لكن الشعوب ترفض الحرية - محمد موسى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لكن الشعوب ترفض الحرية

نشر فى : الثلاثاء 5 يوليه 2016 - 8:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 6 يوليه 2016 - 9:29 ص

أرجو أن يغفر الله لمن ارتكبوا مثلى هذه الخطيئة المتكررة فى أيام الشهر الفضيل، فأضاعوا أوقاتا ثمينة فى ساحات المصارعة والملاكمة وعبادة الأوثان، على مواقع التواصل.


السبت الماضى أهدرت اليوم فى تتبع ردود الفعل بموقعى تويتر وفيسبوك، على موضوعين فقط: شكوى شابة فاضلة من التحرش فى شوارع القاهرة، والرد على مقال يسرى فودة بموقع دويتشه فيله.


لا أكتب لأشارك فى تقييم الشكوى أو المقال، لكن لأتتبع مسارات العقول المصرية وهى تتناطح بالأوهام، وترفث وتفسق وتغتاب، وتدافع عن الأصنام فى عز الصيام.


صاحبة شكوى التحرش كتبت تفاصيل مؤلمة لمضايقات تتعرض لها أى بنت فى المواصلات والشوارع. وحمى وطيس الجدل بأكثر من ألفى تعليق، حلق معظمها بعيدا عن القضية، ليتهم البنت بأنها كذابة وممثلة، ومندوبة دولة قطر والإخوان لهدم الاستقرار، والإساءة لسمعة الرجل المصرى فى المحافل، فى «سيناريو إخوانى مقيت».


لكن بعضهم يُحمّل المسئولية للنظام، «فالفوضى الأخلاقية هى أحد توابع الانقلاب، وعندما يزول ستعود الأخلاق». ولما نقل أحدهم شكوى سائحة من تحرش فى أسوان، جاءه الرد الغاضب: «ما تجيبش سيرة النوبة على لسانك، إنهم أشرف وأنضف ناس فى بلدك».


نرتاح إذن، لأن «دول الخليج كلها تحرش»، كما توصل مندوبو الدفاع عن أصنام بأسماء الدولة والعرق والطائفة. و«تحيا مصر تحيا مصر، من الآخر هى جاسوسة».


ليست وحدها الجاسوسة، فبعد أقل من يوم على نشر موقع دويتشه فيله مقال يسرى فودة «7 أسئلة للرئيس»، كان أكثر من ألف معلق يتناطحون فى كل شىء إلا موضوع المقال. اكتشف المحللون أيضا أنه مرتزق وفاشل، «وجاسوس، والله العظيم جاسوس برخصة».


«الرئيس سيدك وسيد عيلتك، ولولا الجيش كان زمانك مرمى فى الصحرا للديابة وكنا ارتحنا من شكلك». هذه العبارة نموذج بسيط لطريقة المناقشة مع أفكار يمكن أن نتفق معها، أو نختلف فنفندها، لكن المجزرة المعنوية والإنسانية أسهل، ولا تحتاج إلى ذكاء.


توعد أحدهم: ستنتصر عليكم يا عبدة الدولار وتحيا مصر رغم أنف الخائنين، وبالمناسبة ياريت كمان نخلص من ريم ماجد وأمثالها. ولا يعرف كاتب التعليق أننا بالفعل خلصنا من «ريم ماجد وأمثالها»، تماما وحرفيا، فيما سوف يذكره التاريخ تحت اسم مذبحة الإعلاميين، إلا من رحم النظام.


لاحظ أحدهم أن «كل التعليقات من لجان إلكترونية، أو ناس لم يقرأوا الأسئلة أصلا، فنحن شعب نخاف من القراءة». ونحن فعلا شعوب تخاف من القراءة وحرية العقل والتفكير، وتعشق العبودية.


قبل 14 قرنا من الزمان، وفى رمضان المبارك، دخل النبى «صلى الله عليه وسلم» مكة قائدا منتصرا، «وحول الكعبة 360 صنما، لكل حى من أحياء العرب صنم، فأمر بها فطرحت فكسرت». إنها رسالة للإنسانية، بدأ سطرها الأول بهذا العمل التحررى الكبير، تكسير الأصنام، حتى لا يدين المرء بعبودية إلا لله، الذى وهبنا نعمة العقل.


ما زلنا رغم الدرس العظيم نرفض النعمة، ونختلق أكثر من 360 صنما نطوف حولها بلا تفكير، ونمنع الاقتراب واللمس والانتقاد عنها، حتى أصبحنا فى هذا الحال.


نحن ضحايا تعليم يمسح العقل بأستيكة الحفظ والبراشيم والسطحية، وإعلام أحادى لا يقبل حتى أنصاف المؤيدين، وسياسات لا ترضى لمن يعارضها بأقل من الإخفاء القسرى والسجن والتشريد.


نستغفر الله مما فاتنا فى رمضان، ومن قدرتنا على صناعة الأصنام، تحت لافتات الأوطان والطوائف والمعتقدات.

محمد موسى  صحفي مصري