عن «كهربة» الدولة العميقـة - أكرم يوسف - بوابة الشروق
الخميس 17 يوليه 2025 9:20 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

عن «كهربة» الدولة العميقـة

نشر فى : الإثنين 6 أغسطس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 6 أغسطس 2012 - 8:00 ص

أصبح انقطاع الكهرباء أحد أهم الاحداث التى يتشاركها المصريون يوميا، والتى تزيد من عنائهم وتنبئهم بوضوح عن حقيقة دولتهم «العميقة» وحقيقة أزمتها، ولأن الأمر اصبح يمس حياة الناس ويثير سخطهم فربما علينا تجاوز هذه الفوضى التى تميز النقاش العام الدائر فى مصر والوقوف على بعض الحقائق عن قطاع الكهرباء فى مصر.

 

أولا مع انتهاء 2012 ستقترب قدرات إنتاج الكهرباء فى مصر من 30 ألف ميجاوات بدخول عدد من محطات توليد الكهرباء الحرارية ضمن خطة الوزارة الخمسية السادسة التى ستنتهى هذا العام، والتى أضيف خلالها للشبكة  9200 ميجاوات أى حوالى 47% من إجمالى قدرة الشبكة. وبالطبع تعتبر هذه طفرة حقيقية ولكن من المهم أيضا معرفة أن القدرات الإنتاجية لدولة مثل جنوب افريقيا تصل الى 40 الف ميجاوت بينما تتجاوز القدرات الإنتاجية لكوريا الجنوبية الـ80 الف ميجاوات اما الهند فتصل القدرات الانتاجية إلى 205 آلاف ميجاوات، أى علينا أن نعرف جيدا ــ وكحقيقة أساسية ــ أن قطاع الكهرباء فى مصر بالمقارنة بالقدرات الإنتاجية لدول العالم يعتبر قطاعا متخلفا لدولة نامية وفقيرة، وبالتالى ليس غريبا أن يصل الاستهلاك المنزلى الذى يعنى بعض أجهزة التكييف والاضاءة الى 42% من مجمل الاستهلاك، وليس مدهشا أن تصل الزيادة فى الاستهلاك السنوية الى 12%، فبالمقارنة بقدرات الشبكة الكلية فإنها زيادة عادية تنم عن تخلف الشبكة اكثر ما تنم عن زيادة الاستهلاك.

 

الحقيقة الثانية تخص نوع الملكية فالقدرات الانتاجية يمثل فيها القطاع الخاص 7.5 % بينما تمتلك الدولة 92.5% المتبقية، مقسمة بين محطات مائية تمثل 10% وحرارية وتمثل 80% ومتجددة تمثل 2.5% من اجمالى الانتاج. فمع أواخر التسعينيات وتحت ضغط من البنك الدولى بدأ النقاش حول إشراك القطاع الخاص فى عبء الإنتاج، وفى اوائل الألفية تم تجميد نشاط الحكومة فى بناء المحطات لترك المجال للقطاع الخاص، وتم طرح بعض المشاريع بنظام الـ BOOT  الذى يسمح للشركات الخاصة ببناء المحطة وامتلاكها وتشغيلها وبيع الكهرباء للوزارة على أن تنقل ملكية المحطات للحكومة بعد 25 عاما، إلا أن حالة التردد فى دولة مبارك ووهن شرعية نظامه اثر سلبا على مشروع إدماج القطاع الخاص، ولم تسفر الا عن إنشاء عدد محدود من المحطات، فحملة قوية على ادماج القطاع الخاص كانت قد شنت من داخل الدولة بالأساس، وأعاقت ادماجه، وبقى عبء انشاء محطات الكهرباء ملقى بالكامل على كاهل الوزارة التى لجأت مضطرة للاقتراض من البنوك التى بدورها لها اشتراطاتها التى تؤثر فى عدد المحطات والوقت المستغرق فى بنائها.

 

وفى الحقيقة من المهم هنا رصد أن قطاع الكهرباء نجح تقريبا فى مضاعفة قدرة الشبكة فى الفترة ما بين 2000 و 2011 وأنه من اكثر القطاعات كفاءة نسبيا، فالإشراف المالى والفنى على انشاء وإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء هو مهمة كبرى تحتاج دولاب عمل جادا الا أن هذا لا يمنع انه مريض بأمراض الدولة المصرية فهى مؤسسة فرعونية تتركز الصلاحيات فى يد قيادتها العليا وتلعب المجاملات والوساطة دورًا مهما فى كل أوجه العمل، كما انها متخمة بالعمالة الزائدة مع عدم القدرة على الاحتفاظ بالكفاءات التى نشأت فيه والتى تتركه للعمل فى الخليج أو فى الشركات خاصة هربا من الدخول المتدنية نسبيا وحالة الاحباط العامة داخل القطاع الذى يحرم بدوره من أفضل ابنائه، وأخيرا ونظرا للحالة الفقيرة للشبكة تحرم المحطات فى احيان كثيرة من الصيانة الدورية لعدم القدرة على الاستغناء عنها، الأمر الذى يضر بكفاءة المحطات وعمرها الافتراضى، كما يزيد من احتمال خروجها الطارئ كنتيجة للأعطال المفاجئة، ويجعل الشبكة معرضة فى اوقات الضغط الشديد لفقد بعض المحطات وبالتالى اللجوء اضطراريا لبرنامج تخفيف الاحمال الاسم الدبلوماسى «لقطع الكهربا» أى اننا عمليا امام شبكة فقيرة تعانى من ادارة ينقصها الكثير من اسباب الرشادة لاسباب تتعلق بالترهل الحاد الذى اصاب الدولة المصرية وحالة التردد السياسى الذى صبغ الاعوام الاخيرة لنظام مبارك الذى أعاق تنفيذ أى خطة جادة للإصلاح، فالكهرباء كغيرها من القطاعات لم يبق لها غير مشروع لإدارة الأزمة.

 

وتبقى المشكلة أن الأزمة لا تضر جميع المواطنين بنفس القدر، فالشبكة الضعيفة قد استهلكتها اجهزة تكييف الطبقة العليا واحياؤها الجديده التى انشئت من فوائض أموال الانفتاح المريض على الاقتصاد العالمى والتى لم يستفد منه الا هذه الشرائح، ولم يبق للطبقات الشعبية سوى مواجهة تخفيف الاحمال، فعلى الرغم من أن الازمة قد طالت الجميع فلم يكن من الممكن ومع زيادة استهلاك الاحياء الغنية اعفاؤها بالكامل من برنامج تخفيف الاحمال أو حمايتها من الاعطال الطارئة الا أن العبء الأكبر وقع بالأساس على الأحياء الفقيرة والقرى، التى تعايرها الانظمة المتلاحقة بدعم تشير كل الدراسات إلى أن المستفيد الاكبر منه ايضا هو الشرائح الوسطى والعليا، كما أن المشاريع كثيفة ومتوسطة الاستهلاك ما زالت تحظى بدعم فى سعر الطاقة، الامر الذى يحتاج نقاشا جادا حول جدواه.

 

كل التفسيرات التى خرجت علينا لا تمس جوهر المشكلة، فالمشكلة تكمن فى دولة قضى الاستبداد على كفاءتها وعدالتها، وشلها غياب الشرعية والشفافية، فلا يمكن النظر فى مستقبل الطاقة وقطاع الكهرباء بدون الحديث مثلا عن مشروع نووى لإنتاج الكهرباء فتأسيس شبكات كهربائية مستقرة تدعم مشروعا جادا للتنمية سيتطلب برنامجا نوويا لإنتاج طاقة كثيفة ورخيصة نسبيا ،لكن هذه الاقتراح بدوره يحتاج الى نقاش جاد حول قدرة الدولة على ادارة مشروع حساس كالمشروع النووى، التى لا يمكن البدء فيه الا بعد اصلاح جاد لمؤسسات الدولة الغارقة فى الترهل والفساد، وربما ينبئنا ما حدث فى مشروع الضبعة عن فشل دولة مبارك فى التخطيط أو انجاز أى مشروع استراتيجى ولكن ماذا عن حكامنا الجدد؟ هل سيصارحوننا عن حقيقة الدولة والأزمة ام سيصرفوننا عنه بالدعوة لجمع القمامة، هل لديهم خطط للإصلاح عادلة ورشيدة، ام سيستغلون ازمة انقطاع الكهرباء للترويج لخصخصة القطاع بدون الحديث عن خططهم للسيطرة على السعر وخطط حماية المستهلك وعن بدائل حل الأزمة ومن سيتحمل ثمن كل بديل؟.

التعليقات