يا ليلة القدر - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يا ليلة القدر

نشر فى : الأحد 5 سبتمبر 2010 - 10:11 ص | آخر تحديث : الأحد 5 سبتمبر 2010 - 10:11 ص

 مرحى مرحى هذه ليلتى وحلم حياتى، لكن من رحمة الله بنا أنه حلم ممكن التحقيق بل يسهل الوصول إليه والفوز به، وإذا كان الإنسان ينام متمنيا أن يرى حلمه المفضل المرغوب ولا يقدر على استحضاره والحصول عليه، فإن ليلة القدر أيسر من تلك الأحلام فالمسلم يقدر على استحضارها فهى نتيجة عمل وثمرة زرع ولا شك أن من زرع فقد حصد ومن جدّ وجد.

لقد كانت ليلة القدر الأولى نتيجة لسعى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكده، وبحثه ورفضه لما حوله من خطايا وأخطاء، وشرع يبحث عن المخرج لنفسه وللناس معه فيتحنث (يتعبد) الليالى ذوات العدد فى حراء حتى وافاه قدره العظيم فى الليلة المباركة «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)» (الدخان)

وإشارة القرآن فى وصف الليلة بأنها مباركة إخطار مؤكد ببركة ما نزل فيها، فها نحن جميعا أيها المسلمون نمسك بأيدينا «كتابا مباركا» نزل فى ليلة مباركة فهل نستطيع أن نحتفظ بالبركة دائما فى قلوبنا وعقولنا وأيدينا ومن حولنا؟ لا شك أن من يرغب يقدر إذا سعى وكد...

وأكبر مقومات هذا «الكتاب المبارك» أنه من عند الله فلا فضل فيه لبشر، ولا تبعية لأحد من الخلق، كما أن هذا «ذكر مبارك» ذكر حق «لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)» (فصلت).

فأمتنا هذه جاءت مع نهاية التاريخ على قدر إلهى قدّر لها أن تحمل النور تهتدى به ثم تقدمه للناس يستنيرون به...

وهذه الليلة المباركة ليست ظرفا فلكيا محددا بعينه يقترع عليها كل البشر فيفوز بها واحد منهم، بل هى نتيجة مطردة لكل عبادة صحيحة فقد سأل الناس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن موعد ليلة القدر فقال (صلى الله عليه وسلم) «ألم تر إلى الأجير إذا فرغ من عمله، فإنه يوفى أجره» هكذا فكل من أتقن عبادته والتزم طاعته وأدى ما عليه استحق أن يفوز بجائزة من جوائز تلك الليلة المباركة.

وحينما أقول إنها ليست ظرفا زمنيا بذاته ولا حركة فلكية بمفردها فإنما أستند إلى القرآن الكريم حيث يصف بركة تلك الليلة بأنها «لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)» (القدر)

أى أن فيها ما يوزع فى أكثر من ألف شهر بلياليها وساعاتها ودقائقها وثوانيها ولحظاتها.. واسألوا عن أجزاء الزمن المعروفة، اسألوا رجلا مثل أحمد زويل ماذا يفعل البشر فى (أجزاء الثانية) وحينئذ ستعرفون البركة والخير وقد وصفها القرآن الكريم بأنها خير من ألف شهر، لها بركة تعم جميع الخلائق فى أقل من ((لمح البصر وهو أقرب))، فلنمسك بالليالى المعدودات الباقية من رمضان ولا نهدر فيها وقتا بل نعمرها جميعا باللجوء إلى الله والوقوف بين يديه واستمداد الخير والبركة والرحمة.

وإذا أردت أن تعرف بماذا تدعو ربك فتذكر نصيحة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعائشة رضى الله عنها حينما سألته بماذا تدعو الله فقال لها قولى: «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا» ولا تتصور أنها دعوة محدودة لا تكفى طموحاتك فإنها دعوة عريضة عرض الكون وما فيه، طويلة طول الزمن وما يحويه، عميقة عمق النفس وما تخفيه،

فنداؤك لربك باسمه العفوّ نداء لمن يملك محو السيئات وإزالة آثارها والتطهير منها وعدم الاعتداد بها، فالعفوّ «جل جلاله» هو الذى يمحو الأشياء فلا يبقى لها أثر، وإذا محيت الذنوب واختفت آثارها فلا حساب عليها ثم إنه جل جلاله «الكريم»، والكريم من الناس هو الذى يعطى بلا مقابل،

أما الكريم جل جلاله فهو الذى يعطى دون طلب، ويعطى ما ينفع ويلزم، ويعطى بلا مقابل، ويعطى الكثير الكثير جزاء اليسير اليسير ثم هو جل جلاله يحب العفو ويقدمه على العقاب، ألم يقل جل شأنه «...إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ... (114)» (هود) ثم يختم العبد قائلا فاعف عنا..

أى أسألك أن تمحو ما كان من السيئات، وأن تبدلها لنا حسنات وأن تزيد من كرمك ما يثقل ميزاننا ساعة الحساب.. فلنوطن أنفسنا ونلقن قلوبنا وندرب ألسنتنا على مناجاة العفو الكريم فندعو بما علمه الرسول الكريم أمنا عائشة: «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا» اللهم غيّر تقصيرنا وسلبيتنا إلى ما يرضيك، اللهم أبدل سيئاتنا بحسنات تصلح دنيانا وآخرتنا، وهيىء لمصرنا ساعة رشد تعز بعزتك الخاضعين لشريعتك، وتذل بقهرك وجبروتك المستبدين والمفسدين والطاغين والطامحين إلى قهر عبادك فأنت أعلم بهم منا.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات