تزكية الإنسان قلبا-ب - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تزكية الإنسان قلبا-ب

نشر فى : الجمعة 5 ديسمبر 2014 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 ديسمبر 2014 - 8:55 ص

(1)

اتفقنا أن تخليص القلب من مرض الغفلة والتلاهى، ومرض الزيغ والشتات ومرض الرعب هو أول واجبات المسلم ليخلص قلبه من الأدران. وبعد ذلك يتصدى المسلم لاستكمال تزكية القلب. فينظر الإنسان فى حقيقة نفسه، فإذا هو واحد مثل الملايين، لا هو خلق نفسه، ولا هو خلق غيره، بل إنسان. أى إنسان لا يعرف كيف خلق الله هذا الكون، ولا كيف خلق الله ذلك الإنسان العجيب ((مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)).

فإذا كان الإنسان يرى نفسه مثل غيره من الملايين، ويرى نفسه محتاجا إلى جهود غيره، فكيف يسكن الكبر قلب هذا الإنسان؟! كيف تتكبر وأنت تعلم أن شربة ماء تتأخر عنك قد تميتك؟! كيف تتكبر وأنت تعلم أن تأخر خروج الفضلات من بطنك قد يميتك؟! ألا ما أضعف الإنسان...

هل يتكبر الإنسان على الإنسان رغم عجزه عن منع الذباب أن يسلبه شيئا؟! ((..إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ))

لا محل للكبر، ولا حق فى الكبرياء إل للخالق الأعظم والرزاق الأكرم، فهو وحده ((هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ))، ولعلنا لا ننسى أن الكبرياء صفة مذمومة لكل البشر، لكنها محمودة جدا لرب البشر. أتعرف لماذا؟ لأنه سبحانه إذا تفرد بالكبرياء جعل البشر كلهم سواسية لا فضل لأحدهم على الآخر.

(2)

والكبر مرض لعين، إذا أصاب قلبا لوثه فيقذف صاحبه إلى الاستعلاء. وبعض الناس لا يزال يستعلى حتى يزاحم الألوهية فى حقوقها...

فلا تتكبر بمنصب، فإن المناصب زائلة ولا تتكبر بمال، فسرعان ما يفنى أو تقل قيمته أو ترحل وتتركه كما حدث لقارون ولا تتكبر بصحة وقوة، إذ لا تدرى كيف تأتى الأمراض من داخلك أو خارجك وإذا حلا للبعض أن يتعاظم، فليذكر «فرعون» وما أوتيه من أموال وسلطات وقدرات، فأساء استعمالها ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ..)) فلو علم المتكبر أن قدوته فى الكبر هو إبليس ــ أعدى أعداء الله ــ لرجع عن كبره وسار متواضعا بين الناس.

(3)

وقديما حلا لإبليس أن يؤسس حزبا يجند له كل المتكبرين، وكان من أشهر أعضاء ذلك الحزب «فرعون» رأس أسرة من الفراعنة... وبعد أن تم تجنيد فرعون عضوا فى حزب إبليس، تعود ممارسة الكبر سواء على شعبه أو كهنته أو وزرائه، وإذا خلا لنفسه تكبر على نفسه! إذ جلس ذات مرة وحيدا فى حجرته، وأخذ يفتل شاربه ويعدل فى تاجه ويقوم ويقعد ويمشى مصعر الخد ليرى نفسه فى المرآة، وأراد إبليس أن يعرفه بحقيقة نفسه فطرق الباب. قال فرعون: «من بالباب؟» رد إبليس عليه: «ألا تعلم من بالباب؟! وإذا كنت لا تعلم من وراء الباب، فكيف تعلم بأحوال العباد؟! تعس إله لا يعلم من بالباب».

(4)

وأقرب طريق للتخلص من داء الكبرياء، أن يواظب الإنسان على السجود لله، فإن الساجد ينحنى تواضعا ثم يلتصق بالأرض.. والتصاق الإنسان بالأرض اعتراف بأصله، وإقرار بإكرام ربه له... فهو من التراب لكن الله جعله سيدا بين جميع المخلوقات. وسجود الإنسان على الأرض ابتعاد عن مراءة الناس، فها هو لا يرى أحدا، ولا ينظر أحد إلى عينيه. فهو قد ترك الخلق وقرر اللجوء للخالق. ولهذا يقول القرآن: ((..واسجُدْ واقْتَرِبْ)) أى أن السجود يقربك من الله، فالسجود طريق التواضع، وعلاج القلب من الكبر والتعاظم. والسجود انضمام لحزب الرحمن، ذلك الحزب الذى لا يعرف طاعة فى خطأ ولا إصرارا على معصية، ولا يرى فضلا لنفسه على غيره، بل يرى نفسه واحدا فى طابور الإنسانية الذى بدأ بآدم ومازالت ذريته تملأ الأرض.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات