وعندما نضع استراتيجيات.. لا نلتزم! - عمرو عبدالقوى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وعندما نضع استراتيجيات.. لا نلتزم!

نشر فى : الإثنين 6 يوليه 2015 - 10:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 6 يوليه 2015 - 10:45 ص

«عدم الالتزام بالاستراتيجيات وتطبيق المخططات» كان أحد التحديات التى تعيق بناء رؤية جديدة تحل المشكلات الراهنة، التى وثقتها الوثيقة النهائية للمنتدى الحضرى الأول لمصر، تلك الوثيقة التى ستمثل الرؤية الرسمية والغير رسمية أمام المنتدى الحضرى الدولى فى الإكوادور عام ٢٠١٦.

تشير الوثيقة إلى هذا القصور فى منظومة إدارة البيئة الحضرية كواقع قائم مثله مثل الزيادة السكانية المضطردة، التى تساهم فى انخفاض نصيب الفرد من الخدمات والمرافق.

ومعنى هذا التحدى، إنه ليس بالضرورة أننا نفتقد للقدرات أو الكوادر المؤهلة لوضع استراتيجيات جيدة أو سليمة، ولكن المشكلة تكمن فى عدم مقدرة المنظومة الإدارية للدولة بالالتزام بتنفيذ هذه الاستراتيجيات أو المخططات. وهذا ما يفسر التناقض الغريب الذى نتصارع معه كل عام، وبالأخص مع ظهور وزير جديد فى أى وزارة وإعلانه عن وضع استراتيجية جديدة تهدف لحل جميع مشاكل القطاع المعنى، ثم لا نرى غير القرارات التى تتسم بالتناقض والعشوائية وافتقادها لاستراتيجية موحدة «رغما عن الإعلان عن وجود تلك الاستراتيجية».

***

ولكن دعونا أولا نوضح ماذا نعنى عندما نتحدث عن «استراتيجية»، بصورة مبسطة؛ هى رؤية شاملة متكاملة تحاول ربط جميع جوانب الموضوع تحت الدراسة وتحديد الركائز الأساسية التى يجب أخذها فى الاعتبار، لتحديد محاور العلاج المقترح والتى يجب أن يتقيد بها أى مشروع حل لأى عنصر من عناصر الموضوع.

المشاركة فى المنتدى الحضرى كانت مفيدة، ومن ضمن الفوائد كان عرض المسئولين للمخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية، الذى وضع تصور لأولويات التنمية الشاملة لمصر حتى عام ٢٠٥٢، وعرض استراتيجية التنمية العمرانية لإقليم القاهرة الكبرى، وكلا هذا الدراسات تمت تحت إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمرانى. ويجب أن نقر بأن الدراسات تحتوى على جهد فنى مشرف، وبغض النظر عن أى اختلافات فنية قد نثيرها كمتخصصين، إلا أن ذلك لا يقل من القيمة العلمية للعملين، فمن الطبيعى أن يكون الهدف الأساسى لمثل هذه الدراسات، هو استثارة المناقشات والحوارات بهدف إثراء العملية الفكرية والوصول إلى بدائل أفضل «حيث إنه لا يوجد حل واحد كامل وصحيح فى موضوعات التنمية البشرية».

قسم المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية القطر المصرى إلى عشرة أقاليم، يتميز كل إقليم بقيم تنافسية وتنوع فى الموارد الاقتصادية والجغرافية، تمكنه من بناء اقتصاد مستدام يكون جاذبا للاستيطان، بما يساهم فى تحقيق توزيع سكانى أفضل جغرافيا، ويمكننا من توسيع الرقعة الاستيطانية من ٦٪ إلى ١١٪. ويحدد المخطط ثلاث مراحل للتنفيذ طبقا للأولويات التنموية، وتشمل المرحلة الأولى المشروعات القومية التنموية العاجلة المطلوب البدء فى تنفيذها حتى عام ٢٠١٧:
١ــ تطوير إقليم قناة السويس كمركز لوجيستى وصناعى عالمى.
٢ــ تنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوى.
٣ــ تنمية شمال ووسط الصعيد.
٤ــ تنمية جنوب مصر.
٥ــ تنمية سيناء.

