دوامة العنف السياسى والعنف المضاد - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دوامة العنف السياسى والعنف المضاد

نشر فى : الخميس 6 مارس 2014 - 7:15 ص | آخر تحديث : الخميس 20 مارس 2014 - 9:25 ص

شيئا فشيئا تتكالب قوى الشرّ والثورات الرجعية المضادّة لتزيح مطالب الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، مطالب الديمقراطية، من الساحة السياسية العربية لتحل محلها ظاهرة العنف والعنف المضاد عبر أصقاع الأرض العربية. بعد أن كانت منذ بضع سنوات قضية الديمقراطية فى وجه الاستبداد هى قضية المجتمعات العربية الأولى والأهم والأكثر إلحاحا أصبحت اليوم قضية العنف، بكل أشكالها وتلاوينها، امتدادا من العنف اللفظى والرمزى ووصولا إلى العنف الإرهابى العبثى الفاسق، أصبحت هى قضية الساحة السياسية الأولى. هنا صعدت مفاهيم الأمن وخفتت مفاهيم السياسة والاجتماع، وارتفع صخب طبول البطش والاجتثاث ونفى وجود الآخر على صوت كل آلة أخرى فى سيمفونية الحياة العربية الحالية.

•••

دعنا من المولولين الكاذبين، ذار فى دموع التماسيح، وممن لا ترى أبصارهم إلا زاوية واحدة وإلا لونا واحدا، ولنسأل سؤالا بريئا واحدا: ما موضوع العنف؟ إذا نظرنا فى قاموس العلوم السياسية فإن تعريف العنف السياسى هو أنه وسيلة تستعملها بعض قوى المجتمعات وبعض قوى السلطة لتحقيق أهداف سياسية وذلك من خلال قمع الآخر.

لكنَّ هذا التعريف الغامض الجامد لا يسمن ولا يغنى من جوع، إذ يتجنّب الخوض فى الأسباب وفى الأجواء المحيطة به وفى العوامل التى تغذٍّيه وفى ارتباطه الوثيق بأحزان وأوجاع التاريخ.

البعض يحاول أن يدخل فى صلب هذا الموضوع المعقّد من خلال قول أو جملة أو تركيز على جانب واحد، فالرئيس الأمريكى الراحل جون كيندى ينسب إليه قوله بأنه عندما تسدُ الأبواب أمام الثورة السّلمية فإن الانتقال للثورة العنيفة يصبح أمرا حتمّيا. وهناك قول ينسب لناشط سياسى ضدُّ التمييز العنصرى الأمريكى بشأن المواطنين السّود: «إننى تلميذ العنف لأننى تلميذ القلب الإنسانى». الأول يتحدث عن انسداد الآفاق السياسية والثانى يتحدث عن أهمية القيم الإنسانية والجوانب الأخلاقية. والواقع أن الأقوال كثيرة ومتنافرة.

ما يهُّمنا إيضاحه هو أن العنف السياسى ظاهرة معقّدة مرتبطة أشدّ الارتباط بالممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى المجتمع، وأن الجانب الأمنى هو فقط أحد وجوهها. إنه فى قلب موضوع السلطة فى الدولة العربية الحديثة وفى قلب أزماتها وإخفاقاتها، وهو أيضا فى قلب أزمة الثقافة العربية الحديثة التى تراوح مكانها مشلولة بين الثقافة التقليدية الجامدة وثقافة العولمة الكاسحة المليئة بالسلبيات.

إن ذلك يعنى أن ظاهرة العنف السياسى فى المجتمعات العربية يجب أن تدرس وتحلّل من خلال منهجية العلوم الاجتماعية وتوجد لها الحلول أيضا من خلال أفكار ومبادى تلك العلوم. من هنا اعترض الكثيرون على المقولة الأمنية التبسيطية التى تختزل الموضوع فى ضرورة استعمال العنف الأشد والأكثر بطشا من أجل منع انتقال العنف السياسى إلى ثورة عنيفة تحرق الأخضر واليابس، ليس لأن الإجراءات الأمنية غير مهمة بل لأنها وحدها غير كافية وغير كفؤ وتحتاج إلى سلسلة طويلة من عناصر الإسناد. وبالطبع فإن الحكومة الرشيدة العاقلة هى التى تستطيع التمييز بين العنف السياسى، والذى له مبٍّرراته أحيانا، وبين الإرهاب السياسى الذى لا يمكن أن يبرَّر لأنه يأتى على حساب الأبرياء الآخرين وعلى حساب السلم الأهلى. وبالمناسبة فإن هناك أكثر من مائة تعريف للإرهاب السياسى مما يجعل الموضوع معقدا للغاية. وكذلك التعاريف المتعددة للعنف السياسى. ولذلك حرصت بعض الدساتير أن تضع فى ديباجتها توجيهات أساسية عامة من مثل أن وجود الحكومة الرشيدة لا يمكن فصله عن تواجد النظام العادل والسّلام الأهلى فى المجتمع أو من مثل أن هناك علاقة حميمة ومتلازمة بين وجود الحرية والعدالة والقوانين العادلة والنظام العام العادل وبين إطاعة القانون من قبل أفراد ومؤسسات المجتمع.

كتوضيح واقعى لتلك المقولات يمكن ذكر تاريخ العديد من الدول الديمقراطية فى بداية القرن الماضى. لقد استعملت حكومات تلك الدول العنف السياسى الباطش ضدُ العنف السياسى الذى مارسته حركات النقابات العمالية، ولكنها فشلت فى إيقافه. ولكن كل ذلك العنف السياسى العمالى توقّف عندما باشرت تلك الحكومات بتقنين الحقوق العمالية على أسس عادلة معقولة. عند ذاك أصبح النضال الحقوقى العمالى نضالا سلميا نابذا للعنف. لن تحتاج الأنظمة العربية إلى الاستمرار فى أو البدء باستعمال العنف السياسى، وأحيانا الإرهاب السياسى مع الأسف، لإيقاف العنف السياسى المجتمعى إذا هى اعتبرت العنف السياسى ظاهرة اجتماعية جديرة بالتشخيص والعلاج من خلال مبادئ وأسس علوم الاجتماع وهى معروفة ومجربة وناجعة.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات