يحدث فى الكوكب الآخر - فهمي هويدي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يحدث فى الكوكب الآخر

نشر فى : الأحد 7 فبراير 2016 - 10:35 م | آخر تحديث : الأحد 7 فبراير 2016 - 10:35 م
بعض الأخبار أنوار تلمع وتنعش وتضىء أشواق الأمل والثقة. فحين دعت رئيسة حزب «البديل لألمانيا» فراوكه بترى الشرطة إلى قتل اللاجئين «وتصفيتهم» إذا ما حاولوا دخول البلاد بشكل غير شرعى، فإن دعوتها قوبلت باستهجان شديد، حيث تصدى لها بعض ممثلى الأحزاب اليسارية واستهجن كلامها اتحاد الشرطة الألمانى. إذ رد عليها مستنكرا توماس أوبرمان العضو البارز فى الحزب الديمقراطى الاجتماعى الممثل ليسار الوسط قائلا إن آخر زعيم ألمانى كانت تطلق فى عهده النار على أمثال هؤلاء هو أريش هوينكر زعيم ألمانيا الشرقية فى المرحلة الشيوعية. وتلك جريمة ينبغى ألا تتكرر. من ناحية أخرى، قال متحدث باسم اتحاد الشرطة الألمانى إنهم لن يطلقوا النار على المهاجرين المدنيين العزل أبدا لانهم ملتزمون باحترام القانون، مضيفا أن دعوة بترى تنم عن عقلية متطرفة وغير إنسانية. ومثل تلك الآراء المتشددة مرفوضة وتستحق الحساب لأنها تشجع على الكراهية وتدعو إلى القتل خارج القانون.

الإضاءة فى حالة وزيرة العدل الفرنسية أكبر. ذلك أن السيدة كريستيان توبيرا التى شغلت ذلك المنصب منذ عام ٢٠١٢ رفضت التعديلات التى أراد الرئيس هولاند إدخالها على الدستور بدعوى مكافحة الإرهاب، بعدما تعرضت باريس مرتين للعمليات الإرهابية خلال شهرى يناير ونوفمبر الماضيين. وأراد بالتعديل الأول النص على إسقاط الجنسية عن الفرنسيين الذين يتمتعون بجنسية مزدوجة، إذا ما أدينوا فى العلاقة بالإرهاب، حتى وإن ولدوا على الأراضى الفرنسية. التعديل الثانى دعا إلى إدخال الطوارئ فى الدستور.

تحفظت على التعديلين الوزيرة ذات البشرة السوداء، (مولودة فى غوايانا الفرنسية التى تعد أحد أقاليم فرنسا الواقعة وراء البحار على الساحل الشمالى لأمريكا الجنوبية). إذ وجدت أن فيها مساسا بحقوق المواطنين الأساسية، باعتبار أن الجنسية لا يجوز سحبها من صاحبها تحت أى ظرف. حتى إذا أدين فى جريمة إرهابية. ذلك أن القانون تكفل بعقابه فى هذه الحالة، وليس من حق الدولة أن تمعن فى التنكيل به بعد تطبيق النصوص القانونية عليه. ثم إن الوزيرة الرافضة للتعديلات وجدت أن عليها أن تدافع عنها أمام البرلمان، فأدركت أنها تطالب بتبنى موقف يتناقض مع قناعتها كوزيرة للعدل فقدمت استقالتها، وعادت إلى بيتها مستخدمة الدراجة التى كانت تركبها فى الذهاب إلى مكتبها. وكتبت على صفحتها تغريدة قالت فيها ما نصه: أحيانا تتم المقاومة بالبقاء والصمود، وأحيانا تعنى الرحيل لتكون الكلمة الأخيرة للأخلاقيات والحق.

ثمة خبر منير ثالث قرأته عن وزير اقتصاد أوكرانيا ايفاراس ايرومافيسيور الذى قرر تقديم استقالته من منصبه لسبب لا يخطر على بال أحد. فقد نشرت الصحف الصادرة فى ٢ يناير أن الرجل وجد أنه غير قادر على القيام بالإصلاحات اللازمة لتحقيق النمو فى بلاده بسبب العراقيل التى تضعها مراكز القوى فى طريق جهوده. وحين أدرك ذلك فإنه رفض الاستمرار فى منصبه، وقرر أن يغادره كى يتيح الفرصة لغيره ممن يجدون لأنفسهم القدرة على تمكنهم من القيام بالمهمة.

حين يطالع المرء مثل هذه الأخبار بعد أن يطوى صحف الصباح المحلية فقد يخطر له أن أمثال هؤلاء الناس قادمون من كوكب آخر غير الذى نعرفه ونعيش فيه. أستثنى منهم الألمانية زعيمة الحزب اليمينى التى دعت إلى إطلاق الرصاص على اللاجئين، إذ يشك فى أن لها نسبا ببعض عناصر السياسيين والإعلاميين عندنا، التى تهلل للقتل والتصفية وتروج للكراهية طول الوقت معتبرين الإبادة والإقصاء عملا وطنيا يدعم الدولة والنظام.

تغرينا تلك النماذج بالمقارنة. فنستغرب كلام ممثل اتحاد الشرطة الألمانى، ليس فقط لأن الشرطة فى بلادنا مطلقة اليد فى استباحة كرامات الناس بإجماع تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة. ولكن أيضا لأن القانون يشجعها على ذلك ويحميها (المادة الثامنة فى قانون الكيانات الإرهابية أعفت الشرطة من أى مساءلة جنائية إذا استخدمت القوة فى أداء واجبها). كما ان موقف وزيرة العدل الفرنسية يبدو أسطوريا وخياليا إذا قورن بوزير العدل عندنا الذى دعا إلى قتل عشرة آلاف من عناصر الإخوان أو مشجعيهم مقابل كل جندى يقتل، كما اشتبك مع مجلس الدولة وانتقده حين رفض اقتراحا له يخول القضاء حق الاستغناء عن الشهود، الأمر الذى يهدر أحد الضمانات المقررة للدفاع عن المتهمين، وهو من أصدر قرارا يجيز انعقاد محكمة النقض داخل أحد مقرات الداخلية الأمر الذى اعتبره القضاة إهانة لهم ورفضوه. أما حكاية الوزير الذى استقال لأنه لم يعد قادرا على تنفيذ التنمية فى بلاده، فتبدو نكتة عندنا لأن ذلك صنف من المسئولين انقرض فى بلادنا ولم يعد له وجود.

أدرى أن السياسيين فى الكوكب الآخر ليسوا كلهم من تلك النماذج التى أشرت إليها، ففيهم الصالح والطالح. إلا أن ما يهمنى فى الأمر هو البيئة السياسية التى أفرزت هؤلاء وهؤلاء، التى ينبغى أن تقارن بالبيئة المقابلة التى أنجبت النماذج التى أشرت إليها عندنا، وهى المقارنة التى لا تشعرنا بالحزن والخجل فحسب، لكنها أيضا تنبهنا إلى أن المسافة بينا وبين قيم التقدم أبعد كثيرا مما نتصور.
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.