خليهم يتسلوا.. هذه المرة من المواطن إلى السلطة! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خليهم يتسلوا.. هذه المرة من المواطن إلى السلطة!

نشر فى : الخميس 5 نوفمبر 2015 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 5 نوفمبر 2015 - 10:00 م

هنا الرسالة الحقيقية التى يوجهها المواطن المصرى الذى استفاق من أوهام السلطوية الجديدة، وانصرف عن صنوف الإلهاء وتزييف الوعى التى توظفها لتبرير مظالمها المروعة وتمرير فساد ممارساتها وادعاء حضور التأييد الشعبى لإدارة الجنرالات.
المستفيقون بين المواطنات والمواطنين، وهم كثر، يواصلون الابتعاد عن الأذرع الإعلامية الموجهة، والتحرر من خطاب «الوعود والإنجازات والتهديدات» الرسمى، والانسحاب من المشاركة فى مشاهد سياسية وانتخابية زائفة بعد أن أميتت السياسة وجردت الانتخابات من جوهرها المرتبط بحق المواطن فى الاختيار الحر وحق المجتمع فى التداول السلمى للسلطة.
ولأن المستفيقين هم أهل وعى، فإنهم لم يتوقفوا طويلا عند «الشكاوى والشكاوى المضادة» التى تبادلها خلال الأيام القليلة الماضية وبصخب بالغ رئيس الجمهورية مع الأذرع الإعلامية الحكومية والخاصة. تذكر المستفيقون حقيقة أن إعلام «الأذرع» هو الذى مكن إدارة الجنرالات من الانقضاض على مسار التحول الديمقراطى فى صيف 2013 وإلغائه، وبرر للمظالم والانتهاكات غير المسبوقة التى شهدتها مصر بهيستيريا العقاب الجماعى ومكارثية نزع الإنسانية عن المعارضين الذين استبيحت دماؤهم قبل وأثناء وبعد فض الاعتصامات وسط تهليل حشود ألغى عقلها وزيف وعيها، وصنع من وزير الدفاع السابق «البطل المنقذ والقائد المخلص» الذى تقضى «الضرورات الوطنية» بوجوده على رأس السلطة التنفيذية وخون الرأى الآخر، وأجرم بالصمت على مصائر المسلوبة حريتهم فى السجون وإنكار التعذيب والاختفاء القسرى والقتل خارج القانون وتشويه كل من يرفع الصوت رفضا ومقاومة لشواهد العنف الرسمى هذه طلبا لجبر الضرر عن الضحايا.
تذكر المستفيقون هذه الحقيقة، ولم يكن أمامهم غير «خليهم يتسلوا» يتمسكون بها إزاء «شكوى» رئيس الجمهورية من أذرعه وأذرع إدارة الجنرالات الإعلامية بسبب بعض «العبارات غير اللائقة»، بينما يتواصل التبرير الإعلامى للمظالم والانتهاكات والاصطفاف خلف القمع. لم يكن أمامهم غير «خليهم يتسلوا» يعتصمون بها إزاء «الشكاوى المضادة» للأذرع الإعلامية التى لم تفعل خلال العامين الماضيين سوى دهس الحقيقة وطمس المعلومات وتزييف الوعى للتمكين للبطل المنقذ ولإدارة الجنرالات، ويريد بعض أربابها اليوم تزييف وعى الناس مجددا بإطلاق الادعاءات المتهافتة بشأن تمسكهم «بالحق الأصيل» فى «التعبير الحر عن الرأى» وفى ممارسة «النقد» بموضوعية. لم يكن أمامهم غير «خليهم يتسلوا» يواجهون بها خليط الهزل والعبث والصخب الفارغ من المضمون واغتيال العقل الذى تحمله الشكاوى والشكاوى المضادة من طرفين يجمع بينهما الاعتياش على إلغاء مسار التحول الديمقراطى.
ولأن المستفيقين هم أهل وعى، فإنهم لم يتوقفوا طويلا عند اشتراك رئيس الجمهورية وإدارة الجنرالات والأذرع الإعلامية فى التقليل من أهمية تحرر الناس من الخطاب الرسمى وانسحابهم بعيدا عن المشاهد السياسية والانتخابية الزائفة. «خليهم يتسلوا» هو لسان حال المستفيقين حين يطالعون الاستدعاء المتكرر للأوضاع العراقية والسورية والليبية للتدليل على أن «البطل المنقذ» أنقذ البلاد بالفعل من مصير أسود مشابه، فإدراك أن الانهيار فى العراق وسوريا وليبيا سببته نظم الاستبداد وأن النجاة بمصر سبيلها العدل وليس الظلم وسيادة القانون وليس العصف بها وتداول السلطة وليس اختصارها فى مؤسسة عسكرية وأجهزة أمنية واستخباراتية ونخب اقتصادية مالية لم يعد محل شك. «خليهم يتسلوا» هو لسان حال المستفيقين أيضا عندما يروج فى المجال العام لمقولات زائفة تنفى تارة الارتباط بين تراجع التأييد الشعبى لرئيس الجمهورية ولإدارة الجنرالات وبين عزوف الناس عن المشاركة فى الملهاة الانتخابية، وتزعم تارة أخرى أن برلمان الأجهزة الأمنية القادم سيعبر عن مصالح المواطن ويدافع عن حقوقه وحرياته، وتدعى تارة ثالثة أن ضحايا القمع والتعقب والتقييد كإسراء الطويل وعمرو على وأحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة وعلاء عبدالفتاح وغيرهم يتآمرون على مصر ويهددون أمنها القومى.
«خليهم يتسلوا» يطلقها المواطن باتجاه السلطوية الجديدة، فتتجذر استفاقته من أوهامها ويتعمق انصرافه عن صنوف الإلهاء وتزييف الوعى التى تمارسها. «خليهم يتسلوا» يطلقها المواطن باتجاه السلطوية الجديدة، فينجو باتساقه الأخلاقى والإنسانى وينجو أيضا بالمتبقى من نقاء وطنى يدفعه إلى التضامن مع الضحايا والدفاع عن الحقوق والحريات والبحث عن سبل الخروج من سلطوية يتواكب بها خليط الهزل والعبث مع مأساوية المظالم والانتهاكات.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات