فقه العلاقات الدولية (8).. «الأشهر الحرم هدنة مفروضة» - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية (8).. «الأشهر الحرم هدنة مفروضة»

نشر فى : الجمعة 5 أكتوبر 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 أكتوبر 2012 - 9:16 ص

(1)

 

الحرب هى الشر والضرر الذى لابد من الاستعداد له، أو قل إن الحرب هى المستبعد الرئيسى من فكر المسلم وسلوكه، ولكن ما حيلة المسلم أمام اختلاف شئون الدنيا طبقا لاختلاف رغبات الدول والشعوب، فلابد من إعداد العدة لكل الأحوال.

 

هكذا يفهم المسلم غاية الشريعة ومقاصدها، فالإسلام يقصد حفظ النفس البشرية على مستوى العالم بكافة مستويات الحفظ (تنمية وعلاجا ورفاهية وآمنا وسلاما)، ولذلك يرفض الإسلام الحرب ويمنع القتال، بل مع تحريض الإسلام على السلام فإنه يفرض ثلث الزمن (4 أشهر من كل عام) يفرض فيهن إيقاف القتال إذا كان قائما قبل حلول تلك الأشهر، قال تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ...)، وهذه الشهور هى (رجب) ثم (ذى القعدة، وذى الحجة والمحرم)، هكذا بنص القرآن الكريم أربعة أشهر حرم ــ يحرم فيها القتال، وهذه الأشهر تبينها السنة النبوية وهى (رجب ــ منفردا) ثم (ذى القعدة وذى الحجة والمحرم متواليات)، فهل شغل المسلم فكره ماذا يعنى توزيع الأشهر الحرم على العام بهذه الكيفية (شهر منفرد) و(ثلاثة أشهر متواليات)؟!

 

(2)

 

فإذا قامت حالة حرب بين فريقين أو أمتين أو معسكريين، على مستوى إقليمى، أو عالمى، وواصلت الحرب أثقالها وأوزارها كما شاهد أهل القرن العشرين حربين عالميتين تجاوزت كل واحدة منهما أعواما ثلاثة متواصلة، فإذا فرضنا بداية التقويم القمرى هو شهر (صفر) فسوف تواصل عجلة الحرب دوارها على مدار 5 أشهر متوالية (صفر/ ربيع الأول/ ربيع الآخر/ جمادى الأولى/ جمادى الآخرة) ثم يجىء شهر (رجب) بعد الأشهر الخمسة فتفرض الهدنة الصغرى على الطرفين بعد معاناة خمسة أشهر، فإذا كلا الفريقين ينال قسطا محدودا من الهدوء والسكينة، ويراجع كل منهما قراره وجدواه، وينظر فى قدرته: ما هلك منها، وما بقى، وقد يعيد تجديد آلة الحرب، لكن كل طرف لا شك سينال قسطا من الراحة والتقاط الأنفاس وإمعان التفكير مع احتمال وارد أن تبدأ المفاوضات الباحثة عن إطالة الهدنة وربما عقدت اتفاقية سلام.

 

(3 )

 

ولا شك أن «فترة شهر رجب» غير كافية لاحلال السلام، فلايزال شبح الحرب يحوم، فإذا فشلت أو قصرت فترة الشهر عن انجاز اتفاقية سلام فسوف تعود الجيوش لساحات القتال، وهنا يشتبك الفريقان مرة أخرى فى شهور (شعبان ورمضان وشوال) ثلاثة أشهر، ثم تجىء الهدنة الكبرى ومدتها ثلاثة أشهر متوالية وهى شهور (ذى القعدة/ وذى الحجة/ والمحرم)، وهنا نلاحظ مواطن الحكمة الإلهية وتنوعها، فالهدنة الصغرى كانت شهرا واحدا بعد خمسة أشهر قتال ولأنها لم تؤت أكلها ولم تثمر السلام المفتقد، فقد أتخذ الدرس الثانى شكلا آخر ــ فالهدنة الكبرى هذه المرة «ثلاثة أشهر متوالية» بعد ثلاثة أشهر حرب وليس خمسة كما فى المرة الأولى، وبحلول الهدنة الكبرى يقعد العالم قعودا عن الحرب (فى ذى القعدة) ويسعى الناس من أطراف الدنيا لإنجاز فريضة الحج (فى ذى الحجة) فإذا فرغ الناس من الحج فإنهم بحاجة إلى مدة زمنية آمنة وسالمة يعودون فيها إلى أوطانهم فتكون العودة فى (شهر المحرم) تمكينا لعودة المسافرين وإطالة لمدة الهدنة.

 

( 4 )

 

هل رأيت أن انفراد شهر رجب بين ثمانية أشهر «خمسة قبله» و«ثلاثة بعده» هو هدنة صغرى تحث على التفكير وتدعو للتفاوض، وأيضا فإن توالى ثلاثة أشهر حرم بعد ثلاثة أشهر حرب هدنة كبرى قد فتح فرصا كبرى للإعمار والإنتاج والسفر والحج وتجديد وجه المجتمع، وهكذا يشرف الفريقان على إجراء وإنجاز معاهدات السلام التى تمهد للحفاظ على الأنفس ثم على موارد العالم فلا تهدر فى نفقات الحرب ولا تدمر فتبيد وتزول مما يسبب فقر العالم وربما زواله.

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات