7ــ خطابنا الدعوى إلى أين؟ - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

7ــ خطابنا الدعوى إلى أين؟

نشر فى : الجمعة 6 مارس 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 6 مارس 2015 - 9:15 ص

2ــ المرسل: أــ المؤسسية
ــ1ــ
«مرسل الخطاب الدعوى» هو صانع الخطاب وموصله، فهو الجهة التى تقوم باستمداد أصول الخطاب من الوحى، ثم صياغة الخطاب فى جميع أبعاده وتعدد مستوياته، واختلاف ظروفه (زمانا/ مكانا/ أشخاصا)، ثم تتولى بعد ذلك بثه وتوصيله للكافة، ثم تقوم بالمساعدة على تفعيل الخطاب من خلال إدارة مرافق الدعوة (معاهد التعليم/ المساجد/ بيت الزكاة/ الافتاء/ المصالحات.. إلخ)، كما تطلع مؤسسة الدعوة بمتابعة وتقييم الممارسة والأداء بهدف التأكد من صلاحية الخطاب وتأثيره لتتمكن من معالجته بالإضافة أو الحذف أو التغيير، ليبقى الخطاب متفاعلا مع المتلقى تفاعلا إيجابيا دون إفراط أو تفريط.
ــ2ــ
يتضح مما سبق مدى تعدد مهام مرسل الخطاب وتشعب أنشطته، وذلك يستلزم وحدة الهيئة القائمة على صناعة وإرسال الخطاب الدعوى وعدم تجزئتها، نظرا للارتباط الشديد بين جميع مراحل الخطاب (استمدادا/ إعدادا/ تنوعا/ إعدادا للدعاة/ بثا وإرسالا/ تقييما/ تقويما/ إعادتا للصياغة).
فإذا أضفنا المسئولية المطلقة عن وسطية الخطاب وحيدته، والتزامه بضرورات الوطن وإمكاناته بالإضافة إلى عبء تحمل إرسال الخطاب الدعوى كرسالة ثقافية للعالم كله للمشاركة فى مناخ العولمة السائد، وإثبات حضور الأمة وقدرتها على الحوار العالمى للإعمار والسلام والرفاهية والتأكيد على وحدة النوع الإنسانى وإخوته وحق البشرية جميعا فى حياة كريمة هادئة لا تعرف الكراهية والعنف ولا تعتمد الإكراه كوسيلة من وسائل الحياة.
ــ3ــ
وأول شروط المؤسسية الاستقلال، والمقصود من استقلال المؤسسة تمكينها من إنجاز مهامها دون تدخل من التيارات السياسية أو الثقافية حتى لا يصاب الخطاب الدعوى – فى جميع مراحله ــ بحزبية أو بأهواء اللاعبين فى حلبة التنافس السياسى، أو أصحاب الصوت العالى فى الشئون الثقافية. وحتى لا يوضع الخطاب موضع الجدل بين الحكومة والمعارضة. وذلك يعطى للخطاب الدعوى قدرته فى اقناع الكافة بضرورة دعم الأنشطة الرسمية الهادفة لخدمة المجتمع وحراسة استقرار البلاد والعباد. ولهذا كله يجب استقلال المؤسسة عن السلطة التنفيذية فى المجتمع حتى لا تتهم بمحاباة نظام أو سلطة، ولا توصم بالتقصير، ولا يحال بينها وبين إنجاز رسالتها على الوجه الأكمل.
كما أن استقلال المؤسسة عن السلطات لا يكفى لحيدتها والاطمئنان لها، بل لابد أن تحرص المؤسسة فى جميع أنشطتها على استيعاب التعددية المذهبية والقدرة الفائقة على اختيار ما يوافق واقع البلاد والعباد. فلا تقع المؤسسة المرسلة للخطاب أسيرة لمذهب أو لرأى يتضاد مع المصلحة العامة المشهود لها بإنسانيتها وضرورتها وقدرة المجتمع عليها.
ــ4ــ
ومقومات استقلال المؤسسة يجب أن تصاغ فى قانونها المتوافق مع دستور البلاد، ويتضح فيه الاستقلال الإدارى والمالى والعلمى والعملى بما يضمن لها تحمل المسئولية أمام الدولة وشعبها. وحتى تجد المؤسسة مكانتها فى نفوس الناس من ناحية وبين مؤسسات الدولة من ناحية أخرى، فإن «عراقة المؤسسة وعمق تاريخها» وتراكم سوابقها فى حماية الوطن وعدم طموحها فى «الخلط بين الدعوى والسياسى»، وعدم انزلاقها للجدل المزاحم للساحة العامة، وكل ذلك ثابت مشهود له فى الثمانية قرون الأولى من عمر «الأزهر السنى»، إذ مارس رسالته الدعوية وبقى مساندا للدولة فى مواجهتها مع التتار والصليبيين والفرنسيين «ولم يفكر أو يطمح فى الجمع بين السياسى والدعوى». ورغم كثرة الأمثلة، فإن خير مثال هو المشاركة النزيهة فى تولية محمد على. فإذا استعرضنا تاريخ مصر منذ افتتاح الأزهر السنى على يد صلاح الدين الأيوبى وحتى يوم تولية محمد على، فسوف يتضح لنا مدى قدرة الأزهر على ممارسة وظائفه دون مزاحمة للسلطات، ودون انزلاق منه للمساهمة فى الجدل السياسى فضلا عن اعتماده لأدوات الحوار والحكمة والموعظة والثقافة والاتساع لكل الأطياف الفكرية محاورة وتبيانا دون ضغط أو إكراه.
ــ5ــ
وتتجلى قيمة المؤسسة فى عدم استيلاء فرد أو مذهب أو تيار على الخطاب الصادر عن المؤسسة. فالخطاب الدعوى خطاب تنوير وتحرير، وليس خطاب استقطاب ولا مناصرة لفئة، إذ ينحصر الخطاب فى بيان الوحى بوسطية تتوافق مع ظروف الواقع رعاية للسنة الإلهية فى التدرج والتمهل، فسبحان من خلق السموات والأرض فى سنة أيام مع قدرته على خلقها فى أقرب من لمح البصر، وسبحان من أرسل آلاف الأنبياء والرسل على فترات متباعدة، كما اقتضت حكمته سبحانه أن يكون عمر البلاغ النبوى للرسالة الخاتمة أكثر من عشرين عاما ليتعلم ويتوارث الجميع قيمة التخطيط والتدرج ليتحقق المستهدف.
..يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات