تمصير العدالة الانتقالية - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تمصير العدالة الانتقالية

نشر فى : الجمعة 6 سبتمبر 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 6 سبتمبر 2013 - 9:11 ص

حين نزل شباب الالتراس فى شوارع القاهرة يرفعون شعار القصاص أو الفوضى قبل صدور الأحكام فى قضية مجزرة استاد بورسعيد كان هذا نموذجا حيا لما يمكن أن تمضى إليه مصر اذا لم تقم العدالة واذا استمر شعور مجموعة ما بالتهميش أو الاضطهاد أو ضياع الحقوق خاصة حق الدم.

منذ عام 1981 مرت على مصر أربعة أنظمة حاكمة هى نظام مبارك ثم المجلس العسكرى ثم الإخوان ثم النظام الحالى، سالت الدماء فى العصور الأربعة بلا استثناء ومع اختلاف الظروف والملابسات إلا أن الواقع يقول أن هناك آلاف المصريين الذين سالت دماؤهم ومن ورائهم مئات الآلاف من أهليهم وذويهم ممن يحملون روح الثأر تجاه كل نظام، ومهما خفتت أصوات هؤلاء حينا فإن النار تحت الرماد وقد تشتعل فى أى لحظة.

لم يُظهر أى نظام حتى الآن إرادة سياسية حقيقية لتطبيق العدالة الانتقالية لطى صفحات الماضى ونزع مسببات الكراهية وبدا المشهد أننا نسلم ثأرا لثأر ومع كل يوم تتسع دائرة الدم لتضم ساخطين جددا وطلاب ثأر يشعرون بالظلم وبغياب العدالة.

العدالة الانتقالية منظومة من القرارات التى يتخذها المجتمع والدولة لمعالجة ما حدث من انتهاكات لحقوق الإنسان، بهدف تحقيق الاعتراف الواجب بما تكبدته الضحايا من انتهاكات وتعويضهم ومحاسبة مرتكبيها.

تعالج العدالة الانتقالية جراح الماضى وتوقف انتهاكات الحاضر وتمنع تكرار الانتهاكات فى المستقبل لأنه لا يمكن التقدم للأمام وتحقيق أى انتقال ديمقراطى ما لم تتم معالجة ملفات الماضى فيما يتعلق بتلك الانتهاكات وبدون العدالة الانتقالية لا يمكن الوصول لبناء نموذج ديمقراطى فى أى دولة تتخطى الماضى بلا ترميم والتئام وتهدر الحقوق التى لا تموت فى قلوب أصحابها.

لا تقوم العدالة الانتقالية على الثأر والانتقام، ولكن تعمل على الوصول إلى حل وسط بين الحاكم والمحكوم، بين مرتكب الإنتهاكات وضحاياه، فى محاولة لمراجعة ما تم والخروج منه، لإعادة بناء وطن للمستقبل يسع الجميع وعماده احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

●●●

أغلب تجارب العدالة الانتقالية فى العالم اعتمدت على عدة آليات أهمها:

الآلية الأولى: المحاكمات والتحقيق فى الجرائم عبر اصدار قانون بتشكيل محكمة خاصة يحدد لها صلاحية واختصاص واجراءات وتقوم بمساءلة كل شخص طبيعى أو معنوى جنائيًا ويكون عُرضة للعقاب عن أية جريمة تدخل فى اختصاص المحكمة.

الآلية الثانية: لجان الحقيقة والمصالحة وهى هيئات غير قضائية وتعمل عادة لفترة زمنية محددة تجرى خلالها تحقيقات بشأن الانتهاكات التى وقعت فى الماضى القريب بطرق مختلفة تتراوح بين تعويض وتأهيل الضحايا وكشف حقيقة الأحداث وأسماء الجناة وتعريضهم للمساءلة والمحاكمة، وإصدار تقارير وتوصيات بشأن سبل معالجة الانتهاكات والترويج للمصالحة، وتعويض الضحايا وإحياء ذكراهم، وتقديم مقترحات لمنع تكرر الانتهاكات مستقبلا وبتحقيق مصالحة وطنية كفيلة بتحقيق تحول بناء نحو الديمقراطية.

الآلية الثالثة: تعويض الضحايا وجبر الأضرار ويشمل ذلك التعويض المادى والمعنوى المباشر عن الأضرار أو ضياع الفرص ورد الاعتبار لمساندة الضحايا معنويا، واستعادة ما فقد إن أمكن.

الآلية الرابعة: الإصلاح المؤسسى ويستهدف إصلاح المؤسسات التى لعبت دورا فى هذه الانتهاكات (قد تكون مؤسسات عسكرية أو أمنية أو قضائية أو ادارية.. الخ).

ويحتاج هذا إلى تعديلات تشريعية وأحيانا دستورية ويتضمن التخلص من ترسانة قوانين الماضى التى شُرِعت من أجل هيمنة النظام السابق على مقدرات الحياة السياسية.

الآلية الخامسة: إقامة النُصُب التذكارية وإحياء الذاكرة الوطنية الجماعية كآلية لإحياء ذكرى الضحايا والتأكيد المستمر على عدم الوقوع فى نفس الأخطاء مرة أخرى.

هذه الآليات لا تطبق بصورة منفصلة أو منفردة عن بعضها البعض وانما يجب تطبيق كل الآليات معا.

●●●

السؤال الذى يطرح نفسه هل يمكن أن يتم تطبيق هذه المنظومة فى مصر الآن؟

الاجابة التى قد تحبط الكثيرين هى لا! لأن هناك معوقات أساسية منها:

أولا: غياب الإرادة السياسية نظرا لأن تطبيق منظومة العدالة الانتقالية سيفتح الباب لمساءلة رموز ومسئولين كُثر فى الأنظمة الأربعة وقد لا تكون هناك الشجاعة لمواجهة هؤلاء واخضاعهم للقانون.

ثانيا: ضرورة استقلال السلطة القضائية لأنه لا تطهير للمؤسسات أو عزل الجناة أو حتى المحاكمات دون إقرار قانون جديد للسلطة القضائية، يضمن استقلاليتها وتحريرها من سيطرة وزارة العدل والجهات التى تتدخل فى شئونها والمطلوب ليس فقط استقلال القضاة ولكن أيضًا النيابة العامة وخبراء وزارة العدل بما فيهم الطب الشرعى الذى يعتبر حجر الزاوية فى طمس حقائق ما أو إظهارها.

لذلك علينا أن نبحث عن خيار يقرب المسألة ويجعلها قابلة للتحقيق عبر بذل مجهود حقيقى من أهل الاختصاص والدولة فى صناعة نموذج مصرى جديد يحقق أهداف العدالة الانتقالية الأساسية وينزع نار الثأر من المجتمع، وما حدث فى تجربة المصالحة التى أتمها الجيش فى محافظة مرسى مطروح يستحق التأمل ويفتح الباب للتفكير فى تعميم النموذج.

لا يعنى هذا اعطاء صكوك براءة مجانية للقتلة ولا تفريطا فى حقوق الشهداء ولكنه يعنى أن مصر فى خطر داهم يهدد الحاضر والمستقبل والتهاون فى تحقيق العدالة سيفتح أبواب الجحيم على الجميع ولن تقوم دولة ولن تتحقق ديمقراطية إلا إذا تحققت العدالة وطوينا صفحة الماضى على أسس العدل ورد الحقوق وإطفاء نار الكراهية وروح الثأر.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات