فرص المشاركة الشعبية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فرص المشاركة الشعبية

نشر فى : الإثنين 6 يوليه 2015 - 10:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 6 يوليه 2015 - 10:40 ص

غير بعيد عنا، ذهب ناخبون بالأمس للإدلاء بأصواتهم فى استفتاء شعبى على شروط اقتصادية ومالية فرضت على بلدهم فى سياق أزمة ديون متراكمة.

فى اليونان، شارك الناخبون فى الاستفتاء على شروط الاتحاد الأوروبى، لإبقاء بلدهم فى منطقة العملة الأوروبية الموحدة ولمواصلة دعمها الاقتصادى والمالى ومساعدتها فى التعامل مع الديون وخدماتها وﻹدخال إصلاحات هيكلية على الإنفاق العام وعلى نظم المعاشات والتأمينات الاجتماعية، وهى الشروط التى وصفتها حكومة اليسار اليونانية بالمجحفة وبالنيوليبرالية وبالإرهابية (حيث جاء التوصيف الأخير على لسان وزير مالية اليونان فى حوار صحفى نشر أوروبيا قبيل الاستفتاء) وأوصت الناخبين من ثم بالتصويت برفضها.

وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء ــ والتى توقعتها استطلاعات الرأى العام متقاربة فى نسب التصويت المؤيد للشروط الأوروبية والتصويت الرافض لها، تشير تجربة اليونان فى استدعاء الناخبين إلى مراكز الاقتراع لحسم قضية مجتمعية مصيرية ولتمكين الناس من الفرض المباشر لاختياراتهم على الحكومات المنتخبة وصناع القرار العام إلى الفرص الكثيرة التى تعطيها الآليات والإجراءات الديمقراطية للشعوب لتجديد تضامنها ولإدارة شئونها وتعديل أهداف ومسارات فعلها والبحث عن مخارج من الأزمات الكبرى تحدد فى مراكز الاقتراع وتحترم بصددها إرادة الأغلبية دون عصف بحقوق الأقليات.

قبل أن تقرر حكومة اليسار اليونانية الذهاب إلى استفتاء شعبى كانت مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبى قد وصلت إلى طريق مسدود ــ تتحمل الحكومة اليونانية شقا كبيرا من المسئولية عنه لتقلباتها الكثيرة وامتناعها عن حسم توجهاتها الاقتصادية والمالية وحدود رغبتها فى إدخال الإصلاحات الهيكلية المقترحة أوروبيا، وتتحمل الحكومات الأوروبية الأخرى شقا من المسئولية عنه بتركيزها الأحادى على الديون وسدادها. وبتوظيف جيد للآليات والإجراءات الديمقراطية، دفعت الحكومة اليونانية بكرة الاختيار إلى مراكز الاقتراع. فإن وافقت الأغلبية على الشروط الأوروبية، أصبحت الموافقة الطوعية هى عنوان الحقيقة وطريق الجلد على النتائج الاجتماعية الصعبة المترتبة عليها. وإن رفضت الأغلبية، أصبح الرفض العام إما سبيل الحكومة إلى تجديد التفاوض مع الاتحاد الأوروبى من موقع التأييد الشعبى لتوجهها والوصول إلى حزمة شروط أقل وطأة اجتماعيا أو سبيلها إلى الخروج من منطقة العملة الأوروبية الموحدة وإعادة البناء الاقتصادى والمالى والاجتماعى فى سياق مغاير تماما مع ضمان جلد الشعب بشأن التداعيات الصعبة المتوقعة.

أما الناخبون اليونانيون، ومع تدهور ظروفهم المعيشية بشدة خلال السنوات القليلة الماضية، فيتيح لهم الاستفتاء على الشروط الأوروبية فرصا متنوعة، فإما الموافقة عليها وتحمل نتائجها والتخلص من حكومة اليسار التى ستعنى خسارتها للاستفتاء على الأرجح الاستقالة وانتخابات برلمانية مبكرة، أو الرفض طلبا لشروط أقل اجحافا من قبل الحكومات الأوروبية، أو الرفض طلبا لتوجه جديد يبتعد عن الاتحاد الأوروبى وعن نيوليبرالية مراكزه الكبرى. وللاتحاد الأوروبى سينهى الاستفتاء حالة «اللاقرار» التى تهدر الكثير من الطاقات الاقتصادية والمالية، وترتب تصاعد رأى عام فى البلدان الأوروبية الكبرى رافض لاستكمال مسار مساعدة اليونان والنهوض بكلفته.

هنا الفرص الكثيرة التى تقدمها الآليات والإجراءات الديمقراطية، هنا البدايات الجديدة والنقلات النوعية الممكنة للخروج من أزمات كبرى وصعوبات متراكمة، هنا عبقرية إشراك الناس عبر مراكز الاقتراع وليس تهميشهم واختزالهم فى قطعان تنزع عنها حرية اختيار وعليها فقط تأييد الحكومات منتخبة أو غير منتخبة، هنا روعة النقاش العام العاقل والبحث الرشيد عن أفضل الاختيارات الممكنة وأقل التداعيات المحتملة قسوة وهما تأتى بهما المشاركة الشعبية فى الاستفتاءات والانتخابات، هنا الإمكانات الفعلية لاستفتاءات لم تكن متوقعة ولانتخابات مبكرة لم تكن فى الحسبان ولنقاشات عامة لا هيستيريا بها ولا جنون بل فعل مسئول من المواطن الناخب ومن صناع القرار على حد السواء.
ليتنا نتدبر قليلاً!
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات