التأسيسية معركة انتخابية أم فكرية؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التأسيسية معركة انتخابية أم فكرية؟

نشر فى : الجمعة 5 أكتوبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 أكتوبر 2012 - 8:45 ص

لم يكن حديث السيد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النور السلفى مفاجئا لنا فى اجتماع الأحزاب مع المشير والمجلس العسكرى قبل الانتخابات الرئاسية لبحث التوافق حول تشكيل التأسيسية، حين قال للمشير: إن الناس قد انتخبتنا من أجل الشريعة ولا يمكن أن نخذل ناخبينا لذلك فإن وجود أغلبية إسلامية داخل اللجنة التأسيسية للدستور لا تراجع عنه حتى نضمن إخراج دستور إسلامى لا يخالف الشريعة.

 

أما موقف الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة حينها فلم يكن مختلفا كثيرا، إذ رفض بشدة فكرة أن يكون التصويت بأغلبية الثلثين وقال إن وجود ثلث معطل يتحكم فيه الليبراليون لن يساعدنا على إخراج دستور لمصر لأنه سيتم استخدام هذا الثلث المعطل فى ايقاف عمل التأسيسية ولن ننتهى إلى شىء، وأكد أن هناك شبه توافق على كل مواد الدستور وفصوله وأن على الجميع انتظار المنتج الذى سيخرج من اللجنة وتجاوز تشكيل اللجنة لأنه يراه متوازنا من وجهة نظره ويعبر عن كافة أطياف الشعب المصرى.

 

●●●

 

ثمة قناعة خاطئة ترسخت داخل التيار الإسلامى بشقيه الإخوانى والسلفى وهى أن حصولهم على أغلبية برلمانية مؤقتة يعطيهم الحق فى السيطرة على عملية وضع الدستور، بينما ترى القوى المدنية بكل تنوعاتها أن عملية وضع الدستور عملية توافقية لا تأتى بالمحاصصة الحزبية وبمفهوم حجم الأقلية والأغلبية، حتى إن كثيرا من الإسلاميين مقتنعون تمام الاقتناع أن الشعب قد فوضهم لوضع الدستور بعد أن حصلوا على أغلبية برلمانية فى الانتخابات الأخيرة.

 

أزمة الثقة الموجودة بين الطرفين هى أساس المشكلة وكلا الطرفين يحمل مخاوف وهواجس تحكم تصرفاته ومواقفه، فالإخوان والسلفيون لديهم مخاوف من صياغة مواد تفرغ المادة الثانية الخاصة بمرجعية مبادئ الشريعة عن مضمونها وجعلها بلا فاعلية، وكذلك مخاوف من خسارة الشعبية الانتخابية التى بنى الجزء الأكبر منها على فكرة أننا حماة الشريعة وحراس الدين من العلمانيين الكارهين للدين كما روج لذلك خطابهم الإعلامى والسياسى والانتخابى.

 

أما القوى المدنية بتنوعاتها المختلفة فتخشى من تمرير مواد بالدستور تحول مصر مع الوقت من دولة مدنية ديمقراطية إلى دولة دينية يحكمها رجال الدين (محاولة الدفع بأن يكون الأزهر هو المرجعية النهائية). وكذلك مخاوف متصاعدة من إضافة أو تعديل مواد فى الدستور تحد من الحريات العامة والحقوق الشخصية طبقا لفهم الاسلاميين للشريعة الإسلامية.

 

وحين بدأت أعمال اللجنة تم اختبار الطرفين، لم نر الليبراليين يدعون إلى صياغة مواد تبيح الشذوذ وتحل الحرام وتتصادم مع الشريعة كما يتوهم الإسلاميون، ولكننا رأينا الإسلاميين يتبنون مواد وصياغات تتصادم مع الحريات ومع مواثيق حقوق الإنسان التى وقعت عليها مصر، وبدا أن السلفيين يريدون تذييل كل مادة بعبارة بما لا يخالف شرع الله حتى يطمئن ناخبوهم إلى أنهم قاموا بواجبهم على أكمل وجه فى حفظ الشريعة.

 

●●●

 

إن من سيئات الحراك السياسى والفكرى فى مصر أنه أجّل كثيرا من الاشكاليات المختلفة دون أن يتوصل لتوافق مجتمعى حولها، وعلى رأس هذه الاشكاليات علاقة الدين بالدولة وفهم المرجعية الاسلامية وتحديد العلاقة بين منظومة الحريات العامة والخاصة والاطار الدستورى والقانونى المنظم لها.

 

نحن أمام قوى سياسية تتحرك بدافع الخوف والحرص على أصوات كتل انتخابية تراقب المشهد وتنتظر النتيجة لتحدد مدى تمسكها بدعم أى تيار تراه يعبر عنها ويحقق رغباتها ويزيل مخاوفها فى الدستور الجديد.

 

أما على الجانب الاجرائى فالقوى المدنية منقسمة بين فريقين، الأول يرى ضرورة اسقاط التأسيسية بتشكيلها غير المتوازن وعدم الاعتراف بما سيصدر عنها من الآن، والثانى يرى ضرورة خوض معركة حاسمة داخل اللجنة التأسيسية للضغط على الإخوان والسلفيين لإخراج دستور يليق بمصر ولا يغير من هويتها وقيمها مع الحفاظ على مرجعية مبادئ الشريعة وعدم التصادم مع الثوابت الدينية مع الاحتفاظ بحق الانسحاب واسقاط الشرعية عن اللجنة التأسيسية وما سيخرج عنها فى وقت لاحق اذا تم الاصرار على صياغة مواد تتنافى مع يأمله المصريون فى دستورهم الجديد بعد الثورة.

 

أميل إلى الفريق الثانى الذى أراه أقرب للواقعية، لأن اسقاط اللجنة الآن قضائيا أو سياسيا لن يغير من الوضع شيئا، اذ إن رئيس الجمهورية المنتمى للاخوان يستطيع أن يعيد تشكيل اللجنة التأسيسية كما هى بنفس الأشخاص وقد يعيد تشكيل اللجنة بشكل أسوأ مما هى عليه الآن.

 

●●●

 

لذلك فإن القوى المدنية مدعوة اليوم لتوحيد الصف والموقف والتحالف مع القوى الوسطية المحافظة التى تتبنى وجهة نظرها تجاه الدستور، لتشكل قوة حقيقية على الأرض تستطيع إحداث اتزان على المستوى الشعبى وتستطيع أيضا تحريك الشارع اذا استمرت حالة التعنت والإصرار على صياغة مواد بالدستور تتنافى مع ما يأمله المصريون.

 

أما الإخوان فعليهم إدراك أن تصحيح مسار عمل التأسيسية وإخراج دستور يليق بمصر هو فرصة قد تكون الأخيرة لهم لاستعادة شعبيتهم وطمأنة قطاعات كبرى من المصريين صارت لا ترى فارقا بين الاخوان والسلفيين، وباتت تضعهم جميعا فى سلة واحدة فكريا وسياسيا وهذا ليس فى صالح الإخوان بالتأكيد.

 

المعارك الكبرى فى تاريخ الشعوب لا تنتهى بجولة ولا جولتين، وفى السياسة ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، واتجاهات الرأى العام وانحيازاته لا تثبت على حال وما قد يراه البعض اليوم استنادا على لحظة قوة ونشوة مؤقتة قد ينهار أسرع مما يتخيلون، لذا فالتعامل بالعقل والموضوعية والإنصاف هو الأولى، ومستقبل مصر ودستورها لا يمكن أن تكتبه أصوات انتخابية يبحث عنها هذا أو ذاك.

 

 

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات