فى أمور السلطة فقط! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى أمور السلطة فقط!

نشر فى : الأحد 6 مارس 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : الأحد 6 مارس 2016 - 10:05 م
ليس حكم الفرد سوى ظاهرة متهالكة تجاوزها واقع المجتمعات المعاصرة، كل المجتمعات المعاصرة بتنوع وتعقد قضاياها.

ليس حكم الفرد سوى عنوان تناقض صارخ بين قواعد العمل الجماعى والتشاركى التى تدار وفقا لها الشئون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات المعاصرة حين يضطلع بها القطاع الخاص أو تشرف عليها المنظمات غير الحكومية، وبين النهج الردىء فى السياسة وأمور السلطة حين تخضع لفرد أو مؤسسة أو نخبة وحين يخير الناس بين الطاعة والامتثال أو القمع والعقاب.

ليس حكم الفرد سوى عامل إفساد أساسى للمواطن والمجتمع والدولة. فالمواطن يفقد القدرة على الاختيار الحر، ويراوح بين مواقع الخوف من القمع (التى تدفعه تارة إلى إظهار التأييد للحاكم وأخرى إلى العزوف والصمت) وبين خانات الانسحاب من الشأن العام والبحث عن الحلول الشخصية. وتصيب المجتمع فى مقتل بارانويا التنصت والتعقب والشك والتخوين التى تجعل من كل مواطن متآمرا محتملا وتضفى شرعية زائفة على ممارسة القمع وإنزال العقاب، والحصيلة هى مجتمع خائف وضعيف يتصارع به الجميع ضد الجميع. أما الدولة فيفسدها فقدان الثقة الشعبية فى مؤسساتها وأجهزتها التى يورطها حكم الفرد فى تجاوزات ومظالم وانتهاكات يومية، ويفسدها أيضا تغول الحاكم وسوء استغلاله لسلطات المنصب العام ووضعه «لرجاله» أو «أهل ثقته» أو «خدمته» فى مراكز صنع القرار الرسمى دون كثير اعتبار لكفاءة أو رشادة أو رؤية.

ليس حكم الفرد سوى دليل بين على الوضعية المزرية لشئون السياسة وأمور السلطة وللمتكالبين عليها مقارنة بالنخب الجادة التى تقود القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وتصنع التقدم الحقيقى. معاهد البحث العلمى، الشركات العاملة فى مجالات التطور التكنولوجى، تقنيات الرعاية الصحية، الشركات متوسطة وصغيرة الحجم التى تبحث باستمرار عن التميز والتفوق تارة بغرض التوسع والانفتاح على أسواق جديدة وأخرى من أجل البقاء وتجاوز الأزمات الاقتصادية والمالية الحادة دون انهيارات مؤثرة، المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية؛ هم جميعا يصنعون التقدم الحقيقى من خلال العمل الجماعى وبتوظيف العلم والإبداع وحرية الفكر والخيال. لا قبول لحكم فرد فى أوساطهم، ولا رغبة لدى نخبهم الجادة فى الالتحاق بشئون السياسة أو التورط فى أمور السلطة التى لا يرون بها ما يربط بينها وبين القرن الحادى والعشرين.

ليس حكم الفرد سوى تنصل مطلق من العبر التى استخلصتها البشرية المعاصرة من الديكتاتورية النازية التى جاء بها فرد، ومن الديكتاتورية الستالينية التى سيطر بها فرد على حزب ومجتمع ودولة، ومن المستبدين الذين سطوا على بلاد العرب ومازالوا يستبيحون الدماء نظير البقاء فى الحكم، ومن مستبدين وفاسدين آخرين يسومون شعوبهم سوء العذاب. والعبر هى أن حكم الفرد مآله أن يفضى إلى دمار وخراب، وأن الشعوب التى يتسلط عليها أفراد قد تتعاقب عليها مراحل الدمار والخراب دون توقف، وأن حكم الفرد لا يتورع عن سفك الدماء ولا تتوقف جرائمه حين يثور الناس وترتفع رايات المطالبة بالحق والعدل والحرية.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات