«صيف تجريبى».. فى تحية السينما المختلفة - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«صيف تجريبى».. فى تحية السينما المختلفة

نشر فى : الخميس 5 أكتوبر 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 5 أكتوبر 2017 - 9:35 م

أحببت كثيرا هذا التجربة المختلفة على الرغم من بعض الملاحظات، فيها جرأة التجريب، وارتباط الفكرة بالشكل الذى يعبر عنها، وفيها لعبة سردية مدهشة، على الرغم من أنها قد تكون مرهقة، نوعا ما، ذلك أنها تفارق العادى والمألوف.

«صيف تجريبى» فيلم مصرى من سيناريو وإخراج محمود لطفى، عُرض فى منتدى مهرجان برلين فى دورته السابعة والستين (2017)، يقدم الفيلم تحية حارة للسينما المستقلة، ماضيا وحاضرا، خيالا وواقعا، وثائقية وروائية، باعتبارها سينما موازية ومختلفة، وهو لا يكتفى بأن يراها نافذة للتجريب، وإنما يقدم الفيلم بألعابه السردية تجريبا إضافيا؛ أى أننا أمام فيلم يقول لك طوال الوقت إن شكله لا ينفصل عن مضمونه، وإنه لا يمكن أن تنحاز إلى سينما مختلفة، إلا بصناعة فيلم مختلف.

ألعاب الفيلم متعددة؛ أبرزها منح فيلمنا نفس اسم الفيلم المفقود الأصلى، الذى يبحث عنه أبطال الحكاية، فالخط المحورى الذى يدور حوله السرد المفكك، هو وجود نسخة أصلية مفقودة من فيلم مستقل أنتج فى العام 1980 بعنوان «صيف تجريبى»، وهو وفقا لخيال السيناريو أول فيلم مستقل أنتج بعيدا عن جهاز الفيلم، (المصطلح الذى منحه لطفى للمؤسسة السينمائية التقليدية فى كل وقت وأوان).

واختيار اسم النسخة المفقودة كاسم لفيلمنا، يعيد بعث الفكرة، وبنفس مضمونها، وهو التجريب والاختلاف، كما أن تحويل صناع فيلمنا إلى ممثلين، وبأسمائهم، فى رحلة الوصول إلى النسخة المفقودة، يصب من جديد فى معنى اللعبة كلها، بأن السينما المختلفة فكرة أكثر مما هى نسخة فيلم، وأن صناع السينما اليوم، يحملون نفس التجربة، ويقدمونها بنفس الجسارة، على الرغم من سطوة السينما التقليدية.

وهناك أيضا لعبة المزج بين الوثائقى والروائى، ليس بوجود لقطات وثائقية لدار عرض مغلقة هى سينما «ريو» فحسب، ولكن لأن فيلمنا (وهو روائى) يجسد ــ فى جزء كبير منه ــ تمثيلا لصناعة فيلم وثائقى، بل إن السرد عبارة عن مزجٍ مونتاجى معقد بين محاولة صنع فيلم وثائقى عن النسخة الأصلية المفقودة، وبين أجزاء من نسخة حديثة، صنعها بعض الشباب، استلهاما لدراما النسخة الأصلية.

لا شك أن هذا التداخل أدى إلى تعقيد السرد، وجعله أقرب إلى المتاهة، ولكنك لا تملك سوى التسليم بأنها متاهة مقصودة، ومرتبطة بفكرة التجريب فى النسخة الأصلية التى لم نرها أبدا، ومرتبطة أيضا بفكرة معارضة كل ما تعبر عنه أفلام جهاز الفيلم التقليدية التى سمعنا عنها.

ومن خلال التلاعب بالزمن، والإيهام بالوثائقية فى فيلم روائى، وتقديم التحية بالاسم للمحاولات المستقلة القديمة من «برسوم يبحث عن وظيفة» لمحمد بيومى، مرورا بفيلم «المغنواتى» لسيد عيسى، وصولا إلى نسخة افتراضية أصلية لفيلم أنتج 1980، واختفى صناعه اسمه «صيف تجريبى»، من خلال كل ذلك يقول لنا الفيلم إن السينما المستقلة وُجدت لتبقى، على الرغم من ضعف الإمكانيات.

تقديرى كبير لمحمود لطفى ولزملائه، بالذات لقدرتهم على صنع الإيهام ثم تحطيمه، وإن كنت أختلف كثيرا فى وضع تجربة استوديو مصر فى خانة جهاز الأفلام، لأنها كانت تأسيسا لصناعة قدمت كبار المخرجين، كما أختلف أيضا فى أن السينما التقليدية هى سبب تعثر السينما المستقلة.

فى رأيى أن السبب هو عدم قدرة السينما المستقلة على أن تبتكر طرقا ملائمة للعرض والتوزيع، وبالتالى لم تصل إلى جمهورها، أما عن استخدام التقويم المصرى فى الحديث عن التواريخ داخل الفيلم، فقد كان أيضا مربكا، على الرغم من دلالته فى ربط التجربة بمحيطها المصرى، ذلك أن الربط لا يكون بالتقاويم وحدها، وإنما بخصوصية الأفكار، وبأساليب التعبير عنها.

هذه تجربة سينمائية تستحق الإشادة، وجدت فيها جيلا موهوبا يبحث عن مفاتيح لا تنكسر فى الأبواب، جيلا يريد أن يترك بصمة مختلفة، مثل صوت يبقى فى جهاز الأنسر ماشين، على الرغم من غياب صاحبته، ومثل نسخة أصلية ملهمة، يؤكد المبدعون من خلالها، وجودهم المستقل.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات