عانى التيار الديموقراطى فى مصر من غياب تنظيمات قوية متجذرة فى الشارع ومتمازجة مع نبض المواطن وهمومه فكانت النتيجة إحساس المواطنين باغتراب كبير مع هذا التيار وانعكس ذلك على أفكار التيار الديموقراطى التى لم تصل للناس بالشكل الكافى الذى يجعلهم يتبنونها ويدافعون عنها بالإضافة إلى حرب التشويه التى يشنها باستمرار اليمين الدينى للتشكيك فى مرجعيات وأفكار الديموقراطيين وكذلك أنصار النظام الشمولى والاستبداد الذين يلعبون على وتر الوطنية والتخوين والتشكيك فى الانتماء الوطنى لدعاة الديموقراطية.
•••
قبل ثورة يناير كان هناك حصار كامل يعوق التيار الديموقراطى عن بناء تنظيمات قوية وعقب الثورة خلق المناخ الجديد فرصة ذهبية تم إهدارها من قبل أنصار الديموقراطية والمنتمين للثورة حيث تفرقت بهم السبل وتشتت الجهود التى أثمرت عن ظهور عدد كبير من الأحزاب الضعيفة التى لم تستطع بلورة الأفكار الديموقراطية بشكل جيد وظل محور الصراع الرئيسى على مدار ثلاث سنوات هو الاستقطاب الدينى وعقب 30 يونيو وما أتبعها من تغير لشكل الصراع وأطرافه عاد محور الصراع مرة أخرى كما كان قبل ذلك متمثلا فى مواجهة بين دعاة الاستبداد وأنصارالحريات، مرت الساحة السياسية بفرز عنيف سقط فيه كثيرون من المحسوبين على التيار الديموقراطى وانحازوا لخطاب المعسكر المضاد وأصبحوا أبواقا له، لكن انعكس ذلك إيجابيا على المشهد النهائى الذى بدت فيه المواقف الفاصلة بوضوح جعل من السهل تمييز المؤمنين بالديموقراطية والمدافعين عنها وتمييز أعدائها أو من فرطوا فيها.
•••
علينا الاعتراف بسقوط كل التجارب الحزبية التى أعقبت الثورة دون جلد للذات بل محاولة للخروج من التجربة بأكبر كم من الدروس الممكنة التى تساعد على تأسيس جديد ولذلك يأخذنا هذا للحديث عن مقومات التأسيس الجديدة التى لابد أن تعالج قصور التجربة الماضية، تأسيس تنظيم جديد للتيار الديموقراطى يحتاج إلى:
أولا : وضوح الهوية السياسية والعقيدة الفكرية حيث إن الفرد الذى سينضم إلى هذا التيار يجب أن يكون قد تشرب أفكار الديموقراطية بشكل كامل وأدرك تمايزها عن الأفكار الأخرى فلا يسقط فى محطات العمل القادمة ولا ينقلب على تياره ويكتشف فجأة أنه انتمى لتيار لا يعبر عنه، النقاء الفكرى والوضوح أمام المنضمين والجمهور أحد عوامل النجاح أما وجود مساحات من الضبابية فى الرؤية بقدر تجميع أكبر عدد فهذا يمثل قنبلة موقوتة ستنفجر لاحقا وتهدم الكيان.
ثانيا : القدرات الإدارية قبل القدرات السياسية، فليس كل سياسى إدارى ناجح وليس كل إدارى ناجح هو سياسى جيد، يجب التعامل مع التنظيم كمؤسسة تسلك أساليب الإدارة الحديثة مع تغيير نمط وفلسفة العمل التطوعى حيث إن العمل السياسى هو عمل تطوعى بلا مقابل ولكن التعامل بنفسية العمل التطوعى فقط والتى تعتمد على نفسية المتطوع وحالاته المتغيرة من النشاط والفتور قد يسبب قصورا بالغا فى القدرة الإنتاجية للكيان ككل وهذا هو التحدى الذى يجب الاستجابة له بنمط جديد من الإدارة يجعل من العمل التطوعى التزاما ومسئولية لا تختلف كثيرا عن العمل بأجر مع ضرورة مراعاة نفسية المتطوع واحترام التزاماته الأخرى.
ثالثا : وجود لائحة تنظيمية تضبط العلاقات بين الأفراد وبين المستويات المختلفة فى الادارة ويتم تطبيق هذه اللائحة دون استثناءات مع توقيع المنضم للتنظيم على ما يفيد موافقته والتزامه المستقبلى بهذه القواعد التى تحافظ على بنية الكيان ووحدته وكذلك تحمى خطه الفكرى من الانحراف، ويجب أن تحتوى اللائحة على آلية حاسمة لاتخاذ القرار وبلورة الموقف السياسى حتى لا تتكرر الظواهر السلبية التى شهدتها التجارب الحزبية السابقة حيث تأخذ القيادة قرارا عبر صلاحياتها المخولة لها ثم تفاجىء ببعض الرافضين للقرار يثيرون المشاكل ويتحولون لمعول هدم وتشويه للكيان بالكامل، هذا لا يعنى بالضرورة خلق نموذج متسلط للقيادة السياسية للحزب ولكن يعنى ضبط العلاقة بين مستوى اتخاذ القرار السياسى وبين رغبات الأعضاء وتفضيلاتهم بوجود آليات للتشاور مع الأعضاء تضمن تمثيل رأيهم فى القرار فى نفس الوقت الذى تضمن فيه لجهة اتخاذ القرار السياسى بالحزب عدم التراجع عن أى قرار اتخذته طبقا لمعايير اتخاذ القرار التى حددتها اللائحة.
رابعا : مراحل إعداد الهيكل التنظيمى للتنظيمات السياسية هى نفس المراحل التى تحددها أدبيات الإدارة وتتمثل فى تحديد الأهداف الأساسية والفرعية للكيانDetermine organization's objectives:، تحديد ما يجب عمله من مهام Determine what is to be done ، تخصيص وتوزيع الأعمال Assign Tasks تحديد اختصاص كل وحدة تنظيمية job description تقرير الصلاحيات اللازمة لكل شخص وكل مستوى تنظيمى Decide how much Authority you should Designate إعداد الخريطة التنظيمية للكيان بمستوياتها المختلفة وعلاقاتها المتقاطعة Draw an organization Chart.
خامسا: توفير مصادر للتمويل تضمن الاستقرار المالى للكيان الذى يحتاج للدعم المادى لفتح مقار وعمل مطبوعات ومواد إعلامية وتنفيذ مشاريع مجتمعية على الأرض مع ضرورة الحذر من تركز القوة التمويلية فى يد عدد من الأشخاص الذين ستؤثر آراؤهم الشخصية وتفضيلاتهم على قرار الحزب ليتحول الكيان لواجهة لهؤلاء، لذلك نحتاج لخلق آلية تمويل ذاتى تعتمد على الأعضاء وعلى المشاريع الاستثمارية التى يعطى القانون الحق بها للأحزاب لتمويل نفسها. هذه الملامح الأولى لبناء التنظيم والتى يتبعها خلق آليات الانتشار والتأثير.