3ــ خطابنا الدعوى إلى أين؟1 ــ المصدر: القرآن والسنة (ب) - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 8:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

3ــ خطابنا الدعوى إلى أين؟1 ــ المصدر: القرآن والسنة (ب)

نشر فى : الجمعة 6 فبراير 2015 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 6 فبراير 2015 - 8:00 ص

الإسلام هو دين الدعوة أو دعوة للدخول فى الدين، وهذا وصف قرآنى شائع للإسلام وللرسول إذ جعل رسالته (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا(46)). هذه لافتة (يافطة إعلامية) عن الإسلام ورسوله ودعوته «تبشير وإنذار ودعوة وتنوير» لا إكراه ولا عنف ولا ضغط ولا سيطرة. فالإسلام هو الدعوة ثم مواصلة الدعوة. ولا يعرف الإسلام استعمال القوة المسلحة والعنف إلا ردا لعدوان أو لعنف من خارج أرضه أو عقابا وردعا للحرابة والعنف فى الداخل، أو مُساعدة لشعب تعرض للإحتلال أو العنف المُسلح.

وفى القرون السابقة قبل الثورات الصناعية، والمواصلات والاتصالات، كان الانتقال بين بلد وآخر من أصعب المشاق، وكانت إقامة المغترب إقامة قلقة مشوبة بالحذر. وفوق ذلك فقد كانت هناك مساحات كثيرة على مستوى العالم فارغة من البشر غير مُحيزة ولا تابعة لدولة ما، كل ذلك جعل الفقهاء ــ وقتها ــ يقسمون العالم بالنسبة للمسلم إلى «دار إسلام ودار كُفر»، «دار حرب ودار عهد» ودار أمان على خلاف بين المذاهب واختلاف من مدة زمنية أخرى، أو بين حالة من العلاقات وأخرى، فهل هذا التقسيم الفقهى القديم يستحق أن يبقى ساريا فاعلا فى العالم الذى نعيشه، وأصبح العالم قرية واحدة فى الانتقال أو الإقامة أو التجنس، فضلا عما نشأ من منظمات دولية وإقليمية تتقارب إلى حد كبير مع دعوة الإسلام ورعايته وتكريمه للإنسان.

لابد وأن يتصدى الأزهر وفورا لهذا القصور الفقهى المعاصر الذى أبقى على أقوال بشرية لا توافق الواقع والعصر مما جعلها غير مقبولة شرعا فى ضوء نور القرآن الكريم وضياء البيان النبوى. إن فقهاء عظماء قالوا إن ذرية آدم كلها عائلة واحدة انقسمت إلى أمتين هما «أمة الإجابة» مُمثلة فى أمة المسلمين، حيث قبلت دعوة الإسلام وأجابتها، والأمة الثانية هى «أمة الدعوة» وهم جميع غير المسلمين ولا نملك لهم إلا إحسان الحوار ومواصلة الدعوة بكل الوسائل السلمية.

(2)

وتعجب لذلك الذى زعموه نسخا فى القرآن، ويزداد العجب حينما يتطوع البعض بصنع اسم لآية فى القرآن فيسميها ــ حسب زعمه ــ آية السيف!

ما هذا الافتراء على الله؟! افتراء مزدوج.. فمن حيث المبدأ لم يذكر القرآن نسخا ولا بينّ الرسول شيئا من ذلك فدعاوى النسخ كلها افتراء على الله وعلى القرآن الكريم، ثم ذلك النسخ الذى يزعموه هو تزييف للشريعة وحكمتها وسبب فى جعلها محلا للقيل والقال بالباطل.

وثالثة الأسافى أنهم يُطلقون مصطلح «آية السيف» رغم أن القرآن الكريم كله خلى تماما من لفظ السيف! فهل يحق لأحد وضع عنوان لآية من آيات القرآن بغير ألفاظ القرآن؟ إن الناس أطلقوا على الآية (255) من سورة البقرة آية الكرسى لأن بها لفظ «كرسى» (..وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ..) فكيف تجرأ هؤلاء على إطلاق تسمية لآية قرآنية بلفظ لم يرد فى القرآن كله.

(3)

أكثر من ذلك فقد زعموا نسخ كل آيات الحكمة والموعظة الحسنة والدعوة إلى الحوار والبرهان والدعوة والهدنة والجنوح للسِلم (..وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا..)، كل ذلك وأكثر زعموا نسخه بوهمهم الذى ابتدعوه وسموه «آية السيف».. ثم اختلفوا حول تحديد ما سموه آية السيف. وهكذا شوهوا صورة الدين وجعلوا الأصل فى الإسلام الحرب مع أن الأصل هو السلام والسِلم والصبر والدعوة.

(4)

إن الخطاب الدعوى الأزهرى وغيره من الخطابات التى يُروج لها خطابات مُعابة ومُصابة بمخالفة منطوق القرآن ومفهومه ومخالفة الأسوة الحسنة، فالثابت أن رسول الله لم يخرج أبدا مُهاجما مُبتدئاَ بالعدوان لا لنشر الدعوة، ولا ليتبوأ سلطة ولا لإكراه أحد على الإسلام خارج حدود دائرة الحجاز (الأراضى المقدسة) بل كانت كل غزواته ردا على عدوان أو استرداد لما استلبه العدو، كما حدث فى غزوة بدر إذ لم يكن الخروج إليها هجوما كما يزعم المتسرعون، بل كان لاسترداد بعض ما أخذه مُشركو مكة من المسلمين، أما علاقة الإسلام بمُشركى مكة فتلك علاقة خاصة بالشرك المُسيطر على الكعبة وحرمها، وليس مطاردة ومحاربة للعقائد على إمتداد العالم.

يُتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات