المصالح وليس المذاهب - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المصالح وليس المذاهب

نشر فى : الإثنين 5 أكتوبر 2015 - 6:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 5 أكتوبر 2015 - 6:25 ص

روسيا ليست سبب المشكلة فى سوريا. هذه المشكلة مشتعلة منذ فبراير ٢٠١١ كما ان داعش ليست هى السبب الأوحد، لأن هذا التنظيم الإرهابى القادم من كهوف التاريخ هو نتيجة لأوضاع قائمة، ولم يخرج هكذا من العدم بل جاء تاليا لتفجر المشكلة.

الأزمة فى سوريا، وقبلها فى العراق وفى اليمن، ولبنان وسائر المنطقة، أسبابها متعددة، ويأتى فى مقدمتها الاستبداد والجهل والتخلف والفقر، ومما زاد الأمر سوءا هو المتاجرة بالدين لتحقيق أهداف سياسية والتستر على الأسباب الأساسية للمشكلة. وبالتالى ومن دون لف ودوران فإنه ما لم يتم وقف المتاجرة بالدين، وخلطه بالسياسة، فسوف نظل نعيد إنتاج نفس المشكلات والأزمات، وسوف تستمر الحروب باسم الدين والطائفة والمذهب.

أغلب الظن أن غالبية البلدان والحكومات والأنظمة والحركات تستخدم الدين شعارا ولافتة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وقومية.

قلت قبل ذلك فى هذا المكان إن ما يشغل إيران فى حقيقة الأمر ليس المذهب الشيعى، بل التمدد والانتشار القومى الفارسى، وما يشغل غالبية بلدان منطقة الخليج ليس المذهب السنى، بل ربما المحافظة على وجودها وتحقيق مصالحها ايضا.

ليس عيبا أن تسعى كل دولة إلى تحقيق وتعظيم مصالحها الوطنية أو القومية، لكن العيب الخطير أن تفعل ذلك تحت لافتة الدين أو بطرق غير شريفة.

الدين ثابت ومقدس والسياسة متغيرة وغير نظيفة، وبالتالى عندما يصطدم المقدس بالمدنس، فإننا نسىء كثيرا إلى الدين.

تخيلوا أن إيران وهى تحاول الهيمنة على العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين وسائر منطقة الخليج، أعلنت أنها تفعل ذلك من أجل مصالحها القومية الفارسية، إذا حدث ذلك فسوف تتوحد كل المنطقة وتتصدى لها، ويصبح الصراع على أسس قومية. لنتذكر أن العراق وغالبية شيعته حارب إيران الشيعية لمدة ثمانى سنوات «١٩٨٠ ــ ١٩٨٨»، ولم تفلح وقتها كل الدعاوى الطائفية لأن المنطقة لم تكن مهيأة لذلك.

وتخيلوا أيضا أن أى دولة عربية وهى تتصدى لطهران أعلنت أنها تفعل ذلك بهدف تركيع إيران كدولة فارسية وحصارها. لو حدث ذلك فسوف يزداد الإيرانيون اصطفافا.

واقع الحال أن أسباب الصراع فى المنطقة إما سياسية أو اقتصادية، وليست لها علاقة حقيقية بالدين أو المذهب. والسبب ان هذا الانقسام الطائفى والمذهبى فى الإسلام موجود منذ موقعة صفين ثم الجمل عامى ٣٧ و٣٨ هجرية، والمؤكد أنه سوف يستمر لأن العقائد والمذاهب لا تختفى بالسلاح. ايران كانت سنية حتى قبل اندلاع الحرب الصفوية مع الدولة العثمانية بقليل عام 1514، وبالتالى فلم يكن الخلاف المذهبى هو السبب بل المصالح السياسية والاقتصادية.

تعتقد إيران أنه حان الوقت لتهيمن على المنطقة خصوصا بعد اتفاقها الأخير مع الدول الكبرى «٥+١»، وان على بلدان المنطقة ان يقبلوا بزعامتها، لكنها لا تعلن ذلك بوضوح، بل تتخفى خلف لافتة المذهب الشيعى. تعتقد إيران أنه حان الوقت للانتقام من كل البلدان التى ساندت الحصار الأمريكى الغربى لها منذ قيام ثورتها الإسلامية فى أول فبراير ١٩٧٩.

المأساة بطبيعة الحال انه يصعب اقناع المواطنين البسطاء بالانخراط فى حروب من أجل الاقتصاد أو الهيمنة، لكن من السهل جدا اقناعهم بخوض حروب من أجل الدفاع عن دينهم أو مذهبهم.

ونتذكر أيضا أن آية الله الخومينى أقنع ملايين الإيرانيين الشيعة بقتال إخوانهم العراقيين فى المذهب والدين، وانهم سيدخلون الجنة بحجاب كانوا يعلقونه فى رقابهم!.

نفس المنطق تفعله داعش وسائر التنظيمات السنية المتطرفة التى تعتقد أن كل من يخالفها الفكر هو كافر ينبغى قتاله حتى لو كان سنيا متشددا أيضا!.

المنطقة سوف تستمر فى هذه الحالة العبثية والحروب على الهوية، إلى أن يكون لدينا تعليم صحيح وديمقراطية حقيقية، ونؤمن حقا بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لا فرق بين عربى وعجمى إلا بالتقوى»، وإن الدين لله والوطن للجميع، ولا أحد من حقه احتكار الدين، وإلى أن يحدث ذلك فسوف تستمر هذه المأساة.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي