الحرية والإصلاح فى الجامعات المصرية - ليندسى أورسولا - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 11:44 م القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرية والإصلاح فى الجامعات المصرية

نشر فى : السبت 6 أكتوبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : السبت 6 أكتوبر 2012 - 8:35 ص

نظام التعليم العالى الذى ورثته الحكومة المصرية المدنية الجديدة من عهد مبارك مختل بشدة، فهو يعانى من نقص فى التمويل وفى أعداد الموظفين، ومن الحوكمة غير الشفافة، والقمع السياسى. ومع ذلك، التغيير الذى حدث فى هذا المجال لم يرقَ إلى كونه ثورة.

 

لن يتحسن الوضع فى الجامعات المصرية إلى أن تتوافر الإرادة السياسية اللازمة لخلق نظام أكثر شفافية وانصافا. إذ ينبغى أن تُمنح الجامعات سلطة الرقابة والسيطرة على ميزانياتها، وأن تبدأ مناقشة مفتوحة ومستنيرة بشأن توزيع الموارد العامة. كما ينبغى أن تجرى مصر عملية إصلاح شاملة لطريقة توظيف جامعاتها الوطنية لأعضاء هيئة التدريس وقبول الطلاب، وتطور برامج جديدة تزود الطلاب بشهادات مفيدة فى سوق العمل اليوم. وعلى رغم الحساسية السياسية للقضية، فإن التزام الدولة بتوفير التعليم الجامعى المجانى لجميع المواطنين بحاجة إلى إعادة تقييم.

 

يتعين على مصر القيام بعدد من الإصلاحات الأساسية والصعبة لتحسين نظام الجامعات الحكومية المُثقل بالأعباء وضعيف الأداء. فهذا أمر ضرورى للتصدى لتطلّعات الشباب المصريين والاستفادة من إمكاناتهم.

 

 

 

آمال كبيرة بالتغيير

 

الإصلاح الجامعى لم يُحقِّق تقدّما يذكر، ولم يحدث سوى القليل من التحسينات المؤثّرة، مثل إجراء انتخابات حرّة للاتحادات الطلابية والمناصب الإدارية فى الجامعات. كما تقلّص الوجود القمعى لقوات الشرطة وأجهزة المخابرات فى الحرم الجامعى. بيد أن هذه التغييرات لم تقلب الوضع القائم بالقدر الذى كان يأمل فيه البعض. فقد أُعيد انتخاب العديد من المسئولين الحاليين، وفى هذه الأثناء، تربض أجهزة الشرطة والمخابرات وراء الكواليس، بانتظار اللحظة المناسبة للعمل. فهى ترصد الحياة فى الحرم الجامعى بشكل أكثر تكتّما، لكنها لم تختفِ بأى حال. ولم يتم إلى الآن إضفاء الطابع المؤسّسى على المكاسب التى تحققت. وقد تعثّرت خطط إصدار قانون جديد للجامعات ولوائح طلابية جديدة تحلّ محل اللوائح القديمة المقيّدة بسبب حالة عدم الاستقرار المستمرة، والأزمات الدورية التى تعصف بالفترة الانتقالية، وقضايا الشرعيّة، والخلافات بين الإسلاميين ونظرائهم العلمانيين.

 

 

 

صورة التعليم العالى فى مصر

 

تضخّمت الجامعات الحكومية المصرية على نحو لايمكن السيطرة عليه. فهناك اليوم حوالى 300 ألف طالب فى جامعة القاهرة، حيث إن عشرات آلاف الطلاب مسجّلون فى كل كلية، مثل التجارة والحقوق. وتقدّم جامعة الأزهر، والتى لها حَرَمَان اثنان فى القاهرة، فضلا على الكثير من الفروع فى المناطق المختلفة، خدماتها لحوالى 500 ألف طالب.

 

يستهلك التعليم الجامعى أيضا قدرا كبيرا من الأموال. وتمثّل ميزانية التعليم العالى جزءا كبيرا ــ ما يزيد عن الربع ــ من ميزانية التعليم فى مصر. وفقا للحكومة المصرية، ارتفع الإنفاق على التعليم فى العام 2011 إلى ما يزيد قليلا على 11 مليار جنيه مصرى من ميزانية الدولة، البالغة 594 مليار جنيه فى غضون ذلك، يجرى تقليص التمويل، حيث انخفضت ميزانية التعليم فى السنوات الأخيرة، كنسبة من الميزانية العامة ومن الناتج المحلى الإجمالى على حدّ سواء. ويستأثر الإنفاق على التعليم العالى بنحو 1 فى المئة من الناتج المحلى الإجمالى، وهى نسبة لا تقلّ عن المتوسط العالمى، لكن الزيادة المستمرة فى عدد الطلاب فى مصر تعنى أن الاستثمار فى التعليم يؤدّى إلى مردود ينخفض باستمرار.

 

تعمل الجامعات فى ظل إدارة مركزية وغير شفافة. وتتخذ وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات الذى يرأسه الوزير، وموظفوه فى الغالب هم من رؤساء الجامعات، كل القرارات المهمة.

 

النشاط الجامعى

 

منذ فبراير 2011، هزت الاحتجاجات المتكررة الجامعات فى مصر. وبعد ترك مبارك السلطة مباشرة تقريبا، بدأ الطلاب وبعض أعضاء هيئة التدريس تنظيم تظاهرات منتظمة تدعو إلى التخلّص من مديرى بارزين على صلة وثيقة بالنظام السابق ومتّهمين بالفساد والقمع السياسى فى الحرم الجامعى. وفى الوقت نفسه، شهدت الجامعات الخاصة أيضا نصيبها من النشاط فى الحرم الجامعى، ففى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، اعترض الطلاب على قاعة للمؤتمرات تحمل اسم السيدة الأولى والخريجة السابقة سوزان مبارك. وطوال السنة الدراسية 2011/2012، تعاون الطلاب والعاملون فى مجال الحراسة فى تنظيم سلسلة من الاحتجاجات المطالبة بتحسين ظروف العمل، ووضع حد أقصى لارتفاع رسوم التعليم، وإظهار قدر أكبر من الشفافية فيما يتعلق بالشئون المالية للجامعة.. وفى الجامعة الألمانية فى القاهرة أدت الاحتجاجات الطلابية ضد السلطات العسكرية فى أعقاب مقتل 71 من مشجعى كرة القدم فى مشاجرة مأساوية فى استاد بورسعيد (كان من بين القتلى أحد طلاب الجامعة)، إلى مواجهة خطيرة، استمرت بضعة أشهر، مع المسئولين الإداريين فى الجامعة.

 

 

 

الانتخابات فى الحرم الجامعى

 

واصل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس التعبئة حول مطلب إجراء الانتخابات، وكان هناك تأييد واسع من الأحزاب السياسية المختلفة لفكرة التمثيل المباشر. وبعد أن هدّد أعضاء هيئة التدريس بالبدء فى إضراب عام فى خريف عام 2012، عقدت العديد من الجامعات انتخابات لمناصب الرؤساء وعمداء الكليات. جرى انتخاب العمداء مباشرة من قبل أعضاء هيئة التدريس، حيث تم احتساب أصوات الأساتذة والأساتذة المساعدين والمدرسين المساعدين بشكل مختلف. اختارت لجان هيئة التدريس المنتخبة من داخل كل قسم الرؤساء، وهو النظام الذى كان من المفترض أن يؤدى إلى عملية اختيار مدروسة ومتأنية أكثر مما ستكون عليه الانتخابات المباشرة على مستوى الجامعة.

 

كما أجريت انتخابات حرة لاتحاد الطلاب للمرة الأولى منذ عقود، وأعيد فى صيف عام 2011 إحياء الاتحاد الوطنى للطلبة فى مصر بعد حظره مدة 32 عاما. مع ذلك، ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذه الانتخابات، فى حالات قليلة، إما أعادت شاغلى المناصب إلى مناصبهم أو لم تؤد الى فوز شخصيات إصلاحية.

 

 

 

الشرطة فى الحرم الجامعى

 

حدث تغيير آخر واضح تمثّل فى الانسحاب الظاهر لقوات الشرطة والاستخبارات من الحرم الجامعى، إذ لم يكن وجودها فى الجامعات قانونيا أبدا، بالمعنى الدقيق للكلمة. أصبحت الجامعات المصرية أكثر حرية بكثير مما كانت عليه فى عام 2010، حيث يمكن للطلاب وأعضاء هيئة التدريس أن يعبّروا عن أنفسهم ويتدبّروا أمورهم على نحو غير مسبوق. ويتولّى موظفو أمن مدنيون حراسة أبواب معظم الجامعات الآن، ولم يعد الطلاب يتعرّضون إلى المضايقة، ويمكن للطلاب وأعضاء هيئة التدريس أن ينظّموا المعارض والمؤتمرات والمسيرات فى الحرم الجامعى بحرّية.

 

 

 

قوانين فى عالم النسيان

 

يتّفق جميع العاملين فى المجال الأكاديمى المصرى على أن ثمة حاجة لسنّ قانون جديد ينظّم الجامعات القومية. ومع ذلك، فى خلال عام ونصف العام منذ إطاحة مبارك، لم يتمكن الطلاب والأكاديميون من التوصّل إلى التوافق اللازم فى الآراء لوضع هذه القوانين الجديدة وإقرارها. وفى ظل غياب أى تقدم أو اتفاق على صعيد إقرار قانون جامعى جديد، وافق البرلمان، فى ربيع العام 2012، على إجازة ستة تعديلات على القانون المعمول به حاليا، وإضفاء الطابع الرسمى على إجراءات انتخاب عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، والنصّ على إقرار زيادات فى رواتب مساعدى التدريس والأساتذة المساعدين والأساتذة لتتراوح ما بين 1000و3500 جنيه مصرى. لكن حتى هذه الخطوة الصغيرة تمت عرقلتها. فقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن قانون الانتخابات البرلمانية غير دستورى، من المحتمل جدا أن يظل قانون الجامعة فى طى النسيان حتى يتم عقد انتخابات برلمانية جديدة.

 

عانت اللائحة الطلابية الجديدة من مصير ملتوٍ وفاشل على نحو مماثل. فمن شأن اللائحة الداخلية أن تنظّم انتخابات اتحاد الطلاب والنشاط السياسى فى الحرم الجامعى. وقال الطلاب أنه يتعيّن أن يكتبوا اللوائح بأنفسهم ويوافقوا عليها فى استفتاء. بيد أن الطلاب واجهوا صعوبات فى تحديد عملية ذات صبغة تمثيلية قد تتحقق الصياغة من خلالها. اعترضت مجموعات طلابية مسيّسة على حق اتحاد الطلاب وحده فى تمثيلهم، على سبيل المثال.

 

 

 

التطلّع إلى المستقبل

 

تتمثّل إحدى سمات اللحظة الراهنة فى أن هناك، للمرة الأولى منذ عقود، قدرا أكبر من الحرية فى الجامعات المصرية للطلاب والأساتذة للمشاركة فى هذه المناقشات. ويتمثّل التحدّى بالنسبة لهم فى إيجاد سبل لبناء توافق فى الآراء حول مطالبهم وإسماع صوتهم فى ظل التنافر السياسى المنهك فى الوقت الراهن.

ليندسى أورسولا كاتبة ومراسلة صحيفة مقيمة فى القاهرة
التعليقات