وقد تم بناء الرؤية الاستراتيجية لتنمية إقليم القاهرة الكبرى على ركائز هذا المخطط القومى. وإقليم القاهرة الكبرى يضم الكتلة العمرانية لمحافظة القاهرة وبعض الأجزاء من محافظتى الجيزة والقليوبية شاملة بعض التجمعات العمرانية الجديدة هى ٦ أكتوبر، الشيخ زايد، ١٥ مايو، القاهرة الجديدة، العبور، الشروق، وبدر. ويهدف المخطط إلى «التوسع فى محاور ومشروعات التنمية الجديدة والخروج من وادى النيل إلى الجهة الشرقية باتجاه البحر الأحمر وإلى الغرب فى اتجاه الواحات، مع الإبقاء على القاهرة الكبرى، باعتبارها القلب النابض لمصر، مع العمل على تقليل الجاذبية الشديدة لها وتخفيض نسبة سكانها من إجمالى تعداد الجمهورية إلى ١٧٪ بدلا من ١٩٪ حاليا، وذلك من خلال اقتراح أقطاب ومراكز تنمية جديدة خارج الوادى والدلتا لتلبية احتياجات الزيادة السكانية على المستوى القومى، الأمر الذى يساعد على التخفيف من ضغوط الهجرة الداخلية إلى القاهرة الكبرى». «ص ٢٧ فى الدراسة المنشورة بمعرفة الهيئة العامة للتخطيط العمرانى».
وبناء على تلك الرؤية، يقترح المخطط عدة مشروعات ذات أولوية تنموية تساهم فى تحقيق الرؤية المستهدفة ومنه:
1. إنشاء مطار دولى فى مدينة ٦ أكتوبر.
2. إنشاء ميناء فى الزعفرانة.
3. إقامة مركزين ذات بنية متطورة فى القاهرة و ٦ أكتوبر «فى البحث العلمى والتعليم الفنى».
4. إقامة مركزين للسياحة فى القاهرة والجيزة.
5. إقامة ٧ مراكز تنمية ريفية بالقليوبية وحلوان.
6. إقامة ٣ مراكز صناعات زراعية بالقليوبية وحلوان وشرق القاهرة.
7. إقامة منطقتين لوجستية فى العاشر من رمضان وحلوان.
8. إنشاء ستة محاور للتنمية تمر بالإقليم.

واستنادا على هذا العرض المبسط لبعض جوانب وأولويات الاستراتيجيات والمخططات العمرانية المستقبلية، يجب أن نعود لمناقشة القصور الذى أشارت إليه وثيقة المنتدى الحضرى فى التزام المنظومة الرسمية بالاستراتيجيات والمخططات التى تطورها. ولنطرح القرار التنفيذى لإنشاء عاصمة إدارية جديدة شرق مدينة القاهرة الجديدة، ليكون محورا هذا النقاش. فبعض الأسئلة التى تطرح نفسها تشمل:
• لماذا اختير موقع هذا التجمع خارج الإطار الجغرافى الذى حدده المخطط الاستراتيجى لإقليم القاهرة الكبرى إذا ما كان مستند عليه؟
• لماذا تغيرت أولويات إنشاء المطار الثانى للإقليم فى ٦ أكتوبر لخدمة التنمية فى الشق الغربى للإقليم، ليصبح مطار ثانى يخدم شرق الإقليم؟
• لماذا لا يكون هذ المطار فى وسط إقليم قناة السويس نفسه حتى يكون عنصر جذب مباشر له بدون الحاجة للمرور بالقاهرة؟
• الرؤية الاستراتيجية تنادى بخلق عناصر جذب شرق وغرب الإقليم لإضعاف قوة جذب القاهرة، ألا يمثل هذا المشروع تناقضا صريحا مع تلك الاستراتيجية، حيث يدعم قوة جذب القاهرة بل ويؤكد اعتماد إقليم قناة السويس عليها؟
• ألا يمثل هذا التوسع الشرقى للإقليم خطوة لوصل القاهرة الكبرى فعليا بقناة السويس؟
• من أين ظهر هذا المشروع القومى العظيم ولم يكن مدرجا مثيلا له فى الدراسة الوافية والعميقة لمستقبل القاهرة الكبرى ومصر ككل؟
لقد أشارت تصريحات المسئولين أخيرا، إلى أن المشروع نتاج لمقترحات المكتب القائم على إعداد الدراسة التخطيطية لإقليم قناة السويس. وهذا بالطبع وارد، أن يظهر اقتراحات أو أفكار جديدة تطرح نفسها على ساحة النقاش الاستراتيجى، إذا أثبت جودته فهو يشير إلى خلل فى الاستراتيجية الأصلية، مما يستوجب طرح ركائزها كلها للمراجعة، وقد يستتبع ذلك إعادة الاستراتيجية لتكون ركائزها سليمة. أما إذا كانت الرؤية الأصلية سليمة، فيجب إلغاء الفكرة الجديدة لعدم تناسبها مع الأهداف الأشمل للتنمية، حتى وإن كان لها مميزات قصيرة الأمد، فالهدف الاساسى لأية استراتيجية هى ضمان التكامل طويل المدى.

***

فى جانب منه يتماشى هذا المقترح مع أهداف المخطط الاستراتيجى فى أهمية خلخلة وسط المدينة، وتخفيف التكدس بها من خلال نقل مجمع الوزارات خارجها «والذى تم بالفعل للكثير من الوزارات بدون الحاجة إلى بناء عاصمة جديدة لهم». ولكن فى جانب آخر، يشير هذا المقترح إلى تسليمه بافتراضية خطيرة تتناقض مع الرؤية الاستراتيجية الموضوعة، وهو الافتراض بأن مركزية القاهرة لا مفر منها، وبالتالى لضمان نجاح مشروع قناة السويس يجب أن نصله بالقاهرة عن طريق امتداد القاهرة لتقترب منه.

فى هذه الحالة، أين يصبح مركز الثقل الجاذب فى مشروع قناة السويس إذا؟ أكيد ليس فى الإسماعيلية أو السويس أو بورسعيد فلا مجال لهم للمنافسة مع مطارين دوليين على بعد ٦٠ كيلومترا للغرب، بجانب مركز حكومى وإدارى وتجارى ضخم. ما هى فرص المنافسة، لا أعتقد أنها ستختلف كثيرا عن فرص العاشر من رمضان، حيث اكتملت شبه نهائيا تنمية المناطق الصناعية بها بدون اية تنمية بشرية تذكر للمدينة.

• لماذا إذا سارعت الإدارة التى أعدت تلك المخططات بالإعلان عن هذا المشروع رغم التباين الظاهر مع استراتيجيتها المعلنة؟
• هل لأن الأولويات السياسية طالبت بأولوية جذب الاستثمارات المباشرة الخارجية؟
• هل تتخلى بذلك وزارة الإسكان والهيئة العامة للتخطيط العمرانى عن الرؤية الاستراتيجية التى طورتها؟
• ألا يستدعى ذلك إعادة النظر فى فكرة المشروع المقترح؟. أو ربما فى الاستراتيجية نفسها؟

من الواضح أن الضغوط السياسية للمؤتمر الاقتصادى وجلب استثمارات خارجية، كان لها دور فى هذا التسرع.. نعم تسرع بدليل أنه ظهر لاحقا أن الإدارة وقعت مذكرة تفاهم مع الشركاء قبل إنهاء النقاش فى أساسيات تلك الشراكة ومبادئها الغالبة. ومع تعثر المفاوضات بين الشركاء «أو انتهائها فالصورة ما تزال ضبابية» تظهر مؤشرات بطلب الجهات المعنية مجموعات من المكاتب المحلية والمطورين بالعمل على المشروع من خلال إطار جديد.

• أين أولوية جلب الاستثمارات الخارجية والتى دفعتنا للتخلى عن الاستراتيجية الأصلية من هذا التطور؟
• هل أصبحت الآن المشكلة الأكبر حماية ماء الوجه؟
• أم مازالت مشاكل مستقبل التنمية العمرانية لمصر هو محورنا الأساسى؟

ونوضح فى الختام، أن طرح الرؤى والاستراتيجيات والمشروعات لحوار مجتمعى حقيقى، يظهر جوانب أكثر بكثير من تلك التى لها أن تظهر داخل الغرف المغلقة للخبراء والساسة. وهذا الطرح لا يعنى بالتالى بأن القرار مرهون بأخذ رأى الجميع والتصويت المجتمعى الشامل على كل مشروع، فالمسئولية الإدارية قد أوكلها الشعب للسياسيين الذى اختارهم لتمثيله! وهم مسئولون أمام الشعب لأخذ القرارات التنفيذية وعليهم أيضا تحمل مسئولية هذه القرارات. الشفافية والحوار الحقيقى هما الحماية الحقيقية لهم ولمصلحة المجتمع.
وعليه فالحوار يجب أن يستمر!

عمرو عبدالقوى أستاذ العمارة بالجامعة الامريكية بالقاهرة
التعليقات