ثورة الميدان بين السخاء العربى والتسامح الأمريكى - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثورة الميدان بين السخاء العربى والتسامح الأمريكى

نشر فى : الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص

فجأة، وبلا مقدمات، فكت الإدارة الأمريكية حصارها من حول مصر ــ الميدان، واندفعت ماشية فوق حطام عهد الإخوان الذى لم يقدر له أن يتجاوز السنة الأولى من عمره، لتبلغ القيادة المصرية (الجديدة) تحيات الرئيس الأسمر ذى الجذور الإسلامية باراك اوباما وحرصه على استقرار أرض الكنانة تحت قيادة نظامها الجديد ــ قيد التكوين.

ولقد بذل وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى جهدا ملحوظا واستفاض فى التأكيد على عمق الصداقة بين واشنطن والقاهرة، بدليل استمرار المساعدات، والأهم: إصراره على زيارة القاهرة، ولقاء المسئولين الذين جاءت بهم ثورة الميدان فى توقيت له دلالته القاطعة، أى عشية المباشرة فى محاكمة «عهد الإخوان المسلمين» ممثلا بالرئيس المخلوع الدكتور محمد مرسى ومعظم قيادة هذا التنظيم الذى أعطى ملكا فلم يحسن سياسته، فانتهى الأمر بخلعهم.

ولا بد، طبعا، من الإشارة إلى أن زيارة الوزير الأمريكى قد تم توقيتها بحيث تسبق سفره إلى السعودية لتهدئة غضب أسرتها الحاكمة، نتيجة إقدام واشنطن على فتح باب الحوار مع إيران، وقبلها امتناع الإدارة الأمريكية عن توجيه الضربة العسكرية للنظام السورى تأديبا له على امتلاكه السلاح الكيماوى.

•••

وبغض النظر عن التوقيت فإن «الشهادة» التى زكى بها الوزير الأمريكى النظام المصرى الجديد تشير إلى أن استعجال السعودية فى تقديم دعمها، والذى شاركتها فيه سائر دول الخليج العربى، الإمارات والكويت وقطر (وإن بشروط مختلفة) لم يكن مجرد نجدة عربية عاجلة للقاهرة لتأمين النظام الجديد، اقتصاديا، وحتى لا يفيد الإخوان من اهتزاز الوضع الاقتصادى، بل كان تلبية لطلب أمريكى بعد «اطمئنان» واشنطن إلى الحكم المؤقت فى القاهرة وموافقتها على دعمه.

ولقد لخص كيرى هذا الموقف بكلمات قاطعة فى دلالاتها:

«لقد واجهتم ظروفا عصيبة، ولكن الشعب المصرى أثبت للعالم مدى قوته. ولنكن صريحين، فما يحدث فى مصر مهم جدا لأمريكا وللشرق الأوسط. ونحن ندعم شعب مصر، ونريد لمصر بتاريخها العريق أن تكون قيادية فى منطقتها».

هل يعنى هذا أن واشنطن هى التى طلبت من السعودية وسائر دول الخليج المبادرة إلى مساعدة مصر.. وخصوصا أنه لم يعرف عن مملكة الصمت سرعة اتخاذ القرار فيها، ولا هذا السخاء الملحوظ فى تقديم المساعدات، لاسيما لنظام جديد واجهته «عسكرية» وإن كانت قاعدته تتكون من أكثر من عشرين مليونا خرجوا ينادون بإسقاط حكم الإخوان، شعاراتهم ثورية إلى حد «التطرف» كما تفهمه المملكة وتحذر منه وتعمل على إبعاد شروره عنها.

•••

ومع استذكار الخصومة التاريخية القائمة والدائمة بين السعودية وتنظيم الإخوان المسلمين والتى قد تكون عجلت فى قرار الدعم الملكى للحكم الجديد فى مصر، فإن مبادرة الرئيس الأمريكى إلى فتح الباب أمام إيران بذلك الاتصال الهاتفى المباغت، قد استفزت العائلة المالكة إلى أقصى حد، فألغى الأمير سعود الفيصل كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفتحت المملكة أرشيفها لتستخرج منه قضية فلسطين المنسية والمهملة منذ زمن بعيد، لاسيما بشعارات مرحلة الثورة كطريق إلى التحرير.

هل تعنى تصريحات كيرى فى القاهرة أن النجدة السعودية للنظام الجديد فى مصر، والتى سبقت وصوله إلى مصر بشهرين أو يزيد، إنما تمت بطلب أمريكى، لاسيما أن نجدات خليجية أخرى مؤثرة بدورها قد لحقت بها مباشرة، مما يؤكد أن ثمة قرارا استراتيجيا لم تتعود المملكة على اتخاذه بهذه السرعة، ولا هى بقادرة على إلزام أطراف دول الاتحاد الخليجى بتنفيذه بغير مناقشة.. والأمر يتعلق بمليارات الدولارات وليس ببضعة ملايين للمساعدات الإنسانية؟

وهل بادرت واشنطن إلى «تزكية» النظام الجديد فى مصر، والطلب إلى أصدقائها السعوديين والخليجيين التعجيل فى دعمه، ماديا، بعدما استشعرت أن هذا النظام عازم على فتح الأبواب أمام كل دولة قادرة على المساعدة، ومستعدة لتقديمها، كما أعلن وزير خارجية مصر قبل ساعتين من لقائه الزائر الأمريكى الذى كرر فى كلمته المكتوبة بعناية والتى أكدت انه إنما ينطق باسم الرئيس اوباما، ويعلن ما كلفه الإعلان عنه، ولا يجتهد؟!

•••

لا يضير القاهرة التى استولد ميدانها الحكم الجديد بصيغته المؤقتة فى انتظار إنجاز الدستور والدعوة إلى انتخابات نيابية يفترض أن تليها انتخابات رئاسية فى مهلة ستة أشهر، أن تتلقى المساعدات من الولايات المتحدة أو من السعودية وسائر دول الخليج العربى، أو من أية دولة غربية أو شرقية أخرى، ولو كانت روسيا أو الصين.

فليست ثورة الميدان للبيع، على حد ما عبر بعض قادة الخروج على حكم الإخوان فى تلك التظاهرة التاريخية غير المسبوقة.. وليس من حق أى طرف، فى الداخل أو فى الخارج، أن يطعن فى وطنية الحكم الانتقالى فى القاهرة، لمجرد أن الإدارة الأمريكية قد أوعزت إلى «أصدقائها» من أهل النفط العربى بتقديم المساعدة العاجلة، على شكل استثمارات سريعة أو قروض طويلة الأجل.. خصوصا أن هذه الدول النفطية بطيئة القرار فى العادة، ولاسيما حين يتصل الأمر بـ«الأشقاء العرب» الذين تراهم، غالبا، طامعين فى ثرواتها، «يأخذون منها ثم ينكرون جميلها»، على حد ما كان يردد دائما بعض أفراد الأسرة السعودية.

على أن قراءة متأنية لهذه المبادرة الأخوية السريعة إلى نجدة مصر تكشف أن الحرب على الإخوان، سواء داخل مصر أو فى التنظيم الدولى للإخوان حيثما وجد، لم تكن السبب الوحيد فى هذا القرار الحاسم، بل لا بد أن احتمال توجه العهد الجديد فى مصر نحو روسيا لاستعادة العلاقة الحميمة معها، وكذلك مع الصين، يظل ماثلا فى الذهن.

بالمقابل فإن السعودية، ومعها دول الخليج، تتخذ من شعار مواجهة الأطماع الإيرانية، وسيلة لدغدغة مشاعر المصريين بأن القاهرة هى ضمانة مؤكدة لعروبة الخليج، بأقطاره جميعا، مما يتضمن الإيحاء بأن مصر لن تتوجه نحو إيران، ولن تقف محايدة تجاه «أطماعها فى خيرات الجزيرة والخليج» ولن تسمح «للهيمنة الفارسية» أو لـ«طغيان الشيعة» واستيلائهم على القرار فى المشرق العربى، وبالتحديد فى كل من سوريا والعراق، وبالاستطراد «حزب الله» فى لبنان.

ويشهد تاريخ مصر بأنها لم تكن يوما «طائفية» فى سياساتها، ولا هى كانت «مذهبية» فى تعاملها عموما، وعلى هذا فإن توظيف المال السعودى ــ الخليجى لن يستطيع تبديل هذا الموقف المبدئى المصرى، والذى وفر لمصر وحدة وطنية متماسكة، وتزكية استثنائية وجعلها فوق النعرات الطائفية والمذهبية.

•••

وها هى مصر الميدان تواجه الإخوان المسلمين فتسقط حكمهم وتحاكم قياداتهم على أخطائهم القاتلة، ومن ضمنها محاولات إثارة الفتنة وتوسل التعصب والشعار الدينى للهيمنة على السلطة حتى لو أدى ذلك إلى مذابح طائفية كما ضد الأقباط المصريين، أو حتى مذهبية، حتى لا ننسى «سحل» بعض القلة القليلة من «الشيعة» فى مصر.

لقد تعهد وزير الخارجية الأمريكى «بأن تكون الشراكة مع مصر فى أقوى حالاتها، فى ظل حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا وسيادة القانون».

ولعل الإخوان السعوديين خاصة والخليجيين عموما فى ذروة حماستهم لمثل هذه الأهداف يفضلون أن تتحقق فى بلاد الآخرين، فى البعيد، بدل أن يتحملوا المخاطرة بتركها تهدد مجتمعاتهم التى لا تستسيغ الأفكار المستوردة، وأخطرها حقوق الإنسان.

وفى انتظار ما سيقوله كيرى فى الرياض، ثم بعدها، يمكن أن تجرى قراءة جديدة للموقف الأمريكى من مصر ــ ثورة الميدان.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات