زيارة الرئيس الصعب - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 13 أغسطس 2025 11:10 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

زيارة الرئيس الصعب

نشر فى : السبت 6 يونيو 2015 - 9:40 ص | آخر تحديث : السبت 6 يونيو 2015 - 9:40 ص

فخ المبالغات يعطل استيعاب التغيرات ومعرفة أين مواقع الأقدام.

إدراك الحقائق من متطلبات إدارة السياسة الخارجية بقدر أكبر من الرشد والكفاءة.

كانت زيارة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» إلى العاصمة الألمانية برلين مثيرة فى أجوائها وتفاصيلها، أذابت بعض الجليد الدبلوماسى لكنها لم تمثل اختراقا جوهريا فى صورة السلطة الجديدة بأكبر بلد عربى.

الواقعية السياسية حكمت الزيارة من أول التفكير فيها إلى آخر اجتماعاتها.

لم تكن برلين متحمسة على أى نحو ولا فى أى وقت لصعود «السيسى» إلى الرئاسة المصرية.

بدت صحافتها الأشد انتقادا والأعنف هجوما بين وسائل الإعلام الغربية على تحولات (٣٠) يونيو.

هذا كله لم يتغير دراماتيكيا لا قبل ولا أثناء ولا بعد الزيارة.

العبارة الألمانية التى وصفت «السيسى» بـ«الرئيس الصعب» تلخص بدرجة كبيرة من الدقة حقيقة الموقف.

فهو يترأس دولة محورية فى محيطها وأدوارها المحتملة مما لا يمكن الاستغناء عنها فى الحرب مع الإرهاب، وأوروبا قلقة من انتقال شرارتها عبر المتوسط إليها.

بأرقام غربية: (٢١٠) من مواطنى ألمانيا التحقوا بتنظيم الدولة «داعش» فى سوريا والأعداد مرشحة للارتفاع.

تفشى الإرهاب يقوض فرص الحياة الإنسانية ويفضى إلى اتساع الهجرة غير الشرعية إلى الحواضر الأوروبية.

وهذا داع رئيسى آخر للقلق.

فى ملفات الإقليم الأكثر حساسية وخطورة من سوريا والعراق وليبيا إلى اليمن على تخوم الخليج، حيث الثروات النفطية لا يمكن لأية استراتيجية غربية أن تستبعد مصر.

خسارة مصر ضربة قاصمة لا تحتمل.

هذه حقيقة استراتيجية استدعت أن يخفف الغرب من حملاته على سلطة ما بعد (٣٠) يونيو بأسرع من أى توقع.
صحيح أن هناك جهودا دبلوماسية بذلت لكن لم يكن ممكنا أن تنجح ما لم تسندها الحقائق الاستراتيجية.

الوزن الاستراتيجى المصرى، رغم إنهاكه البادى، بدا أقرب إلى بوليصة تأمين فى وقت حرج.
بالاقتراب من روسيا علت المخاوف الغربية وجرت عمليات التفاف حتى لا تتسع الفجوات مع مصر.
تقدمت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا لفتح قنوات حوار دافئة مع القاهرة بموافقة لا تخفى من الولايات المتحدة.

بحسب معلومات مؤكدة لا تتردد واشنطن من إبداء عدم ارتياحها للمسئولين المصريين من أية أخبار عن صفقات تسليح روسية أو أى اقتراب استراتيجى مع موسكو.

المعنى أن ألمانيا وقفت فى الصف الغربى، لا بادرت ولا غيرت فى قواعد الاشتباك مع الأوضاع الجديدة فى مصر.

بالنسبة لألمانيا فإن هناك نوعين من الاستثمار تتطلع إليهما.

أولهما استراتيجى حيث الأخطار المحدقة والترتيبات المنتظرة فى الإقليم.

وهذا أمر لا تملكه، فهى تشارك دون أن تقود.

وثانيهما اقتصادى حيث الفرص المتاحة والأسواق الواعدة.

وهذه مسألة حاكمة فى الدولة الأوروبية الأقوى اقتصاديا.

كانت دعوة «السيسى» لزيارة برلين تعبيرا مباشرا عن قوة الشركات الكبرى فى صناعة القرار.

بمعنى آخر حديث الصفقات الاقتصادية غلب أية أحاديث أخرى.

رقم واحد يلخص الرهانات الاقتصادية الألمانية: (8) مليارات يورو قيمة الصفقة مع شركة «سيمنس» فى مجال الطاقة.

المصالح الاقتصادية تفسر مشاركة نائب المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» فى مؤتمر «شرم الشيخ».

غير أن ذلك كله، على أهميته، لم يغير جوهريا فى صورة «الرئيس الصعب».

التعبير نفسه يستلهم فكرة «الرقم الصعب»: «لا نميل إليك ولا نستغنى عنك».

ما كان متوقعا أن يستمع إليه «السيسى» فى برلين هو ما حدث بالضبط.

الزيارة استبقها رئيس البرلمان الألمانى بتصريحات تجافى كل تقليد عند دعوة الرؤساء الأجانب.

أعلن رفضه لقاء الرئيس المصرى اعتراضا على سجل حقوق الإنسان فى بلاده وأحكام الإعدامات بالجملة.

المثير أن رئيس البرلمان الألمانى ينتمى إلى حزب المستشارة «ميركل» التى وجهت الدعوة رسميا.

الأكثر إثارة أن رئيس الأغلبية البرلمانية الذى التقى «السيسى» ينتمى إلى الحزب نفسه.

ما بين الواقعية السياسية التى دعت قيادات ألمانية لفتح صفحة جديدة وبين ما تعتقده قيادات أخرى من رؤى وتصورات جرت زيارة «الرئيس الصعب».

بصورة ما احتذت الدبلوماسية المصرية الواقعية السياسية نفسها وتجاوزت إهانة رئيس البرلمان الألمانى، وهذه ليست مسألة هينة.

إذا كانت لمصر مصالح اقتصادية وسياسية فى مد الجسور مع برلين فلألمانيا مصالح مماثلة فى مد الجسور مع القاهرة.

أصعب موقف أمام أية دبلوماسية أن تشعر أنها موضع مساءلة.

بعض ما جرى فى برلين مساءلة سياسية عن أحكام الإعدامات وتلكؤ العملية الديمقراطية والتضييق على منظمات المجتمع المدنى وتراجع سجل حقوق الإنسان.

هذه عناوين يتوجب الحوار حولها فى القاهرة قبل أى عاصمة أخرى والتصدى لها بإقناع هنا قبل أى مكان آخر.

بدت مداخلة «السيسى» فى المؤتمر الصحفى المشترك «ميركل» على قدر كبير من التماسك.

نحى الأوراق التى أمامه وتحدث مباشرة بطريقة من ذاكر ملفاته قبل أن يواجه الإعلام الألمانى.

مما هو مقنع الاعتراف بأوجه القصور لا الادعاء بعكسها.

هذا كلام يحترمه العالم، وبرلين عاصمة جدية تفهم الكلام المستقيم لا «الزفات الشعبية» التى أساءت إلى الصورة العامة.

«السيسى» ألمح بما يكاد أن يكون تصريحا إلى احتمال عدم تنفيذ الإعدام فى الرئيس الأسبق «محمد مرسى» بعدما يكون الحكم نهائيا وفق صلاحياته الدستورية.

التلميح بذاته ينطوى على إدراك عميق للكلفة السياسية الباهظة لهذا الإعدام أو أية إعدامات بالجملة.
التقدير السياسى يخضع لحسابات كثيرة قال هو نفسه إنها لم يأت وقتها المناسب.

أكد أن المصريين يطلبون الحرية كالألمان، الكلام إيجابى لكنه يتطلب أن تتسق السياسات مع فحواه وتسوية أزمة الدولة مع شبابها.

استند فى كلامه على «شرعية» عزل الرئيس الأسبق «محمد مرسى» بإرادة شعبية حقيقية فى (٣٠) يونيو.

هذه نقطة جوهرية فى شرح ما جرى حتى لا تنجرف مصر إلى حرب أهلية أو «فاشية دينية»، غير أن شرعية يونيو تتجاوز عزل رئيس وإطاحة جماعة إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

الاعتراف بالقصور فى الأداء العام مما يزيد من الشعبية ويفتح المجال أمام فرص تصويب المسار.

لا يوجد نموذج يلهم مواطنيه ويقنعهم أنهم فى الطريق الصحيح.

الوضع صعب كما قال الرئيس أمام مضيفيه الألمان.

لا يشك أحد فى ذلك وإلا فإنه يتحدث عن بلد آخر.

غير أنه لا يسوغ تضييق المجال العام على نحو يتناقض مع أية قيمة دستورية.

كل ما هو مطلوب أن يكون المجرى الرئيسى الذى نتحرك فيه واضحا، نعرف مطباته ونرى نهاياته.

هذا ما نفتقده بفداحة ويعرف العالم أننا نفتقده.