من ينتهك حقوق وحريات المواطن يهجره أيضا! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من ينتهك حقوق وحريات المواطن يهجره أيضا!

نشر فى : السبت 6 يونيو 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 6 يونيو 2015 - 10:29 ص

عندما يصبح العصف بسيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات نهج مؤسسات وأجهزة الدولة إزاء المواطن، فإن إلحاق المظالم والانتهاكات بالناس لا يقتصر أبدا على المجموعات والأفراد المغضوب عليهم «رسميا»، إن بفعل معارضتهم السلمية لمنظومة الحكم / السلطة أو بسبب تمسكهم بالتعبير الحر عن الرأى أو لرفضهم الصمت عن ممارسات القمع والتعقب والتهديد. بل تصيب المظالم والانتهاكات مجموعات تصنف كمؤيدة للحكم / السلطة أو فى أقل تقدير كغير معارضة له، وتسقط ضحاياها بين صفوف مواطنات ومواطنين لا يبحثون إلا عن الحياة فى «ظل وحماية» مؤسسات وأجهزة الدولة أو بعيدا عنها وعن «شرها» ولديهم دوما فى الحالتين القدرة على غض الطرف عن المظالم والانتهاكات طالما لم تقترب منهم.

وتفسيرات الاتساع المطرد الذى تشهده مصر اليوم فى دوائر المظاليم وخانات ضحايا الانتهاكات تتنوع بين 1) كون اعتياد مؤسسات وأجهزة الدولة، خاصة الأجهزة الأمنية، للعصف بسيادة القانون والحقوق والحريات قد شوه بنيويا علاقتها بالمواطن بحيث صارت القاعدة هى الظلم والقمع والاستعلاء والاستثناء هو العدل وصون الكرامة وبحيث أضحى الاستخفاف بالكلفة الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية للمظالم وللانتهاكات هو الأصل والفرع هو التفكير فى تداعياتها الكارثية، 2) ما يحمله كل من صمت بعض القطاعات الشعبية عن المظالم والانتهاكات طالما لم تقترب منها وتجاهلها للمسئولية الأخلاقية المتمثلة فى التضامن مع الضحايا والانتصار لحقوقهم وحرياتهم المهدرة من إغراء مريض للسلطوية الحاكمة بالإيغال فى الظلم والقمع دون خوف أو خشية من مراقبة أو مساءلة أو محاسبة، 3) التورط المستمر لطيور ظلام المرحلة الراهنة ومؤيدى السلطوية الحاكمة فى التبرير الفاسد للمظالم وللانتهاكات تارة بتجريد بعض الضحايا من كل قيمة أخلاقية وإنسانية وأخرى بتشويه البعض الآخر عبر الترويج لأوهام التخوين والتآمر وأخيرة باستدعاء مقولات «الضرورة» و «لا صوت يعلو» ﻹقناع الناس بحتمية تجاهل الظلم وغياب العدل فى سبيل «إنقاذ الوطن» ــ وأسراب طيور الظلام وصنوف المؤيدين يمدون بذلك السلطوية الحاكمة بتبريرات معدة ومختبرة سلفا توظف حين يتواصل اتساع دوائر المظاليم وخانات ضحايا الانتهاكات، 4) استغلال السلطوية الحاكمة لوضعية اليأس والإحباط التى تسقط فى شباكها الكثيرين بفعل تراكم المظالم والانتهاكات وكذلك لفقدان مصداقية من «يقررون اليوم» الاستفاقة والتنديد بعد طول صمت وتجاهل فى فرض الظلم والقمع «كأمر واقع» على الناس.

***
فى سياق الاتساع المطرد للمظالم وللانتهاكات، يتعين إدراج كارثة تهجير الأسر المصرية القبطية التى عادت منذ أيام لتطل من الصعيد (قرية كفر درويش، مركز الفشن، محافظة بنى سويف) بوجهها القبيح على المواطن والمجتمع. والتهجير – وهو دوما أمر قسرى يفرض على الضحايا فى إلغاء كامل لإرادتهم الحرة، فلا يوجد تهجير طوعى، وتوظيف مفهوم التهجير فى نقاشاتنا العامة للإشارة على سبيل المثال لما حدث لأهل مدن القناة فى أعقاب حرب 1967 هو توظيف غير دقيق والأصوب هو استخدام مفاهيم كالنزوح الجماعى (المنظم أو غير المنظم) للسكان بفعل ظروف استثنائية – جريمة وفقا للنصوص الدستورية والقانونية المصرية، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان وفقا لمواثيق وعهود الحقوق والحريات الدولية، والدور المنوط بمؤسسات وأجهزة الدولة هو منع جريمة التهجير إن على أساس التمييز الدينى أو المذهبى أو العرقى أو الاجتماعى والحيلولة دون سقوط ضحايا.

عندما تتورط مؤسسات وأجهزة الدولة فى إقرار جريمة التهجير أو تنفيذها أو الصمت عنها، نصبح أمام تنصل لمنظومة الحكم / السلطة التى تسيطر على مؤسسات وأجهزة الدولة من التزاماتها الدستورية والقانونية بشأن منع التهجير – تماما كما تتنصل من سيادة القانون ومن ضمانات الحقوق والحريات وتلحق بالمواطنات والمواطنين المغضوب عليهن وعليهم المظالم والانتهاكات.

***

إقرار التهجير وتنفيذه والصمت عنه – وبعيدا عن التبريرات فاسدة الجوهر التى تربطه بعمل مجالس «الصلح» العرفية، وكأن هذه يحق لها الخروج بنتائج تتناقض مع صريح الدستور والقانون، وكأن دور الدولة هو الاستجابة المريضة للنزوع التمييزى خوفا من التوترات الطائفية – يمثل جريمة 1) يتعين إيقافها فورا وجبر الضرر عن الضحايا بتمكينهم من العودة إلى مواطنهم وحماية كرامتهم وحقوقهم وحرياتهم من الانتهاك وضمان أمنهم – ولا يسعنى هنا إلا أن أتمنى أن تكون التصريحات الرسمية التى تشير إلى عودة الأسر القبطية المهجرة من قرية كفر درويش صحيحة، و2) تستدعى مساءلة ومحاسبة مؤسسات وأجهزة الدولة المتورطة فيها شأنه هنا شأن التعذيب، والحبس الاحتياطى غير المحدد بسقف زمنى نهائى، والتعقب، وتهديد المواطن بالممارسات القمعية بسبب معارضة سلمية أو رأى حر.

***

أما الكارثة الأخرى، والتى تزين للسلطوية الحاكمة توريط مؤسسات وأجهزة الدولة فى جرائم كالتهجير، فهى أن كثيرين ممن ينتقدون اليوم التهجير ويطالبون بالمساءلة والمحاسبة هم من طيور ظلام الصمت عن الظلم وعن جرائم التعذيب والتعقب لكونها تتجه إما لمن نزعوا عنهم كل قيمة أخلاقية وإنسانية وبرروا لعقابهم الجماعى أو لمن شوهوهم تخوينا لمعارضتهم السلطوية سلميا التى يؤيدونها هم والتى أوصلتنا إلى ما نحن عليه من تراكم غير مسبوق لصنوف قديمة وجديدة للمظالم وللانتهاكات.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات