الجامعات العربية وسياسة الصمت تجاه قضايا الفضاء العام - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجامعات العربية وسياسة الصمت تجاه قضايا الفضاء العام

نشر فى : الأحد 7 فبراير 2016 - 11:25 م | آخر تحديث : الأحد 7 فبراير 2016 - 11:25 م
«هل من الممكن دراسة وممارسة النقد المعمارى فى مجتمع تغيب فيه ثقافة النقد تقريبا؟ وكيف يمكن ممارسة النقد فى مجتمع لا تتوافر فيه المعلومات الموثوقة اللازمة لذلك، حيث يشكك الكثيرون فى البيانات التى يمكن العثور عليها؟ وكيف يمكن للمرء انتقاد الهندسة المعمارية فى مجتمع جميع المبانى المعمارية ــ الجيدة ــ فيه فى طريقها إلى الزوال؟».

هذا ما كتبه نبيل الهادى، أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، فى مقال نشر فى العدد الأخير من مشاهد القاهرة Cairobserver ــ مجلة وموقع إلكترونى تأسس عام 2011 من قبل محمد الشاهد، الباحث الشاب فى التاريخ المعمارى والحضرى المصرى. ومع مساهمات العديد من الهواة، والطلاب، والأكاديميين من مختلف المجالات، أصبح موقع مشاهد القاهرة مصدرا قيما للمعلومات والتحليل فيما يتعلق بالعاصمة المصرية، حيث يشكل تطورها العشوائى محور الكثير من النقاشات.

من المؤسف أن هذا النقاش لا يحدث فى معظم الأحيان فى الجامعات. يبدو أن هذا هو الاستنتاج للمسألة التى انطلقت نقاشاتها فى 18 أكتوبر، والتى كرست لاستكشاف العلاقة بين الجامعات والمدينة، بين الطريقة التى تدرس بها الهندسة المعمارية، والهندسة، والتخطيط العمرانى، وبين المشكلات الملحة ــ الاقتصادية، والاجتماعية، وتلك المتعلقة بالحكم ــ الناجمة عن التوسع العمرانى الكبير.

يمتاز استخدام الفضاء العام بكونه مشحونا سياسيا فى جميع أنحاء الشرق الأوسط. ففى لبنان، تم تنظيم واحدة من أكثر حملات المجتمع المدنى نشاطا فى محاولة للحفاظ على الجزء الأخير المتبقى من ساحل بيروت غير المستغل. التمست «الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة» إيجاد خطط بديلة للتنمية فى المنطقة، فضلا عن تقديم الحجج القانونية والاجتماعية للحفاظ على الفضاء العام. فى أغسطس، أثارت موجة السخط على خدمات جمع القمامة غير الفاعلة فى بيروت احتجاجات سرعان ما تحولت إلى دعوة أوسع لوضع حد للفساد الحكومى.

***
فى المملكة العربية السعودية، خلق التطوير العمرانى العنيف فى المدن المقدسة فى مكة والمدينة ــ الذى تضمن تدمير العديد من المبانى التاريخية أثناء خطط إحاطة المسجد الكبير فى مكة بفنادق ضخمة ــ نقدا. لكن سرعان ما تم خنق الانتقادات فى داخل السعودية، بحسب إياد العلوى، مدير مؤسسة أبحاث التراث الإسلامى التى تتخذ من لندن مقرا لها، والمنتقد الدائم، فى الصحافة الأجنبية، لعمليات الهدم والتوسعات. يتبادل الباحثون السعوديون المعلومات معه، كما يقول علوى، لكنهم يخشون الاشتباك مع الشرطة الدينية، أو مع السلطات البلدية إذا ما تحدثوا عن الأضرار التى لحقت بالآثار.

مع ذلك، قد لا تكون قضية الفضاء العام أكثر إثارة للجدل فى أى مكان أكثر مما هو عليه الحال فى القاهرة، المدينة الألفية الشهيرة بالدراما والاختلال الوظيفى. فالقاهرة هى أكبر عواصم العالم العربى وأكثرها كثافة بالسكان (القاهرة الكبرى موطن لنحو 19 مليون مواطن) وتعانى من التلوث، والازدحام، والأحياء العشوائية الضخمة التى تفتقر للمساحات الخضراء والخدمات العامة. وقد كان قلب المدينة الحضرية الكثيف بالسكان السبب الرئيسى لقيام ثورة عام 2011 ضد الرئيس حسنى مبارك، حيث سمح لمئات الآلاف من الأشخاص التجمع بسرعة فى ميدان التحرير الشهير، والذى تم الصراع عليه، وسيطرت عليه الحراسة المشددة فى السنوات الأخيرة.

تبارت الجامعات نفسها ــ سواء الجامعة الأمريكية فى القاهرة، أو جامعة القاهرة، أو جامعة الأزهر الإسلامية ــ فيما بينها بقوة للحصول على مكان فى الحدث، وفى الجامعات الحكومية على وجه خاص، اشتبك الطلاب ورجال الشرطة بعنف.
يقول العديد من المساهمين فى مشاهد القاهرة إن هناك فجوة عميقة تفصل بين الجامعات فى القاهرة والتنمية فى العاصمة. وهذا الانقسام هو بالضبط ما يأمل الشاهد ــ الذى كتب أطروحته فى جامعة نيويورك عن العمارة والسياسة فى مصر بين ثلاثينيات وستينيات القرن الماضى ــ أن يبحثه. قال الشاهد، فى مقابلة صحفية: «هناك حالة من التناقض فى مصر، حيث هناك وضع عمرانى مفرط فى الاتساع ولكن مساهمة أقسام الهندسة المعمارية والتخطيط العمرانى تقريبا منعدمة».
لطالما كانت العاصمة المصرية محور اهتمام المنح الدراسية، كما درس بعض الباحثون المحليون الأحياء العشوائية وقاموا بتشغيل مشاريع رائدة هناك.

لكن وبالنسبة لمعظم أقسام الهندسة المعمارية والتخطيط العمرانى فى القاهرة «تحولت المدينة إلى شىء لا تعرف المناهج الدراسية كيفية التعامل معه»، بحسب الشاهد، الذى أضاف: «لا يزال الطلاب يقرءون عن أشياء تتصل بسبعينيات القرن الماضى، لكن ليس لها أدنى علاقة بالمدينة اليوم».

***
تتواجد بعض المشاريع الأكثر إثارة للاهتمام والتى تقدم دراسات على أرض الواقع وحلولا مبتكرة لمشكلات المدينة خارج الجامعات. لكن الأكاديميين وصناع السياسات لا يأخذون المقترحات على محمل الجد، بحسب الشاهد.

فى الواقع، ووفقا للمقالات المنشورة من قبل مشاهد القاهرة، والتى كتب العديد منها من قبل طلاب هندسة العمارة، فإن معظم الأساتذة لا يشجعون الطلاب على التعامل مع واقع المدن المصرية. حيث يعيش معظم سكانها فى أحياء عشوائية تم بناؤها بطريقة غير منظمة لاستيعاب العدد المتزايد لسكان العاصمة. يطمح المهندسون المعماريون للعمل مع السلطات، ليكونوا بمثابة مستشارين حكوميين والفوز بعقود الإنشاءات العامة لصالح شركاتهم. لكنهم نادرا ما ينتقدون سياسات التخطيط العمرانى العامة، والتى شجعت على تطوير مجمعات سكنية خاصة ومغلقة فى ضواحى المدينة، وركزت على المشاريع الكبرى، وغير الواقعية فى الغالب، مثل خطة بناء عاصمة جديدة فى الصحراء بقيمة 30 مليار دولار أمريكى ــ فى محاولة أخرى لفرض رؤية فوقية عوضا عن الإنخراط مع احتياجات المواطنين الفعلية.
  
أورسولا ليندسى


ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للإعلام
التعليقات