الديمقراطية اليتيمة والبرادعى - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديمقراطية اليتيمة والبرادعى

نشر فى : السبت 24 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 24 أغسطس 2013 - 8:00 ص
لا يستطيع عاقل أن يمتدح ما يحدث فى مصر هذه الايام وإلا يوصف بأنه انسان مخرف، فالقتل والحرائق فى كل مكان، ولأول مرة فى تاريخ مصر يتم تدمير هذا العدد من الكنائس والاديرة والمدارس والمؤسسات الاجتماعية والمشاريع الاقتصادية التى تخدم المجتمع ككل وخاصه الفقراء، ومن الواضح لمن يقومون بذلك أن هذه الاعمال والاحداث لن تعيد لهم الحكم، ومن العجيب أن الغرب يؤيد ما حدث ويحمل مسئوليته على القوات المسلحة المصرية التى ارادت أن تمنع حربا أهلية طائفية.

●●●

ومن الغريب والعجيب انى اكتشفت ان هذه الصورة واضحة جدا فى الغرب، أى أن الغرب الأوروبى والأمريكى يدرك جيدا أن القوات المسلحة منعت حربا أهلية وأن ذلك يصب فى مصلحة مصر بل وفى مصلحة الغرب وهذا الأمر فى غير حاجة لتوضيحه لهم لذلك قصدت فى زيارتى الأخيرة لأمريكا الأسبوع الماضى أن التقى صديقى عضو الكونجرس وسألته مباشرة: هل تحتاج أمريكا أن تفهم؟!

فأجاب بمنتهى الثقة وهو يضحك: بالطبع لا، انهم يفهمون كل شىء، قلت إذن لماذا؟! لماذا يرسلون ماكين وهيجل ليتحدثا عن انقلاب وقطع معونة؟! لماذا يؤيدون مظاهرات وتدمير الإخوان للدولة؟! أجاب بمنتهى الهدوء: إن أمريكا على أى حال تريد مصر ضعيفة مترددة سواء كان الحكم فيها عسكريا أو مدنيا أو دينيا ليسهل التحكم فيها.

لقد فوجئوا بظهور شبح عبدالناصر ثانية وأمريكا فضلت الإخوان لأنهم تصوروا أنهم الاضعف والاسهل قيادة، ولو حاول الإخوان أن يمتلكوا إرادتهم ويستقلوا بإدارة مصر لرفضوهم. إن مصر يجب أن تبقى مثل قطعة الفلين التى تحدث عنها هنرى كيسنجر لا تغرق ولا تقدر على التحكم فى مصيرها وأهم من كل ذلك أن تكون غير مستقرة.

إن الخبرة التاريخية لهم مع مصر الممتلكة لإرادتها مرعبة فمصر المستقلة أممت قناة السويس وتعرضت نتيجة لذلك لغزو من ثلاث دول ولم يهتز لناصر جفن وصّدر لشعبه انه قادر على الانتصار وقد كان ثم تعرضت مصر لهزيمة ساحقة عام1967 وخرج شعب مصر متمسكا بالزعيم خشيه أن يتمزق الوطن الى اشلاء، ثم تنهد صديقى ونظر الى بعيد وفاجأنى بالقول إن قفزة السادات لاستعادة قناة السويس وسيناء بالحرب ثم السلام جعل إسرائيل والغرب يفقدون توازنهم ويتركون الأراضى المصرية دون المساس بأى حبة رمل لذلك عملوا على التخلص من السادات وجاء مبارك لهم هدية من السماء فهو ليس زعيما بطبيعته ولا يمتلك حلما مثل ناصر أو السادات ولقد نجح وبمهارة أن يحافظ على قطعة الفلين كما يجب أن تكون وبقى الحال على ما هو عليه حتى انفجر بركان 25 يناير ومن يومها تلاحظ التخبط الأمريكى.

ففى الفترة التى حكم فيها المجلس العسكرى بعد الثورة ضغطوا لكى تبقى مصر غير قادرة على امتلاك ارادتها فهى كانت تعلم بيقين من هو الطرف الثالث ولم تصرح بذلك ولا مرة واحدة وكانت تعلم أيضا أن القيادات العسكرية قد شاخت كما مبارك وكانت تدرك انه لو وصل الإخوان للحكم لأول مره فى التاريخ فسوف تكون أياديهم مهتزة وسيقبلون بأى مخطط أمريكى، لذلك ضغطوا وبشدة لوصول الإخوان للحكم، واقنعوا القوات المسلحة انهم لن يستطيعوا أن يقفوا فى وجهة الإخوان والذين هددوا بإحراق مصر لسببين الاول أن الجيش فى الشوارع لعام ونصف، فضلا على إحساسهم بالسأم بسبب الهتافات المتكررة «يسقط.. يسقط حكم العسكر».

قد انهك تماما، أما السبب الثانى فهو أن الشرطة منهارة فكيف سيتصدون للحريق فى حالة اندلاعه!! لذلك عليهم ان يتركوا الحكم للإخوان لنرى كيف سيديرون امور الدولة وبعد ذلك يمكن أن يقيموا. وهكذا حكم الإخوان مصر ولكن بعد عام من حكمهم تكشف انهم لم يحققوا أيا من اهداف الثورة ولا حتى اعلنوا خطة جادة بخصوص ذلك لذلك ثار الشعب عليهم وهنا شجع الغرب محمد مرسى على ألا يخضع لإرادة الشعب واكدوا له وقوفهم معه حتى النهاية.

وقد قامت السفيرة الامريكية بدور متميز بهذا الشأن ولم تتوقع أمريكا ان السيسى يمكن ان يقدم على شىء دون التشاور معهم، لكنهم فوجئوا بما اطلق عليه خريطة الطريق وهذه المفاجأة المحت بامكانية استقلال القرار المصرى لذلك اختل توازنهم فشجعوا الاعتصامات والمظاهرات والعنف الشديد ولم يحتجوا على احتراق الكنائس والمدارس.. الخ وتناسوا منظومة حقوق الانسان والتى يستخدمونها عندما يريدون الضغط على اى حاكم من العام الثالث والسبب هو أن هدفهم الان هو إضعاف مصر.

●●●

بعد فترة من الصمت لم ارد فيها ان أربك تفكيره فاجأنى بالسؤال هل تعلم لماذا استقال البرادعى؟! أجبت هو يقول انه كانت هناك طرق عديدة للمصالحة دون عنف والوزارة تعجلت فى فض الاعتصامات قال مع الاسف هذا الكلام غير دقيق ولا واقعى.

ان البرادعى يعلم جيدا ان الديمقراطية فتاة يتيمة تحتاج لمن يتبناها والاب القوى الذى يتبناها فى الغرب هو القانون والقانون فى امريكا اقوى من البنتاجون والجيش الامريكى بل ومؤسسة الرئاسة أما بالنسبة للعالم الثالث فالقانون مهان وضعيف وأى صاحب سلطة أو ثروة أو حيثية يمكنه أن يدوس القانون بحذائه لذلك فالذى يتبنى الديمقراطية فى العالم الثالث هى القوات المسلحة ولذلك تعلن كل ثورة انها أتت بسبب غياب الديمقراطية لكن المشكلة ان قيادة الثورة عندما تذوق سطوة الحكم ترفض تطبيق الديمقراطية خاصة عندما تجد شعوبها قد ادركت انه يجب ان يكون القانون فوق الجيش فتبدأ هى بتحطيم القوانين بالقوانين الاستثنائية وفرض حالات الطوارئ وهو ما فعله ناصر والسادات ومبارك.

ولكن إن كان السيسى يريد أن يسير فى الطريق الصحيح لحماية الديمقراطية عليه اولا أن يعيد الأمن لأنه بذلك يستعيد هيبة الدولة ثم يبدأ فى تعضيد وإعلاء قوة القانون ولا يعيد ما فعله من حكموا من قبله من ثورة يوليو حتى اعلانه خريطة الطريق وهنا اعتدل فى جلسته وقال بمنتهى الجادية: أنا أعتقد أن البرادعى يدرك كل ذلك لأنه عاش فى الغرب ويعلم أن القانون هو الأب الشرعى للديمقراطية وأن القوات المسلحة عندما تحقق القانون على الارض مقدمة ذاتها نموذجا فإنها تمهد الطريق لسيادته ومع ذلك قدم البرادعى استقالته!!! وهنا رفع حاجبيه ومط شفتيه وصمت فاستأذنت وانصرفت فى هدوء تام.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات