الشهيد جوليو و«اسكتش» الببغاء الميت - حسام السكرى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشهيد جوليو و«اسكتش» الببغاء الميت

نشر فى : السبت 6 فبراير 2016 - 11:15 م | آخر تحديث : السبت 6 فبراير 2016 - 11:15 م

الببغاء الميت من أشهر «الاسكتشات الكوميدية» البريطانية، ويحكى قصة رجل اشترى ببغاء من متجر لطيور الزينة ثم اكتشف لاحقا أن الطائر ميت، فعاد للمتجر غاضبا حيث يدور حوار عبثى يصر فيه البائع على أن الببغاء حى. يلكز جثته فيهتز فيؤكد لزبونه فى ثقة أن الطائر تحرك. أما الزبون الغاضب فيمسك الببغاء الميت ويرطمه بالحائط، مستخدما كل كلمات المعجم ليفهم البائع أن الببغاء مات: انتقل إلى رحمة الله، بياكل رز مع الملايكة، توقف عن الوجود، بح، خلص، مفيش.. أو ما يقابلها بالإنجليزية. اشتهر «الاسكتش» وحقق نجاحا خياليا منذ عرض لأول مرة فى عام تسعة وستي.

«الاسكتش» لا يختلف كثيرا عن بعض جوانب الواقع المصرى كما تمثله قصة شاب إيطالى يختفى فى مصر فى ظروف تشديدات أمنية غير عادية فى قلب القاهرة. حملات الأمن تفتش مساكن وسط المدينة، والمخبرون منتشرون فى كل مكان. المارة يتم توقيفهم وتفتيش حقائبهم وفحص الصور والرسائل فى أجهزة الكمبيوتر والهاتف المحمول. الأمن مسيطر واليوم ليس عاديا. إنه الذكرى الخامسة للثورة، النكسة، الحلم، الجحيم، الكارثة المعروفة باسم 25 يناير، خساير، سجاير.. أو أى كلمة على وزن فعايل.. فى هذا السياق يختفى جوليو من وسط القاهرة، باحث دكتوراة شاب، مهتم بموضوع حساس وهو حقوق العمال وأوضاع النقابات فى مصر، ويكتب باسم مستعار عن هذه الموضوعات فى صحيفة المانيفستو اليسارية الإيطالية. بعد أيام من البحث تظهر جثة الشاب المفقود فيعلن مسئول مصرى دون تردد أن الشاب توفى.. فى حادث سير.
نحن أمام «اسكتش» كوميديا سوداء، يقف فيه المسئول فى بلادة أمام إيطالى غاضب يشير إلى علامات تعذيب لا يمكن إنكارها على جسد جوليو. بالنسبة للمسئول، كل شىء على مايرام لأن القاعدة فى مصر أنه ليس مسئولا ولا يمكن أن يكون مسئولا. جوليو ضحية حادث سير، رغم طعنات السكاكين، وحروق الجلد الناتجة عن إطفاء السجائر المشتعلة فيه، والجسد المشوه، والأذن التى قطعت منها أجزاء، والتقارير التى تعلن أنه مات موتا بطيئا.
الجمهور المصرى شاهد «اسكتش الببغاء الميت» كثيرا. وسيناريو حادث السير هو نفسه الذى حدث مع الشاب محمد الجندى الذى قالت السلطات أيضا إنه كان ضحية ارتطام عربة فيما كشفت تقارير طبية أنه مات ضربا وركلا وتعذيبا فى عام ٢٠١٣، والفاعل كالعادة مجهول.
فى بدايات «الاسكتش» كان الجمهور المصرى يقابل تصريحات المسئولين التى تتحدى المنطق، وتناقض الواقع بالسخرية. يقولون فى ثقة: لا نستخدم الذخيرة الحية، ولا يوجد لدينا قناصة. كان الناس وقتها يسمعون ويسخرون ويضحكون ويغضبون.
فى غضون سنوات قليلة تغير الوضع تماما. صار من الممكن أن تقتل فتاة تحمل باقة زهور فى قلب العاصمة فى مواجهة كتيبة مدججة بالسلاح يطلق أفرادها النار ويصوب ضابط منها بندقيته نحو صدرها وسط أوامر مسموعة ومسجلة لإطلاق النار، ثم يتساءل الناس بجدية عما إذا كان هناك من تسلل من الخونة ليطعنها فى الخفاء.
اعتدنا قراءة أخبار التعذيب والموت فى أماكن الاحتجاز وقتل المرضى بإهمالهم فى السجون دون أن نطلب حتى تبريرا لما يحدث. شعبنا تم تدجينه وأحاسيسه تبلدت. والأمل صار معقودا على جمهور جديد لتحريك الوضع، فجمهور إيطاليا مندهش وغاضب نيابة عنا، لأنه يشاهد اسكتش الببغاء المصرى لأول مرة.

رابط اسكتش الببغاء الميت

التعليقات