديها. ورغم أن هذا التاريخ مازال بعيدا، فقد قام ترامب بتقريع قادة الحلف بأن خمس دول فقط من ثمانية وعشرين دولة استوفت معيار الـ ٢٪. وفى حقيقة الأمر فقد كان هذا التقريع العلنى يستهدف فى المقام الأول إشباع رغبة الناخب الأمريكى الذى صوت لصالح ترامب ووعوده بأن لا يكون الدفاع عن أوروبا على حساب الاقتصاد الأمريكى، وأن أمريكا ليست على استعداد أن تتحمل نفقات الدفاع عن غيرها، سواء كان ذلك فى كوريا أو الخليج أو حتى فى أوروبا.
إذن كل ما قيل حتى الآن كان متوقعا ومتسقا مع سياق الحملة الانتخابية لترامب وما تعهد به الرجل. ولكن ما كان ليس متوقعا أو منتظرا هو ما لم يذكره ترامب ويؤكد عليه خلال اجتماع حلف الناتو هذا. فترامب الذى كان واضحا ومباشرا فى العديد من القضايا والمسائل، لم يجدد التزام بلاده بمبدأ الدفاع الجماعى الذى يقوم الحلف عليه ويعتبر سبب وجوده. وهو الالتزام الذى يبعث الطمأنينة فى صفوف الحلف على ضوء ما ينتاب أعضاءه من هواجس حقيقية أو مفتعلة بشأن النوايا التوسعية لروسيا. خاصة أن ما حدث فى أوكرانيا وقبله فى جورجيا ما زال حاضرا فى الأذهان.
ومن سخرية القدر أن يتزامن ما سبق مع الذكرى السبعين لإطلاق مشروع مارشال الشهير فى ٥ يونيو ١٩٤٧. وهو المشروع الذى سمى على اسم صاحبه وزير الخارجية الأمريكى آنذاك جورج مارشال الذى أعلن عنه فى خطاب له بجامعة هارفارد الأمريكية. وكما هو معروف فإن ١٨ دولة فى غرب أوروبا، قد استفادت من هذا المشروع بعد أن رفضته دول شرق أوروبا الخاضعة للنفوذ السوفيتى وقتئذ. وقد قدمت الولايات المتحدة فى إطار هذا المشروع مساعدات بقيمة أربعة مليارات دولار على مدى أربع سنوات، ١٩٤٨ ــ ١٩٥٢، كان الهدف المعلن منها هو إعادة بناء الاقتصاديات الأوروبية الخارجة للتو من آثار الحرب العالمية الثانية. وتأتى المفارقة التاريخية هنا من شكوى ترامب من تدفق السيارات الألمانية على السوق الأمريكية وما تشكله من منافسة لصناعة السيارات الأمريكية، وهى نفس السيارات الألمانية التى تدين بالفضل لمشروع مارشال فى إنقاذ صناعاتها من الدمار والخراب الذى لحق بها أثناء الحرب العالمية الثانية. إلا أن القيمة الحقيقية لمشروع مارشال لم تكن فى قيمة المساعدات الاقتصادية المقدمة وقيامها بإنقاذ الصناعات الأوروبية وعلى رأسها الصناعات الألمانية، ولكن فى كونها تدشينا للشراكة الإستراتيجية التى نشأت بين الدول الأوروبية وبين الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الشراكة التى دامت لسبعة عقود وأصبحت محل شك ومراجعة الآن.
على جانب آخر، لم يقتصر التباين والخلاف فى الرؤى بين الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا من ناحية وبين الولايات المتحدة من ناحية أخرى على موضوعات التجارة والأمن الجماعى فقط، ولكنه امتد ليشمل موضوعا آخر يعد من أبرز النجاحات للدبلوماسية الدولية وهو اتفاقية باريس للمناخ. وجاء إعلان ترامب عن انسحاب بلاده منها ليزيد من شقة الخلاف بينه وبين شركائه الأوروبيين، ويلقى بمزيد من الشكوك حول رغبة أو قدرة الولايات المتحدة على تحمل أعباء الزعامة الدولية التى كانت تضطلع بها حتى الماضى القريب، ليصبح جليا أن واشنطن تنوء بحملها المتزايد وعلى استعداد للتخفف منه حتى لو كان ذلك يعنى تخليها عن دور الزعامة الدولية.
وعلى الجانب الآخر، فقد سارعت الصين بعد الإعلان الأمريكى عن تجديد التزامها باتفاقية باريس للمناخ. وبدأ الحديث عن استعداد الصين لملء الفراغ الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة من موضوعات البيئة وتغير المناخ وإضلاعها (أى الصين) بالقيادة الدولية فى هذه الموضوعات. فإذا أضفنا لما سبق ما قامت به بكين منذ عدة أسابيع بالإعلان عن حزمة من المنح والمساعدات تقدر بنحو مائة وخمسين مليار دولار فى إطار مبادرتها الخاصة بطريق الحرير الجديد، فإن ذلك لا يعنى سوى أن الصين على استعداد لتحمل التكلفة الاقتصادية للعب دور أكبر على الساحة الدولية، وهو عكس ما تقوم به الولايات المتحدة حاليا. النتيجة المباشرة هو تنامى الحديث فى العديد من العواصم الأوروبية وخاصة برلين عن أهمية مناقشة شراكة جديدة مع الصين. فهل تشهد الأيام والأسابيع المقبلة بدايات بزوغ التنين الصينى وأفول النسر الأمريكى؟ أم تشهد نمطا جديدا فى العلاقة بين الصين وأوروبا وأمريكا؟ هذا ما ستجيب عليه الأشهر والسنين المقبلة.

التعليقات